نصف قرن من الخبر… الوكالة الموريتانية للأنباء تحتفل بخمسين عامًا من الريادة، التحديات، والتحول

الشروق نت- نواكشوط
في مثل هذا اليوم، الأول من يوليو عام 1975، أبصرت الوكالة الموريتانية للأنباء النور، وخرج أول عدد من جريدة “الشعب” إلى الرأي العام الوطني، إيذانًا بانطلاق مؤسسة إعلامية سيادية رافقت نشأة الدولة الحديثة، وسعت منذ أول وهلة إلى تقديم خدمة إعلامية مهنية، رصينة، ومتصلة بنبض الوطن.
على مدى خمسين عامًا، شكّلت الوكالة مصدرًا موثوقًا للخبر الوطني، بصيغته الرسمية والدقيقة، وذاكرةً يوميةً لتاريخ موريتانيا الحديث، من خلال تغطياتها الإخبارية، وتحليلاتها، ونشراتها، وصورها التي أرّخت للّحظة الوطنية في أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
لكن مسيرة نصف قرن لم تكن خالية من الإخفاقات، إذ تعرّضت الوكالة، في محطات متعددة، لهزات مهنية وإدارية، تراوحت بين ضعف التمويل، وتراجع الجاذبية التحريرية، وتعطّل التكوين المستمر، وتقلص التوزيع الورقي، إلى جانب محدودية التحديث التكنولوجي في بعض الفترات، ما انعكس سلبًا على صورتها وفاعليتها في المشهد الإعلامي الوطني.
ورغم كل ذلك، استطاعت الوكالة، في كل مرة، أن تنهض من عثراتها، بفضل جهود أطرها، وبدعم غير معلن من قِبل صحفيين حملوا راية الوفاء في صمت.
وقد تعاقب على إدارتها عدد من الشخصيات التي طبعت تاريخها بميسمها الخاص؛ فمنهم من ركّز على الصرامة الإدارية، ومنهم من أولى العناية للمضامين، ومنهم من اجتهد في إعادة الاعتبار للموارد البشرية، بينما شهدت فترات أخرى نوعًا من التراجع في الرؤية وفقدان البوصلة.
غير أن نقطة التحول الفاصلة في العقد الأخير، بدأت مع وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الحكم، حيث بادر إلى إعادة الاعتبار للإعلام العمومي، وفي مقدمته الوكالة الموريتانية للأنباء، التي شهدت، تحت إدارتيْها الأخيرتين، محاولات جادة لاستعادة الروح المهنية، وتحقيق انفتاح على الوسائط الرقمية، وتكثيف التكوينات، وتحسين ظروف العمل، رغم التحديات الهيكلية العميقة.
وقد مثّلت مبادرة رئيس الجمهورية الأخيرة، القاضية بتسوية ملف المتعاونين، حدثًا مفصليًا في تاريخ الوكالة، أنهى سنوات من الهشاشة الوظيفية، ورسّخ الاعتراف الرسمي بجهود العشرات من الصحفيين والفنيين الذين ظلوا يعملون تحت عقود غير دائمة، في انتظار الأمل المؤجل.
ويُجمع مراقبون وإعلاميون على أن هذه التسوية جاءت في توقيت بالغ الرمزية، لتُضاعف من بهجة الاحتفاء بذكرى التأسيس، وتمنح دفعة قوية للعاملين في المؤسسة، وتدشن مرحلة جديدة من الحماس والعطاء، قوامها الإخلاص، والتطوير، والإيمان برسالة الوكالة كمنبر وطني مسؤول.
وهكذا، تحتفل الوكالة الموريتانية للأنباء اليوم بخمسين عامًا من المسيرة المتقلبة بين نجاح وإخفاق، لكنها تبقى ـ رغم كل شيء ـ المؤسسة التي لم تنقطع يومًا عن أداء رسالتها الوطنية، ولم تتخلَّ عن التزامها بالمهنية، ولم تغب عن مشهد الإعلام، ولو في أصعب الظروف.
إنه عمرٌ من العطاء، وتاريخٌ من التجدد، ومحطةٌ لتجديد العهد، بأن تبقى هذه المؤسسة مرآة صادقة لواقع الوطن، ومنبرًا يعكس صوته وتطلعاته، بعيدًا عن الارتجال، وبكثير من المهنية والانتماء.
عالي أحمد سالم الملقب البو
المدير الناشر لموقع الشروق نت