تشريد وتجويع وعطش جماعي… الثمن الخفي لمشروع سكر فم لكليته”

الشروق نت – فم لكليتة
في قلب مقاطعة أمبود، حيث تمتد أراضي مشروع فم لكليته الزراعي، تتكشف أزمة وجودية تهدد الأمن الغذائي والمائي لآلاف السكان.
المشروع الذي رُوِّج له تحت اسم “المركب الزراعي الصناعي لإنتاج السكر” تحوّل إلى صفقة مثيرة للجدل، بعد توقيع اتفاقية بين وزارة الاقتصاد ووزارة الزراعة الموريتانيتين وتحالف مقاولات تقوده مجموعة البدري السودانية، دون أن تستند إلى أي دراسة اجتماعية أو فنية.
سد فم لكليته، الذي بدأ تشغيله سنة 1988، صُمم لتأمين المياه لري 4000 هكتار فقط، بطاقة مائية تبلغ 500 مليون متر مكعب سنويًا، تنخفض إلى 250 مليون متر مكعب في الصيف.
ومع ذلك، تضمنت الاتفاقية أرقامًا تقول إن طاقة السد قابلة للزيادة إلى 1100 مليون متر مكعب، وهو طرح يصطدم بعقبات فنية واضحة لم تُأخذ في الحسبان، ويعكس، وفق خبراء محليين، غياب الواقعية وربما الجدية.
الأرقام تكشف التناقض بوضوح: حين كان السد في أقصى طاقته أواخر الثمانينيات، لم يكن يزود 137 ألف شخص في 400 قرية بالمياه كما يفعل اليوم، فكيف يمكنه الآن أن يتحمل عبء ري 17 ألف هكتار، أي أكثر من أربعة أضعاف طاقته الفعلية، دون أن يؤدي ذلك إلى عطش عشرات آلاف المواطنين؟
تقرير فني أُنجز سنة 2004، أشار إلى 19 مشكلة تتعلق بالسلامة والاستقرار في السد، ناجمة عن الصيانة المؤجلة، ما يضاعف المخاوف من تحميله أعباء إضافية.
ورغم أن الاتفاقية تنص على تمويل ضخم يقدر بعشرات المليارات من الأوقية، لم يرد فيها أي ذكر لمصير الأسر المهددة بالطرد، ولا لمصير 137 ألف مواطن يعتمدون على مياه السد للشرب.
البعد الإنساني للقضية يزيدها خطورة: آلاف الأسر المستهدفة اليوم بالطرد من أراضيها هي نفسها التي هجرت من مناطق مختلفة في مقاطعة أمبود قبل أكثر من 30 عامًا، بعد أن غمرت مياه السد مزارعها وقراها ، وقتها، حصلت على تعويض رسمي بمزارع وأماكن سكن داخل مشروع فم لكليته.
واليوم، تجد نفسها أمام موجة تهجير ثانية، هذه المرة باسم التنمية، مع خسارة مورد رزقها الوحيد.
بهذه المعطيات، يتضح أن المشروع قد يتحول إلى قنبلة اجتماعية تهدد السلم الغذائي والمائي و حتى الاجتماعي للمنطقة بأكملها، وتفتح الباب أمام نزاعات قانونية وأزمات إنسانية.
فهل نحن أمام خطة تنموية مدروسة، أم مجرد صفقة استثمارية بلا بوصلة اجتماعية وفنية، قد تنتهي — كما حدث سابقًا بين شركة السكر الموريتانية وشركة كنانة السودانية — على طاولة المحاكم؟
.. يتواصل
البو ولد أحمد سالم