استراتيجية الجزائر الإقليمية والدولية في مكافحة التطرف والإرهاب
الشروق /
أولًا: البعد الدبلوماسي في الاستراتيجية الجزائرية
لقد تعاملت الجزائر مع الإرهاب على المستوى المحلي بوسائل وطرق متنوعة، تراوحت بين السياسية، الاقتصادية والعسكرية واستطاعت بذلك كبح جماح الجماعات الإرهابية التي لم يكن أمامها سوى نقل نشاطها خارج الحدود الجزائرية، مستغلة ظروف المنطقة (هشاشة، انفلات أمني، فقر، صراعات…).
سعت الجزائر بداية إلى توظيف دبلوماسيتها وفق منطق المصلحة الوطنية ومبادئ القانون الدولي والسلام[1]، كما بدأت تتحرك على المستوى العربي قصد تطوير موقف الدول العربية تجاه الإرهاب، وقد توج مسعاها بتوقيع اتفاقية حول التعاون العربي لمكافحة الإرهاب، تم المصادقة عليها خلال الدورة الرابعة عشرة لمجلس وزراء الداخلية العرب والموقع عليها بتاريخ 22 أبريل (نيسان) 1998، ودخلت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب حيز التطبيق شهر مايو (أيار) 1999، أهم ما تضمنته الاتفاقية نبذ العنف بكل الأشكال وصوره، وتضمنت في شطرها القضائي تعزيز التعاون عبر التنسيق العربي-العربي في المجال الأمني، عن طريق تعزيز إمكانيات التكوين وتبادل الخبرات والمعلومات فيما بينها[2]، وقد كانت الجزائر سباقة في التنديد بالتهديد الإرهابي ودعوة الدول العربية إلى اتخاذ خطوة مشتركة لمكافحة الظاهرة.
أما على المستوى الأفريقي فقد كان أول هجوم دبلوماسي للجزائر في أفريقيا من خلال تنظيمها للقمة الأفريقية في يوليو (تموز) 1999، حيث كانت الجزائر السباقة أيضًا في الدعوة إلى إبرام اتفاقية ضد الإرهاب على المستوى الأفريقي، حيث أعدت مشروع اتفاقية لمكافحة الإرهاب ولقيت الفكرة الترحيب من طرف اللجنة المركزية للوقاية وفض النزاعات على مستوى منظمة الوحدة الأفريقية، صادق على المشروع مجلس وزراء العدل للدول الأفريقية بالإجماع وحمل اسم «الاتفاقية الأفريقية لمكافحة الإرهاب»، دخلت حيز التنفيذ خلال القمة الأفريقية المنعقدة بالجزائر يوم 14 يوليو 1999، وخلالها تم تبني تعريف موحد للإرهاب حسب الاتفاقية كالتالي: «هو ذلك العنف من أشكال الجريمة الدولية، الذي يتحرك ضمن الحدود الجغرافية للدول، بسبب اختلاف أنظمة الحكم والإجراءات القانونية عبر الحدود ووجود التجارة غير الشرعية لتمويل نشاطاته».[3]
وقد تطرقت الاتفاقية إلى جانب ذلك لجملة من التدابير الواجب اتخاذها في الميدان القضائي وتبادل المعلومات والخبرات المتعلقة بهذا الجانب.
لقد أعطت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 مصداقية وثقة أكبر في المشاريع والمقترحات التي كانت الجزائر تدعو إليها، وهو ما أدى إلى تثمين التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب إقليميًا وحتى دوليًا[4]، وبموجب هذه التجربة وإدراك الجزائر لأهمية التنمية في تحقيق الأمن، كذلك إدراكها أن الفقر والجهل والتطرف والغلو من الأسباب الرئيسية الداعمة والمنتجة للإرهاب فقد حثت إلى تفعيل التنمية في الدول الأفريقية خصوصًا الساحل.[5]
وفي مجال التنسيق الأمني الذي سعت الجزائر إلى تجسيده على الساحة الأفريقية فقد توجت مساعيها وباعتراف ودعم كل الدول الأفريقية بالدور الريادي للجزائر في مكافحة الإرهاب بإنشاء المركز الأفريقي للدراسات والبحث في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، مقره الجزائر العاصمة، ويهدف هذا المركز إلى تنظيم ندوات وملتقيات مع دول القارة الأفريقية وحتى خارجها كالاتحاد الأوروبي، من أجل تبادل الخبرات والمعلومات حول الظاهرة الإرهابية ودعم القدرات وتحقيق تعاون إقليمي ودولي للحد منها، وهو ما يسهل للجزائر رصد الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي.[6]
وبمقر المركز الأفريقي للدراسات والبحث حول الإرهاب في الجزائر، عقد الاتحاد الأفريقي اجتماع خبراء الدول الأعضاء يومي 15 و16 ديسمبر (كانون الأول) 2010 لبحث مشروع قانون نموذجي أفريقي في مجال مكافحة الإرهاب، يهدف هذا القانون إلى ترقية رد شامل ومنسق ومنسجم على المستوى الوطني والإقليمي والقاري لمكافحة الإرهاب.
لقد أكدت الجزائر دائمًا – وما زالت – على استقلالية المنطقة وسيادتها في اتخاذ التدابير اللازمة التي تضمن تحقيق أمنها بعيدًا عن كل أشكال التدخل الأجنبي، وهو ما عبر عنه رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق «قايد صالح» في زيارته لمالي في إطار المشاورات بين دول الميدان في الفترة ما بين 20 و22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 قائلًا: «اسمحوا لي أن أعلن لكم بكل ارتياح أن الموقف الصارم الذي تم اعتماده للتكفل بانشغالاتنا الأمنية وتهيئة الظروف الملائمة لتدعيم جهود التنمية بالمنطقة بعيدًا عن كل أشكال التدخل الأجنبي مهما كانت أسبابه ومبرراته، قد أفضى إلى إقناع المجتمع الدولي بتقبل فكرة تولي دول المنطقة بمفردها مهمة محاربة الإرهاب برؤية مشتركة».
وفي جهود الجزائر الدبلوماسية من أجل تنمية القارة الأفريقية لدرء خطر الظاهرة الإرهابية، احتضنت الجزائر ندوة بقصر الأمم يومي 7 و8 سبتمبر 2011 وبإيعاز من دول الميدان الأربع (الجزائر، مالي، موريتانيا والنيجر)، وأيضًا تتويجًا للاجتماع الوزاري لدفع الشراكة وجهود التنمية، وقد جاءت هذه الندوة في وقت عصيب تمر به المنطقة من حيث احتدام وتسارع غير مسبوق وارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية والجريمة المنظمة بمختلف أشكالها، وقد حضر الندوة إلى جانب دول الميدان المذكورة آنفًا وفد يمثلون مختلف البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة والشركاء الإقليميين[7].
وقد نشطت الدبلوماسية الجزائرية خلال الفترة 2012-2015 نظرًا لما شهدته وتشهده المنطقة العربية وكذا منطقة الساحل من تأزم في الوضع الأمني، فمع بداية الثورات العربية والأزمة الليبية والمالية، وما لها من تداعيات سلبية على الأمن الجزائري، حيث نشطت وبصورة أكبر الجماعات الإرهابية مستفيدة من الانفلات الأمني في ليبيا وما تبعه من دخول أسلحة حديثة للإقليم، كذلك فشل حكومة مالي في السيطرة على قوات التوارق وانضمام هذه الأخيرة إلى الجماعات الإسلامية وتقربها من تنظيم القاعدة في المنطقة المغاربية[8]، هذا من جهة، ومن جهة أخرى – كما صرح وزير الداخلية الجزائري «دحو ولد قابلية» – وجود مخطط أجنبي يهدف إلى الاستحواذ على ثروات منطقة الساحل الأفريقي، وهو ما يعكسه التنافس الواضح بين القوى الكبرى خاصة أمريكا وفرنسا، حيث تتخذ كلتاهما الإرهاب وسبل مقاومته كذريعة للتدخل[9] وهو الأمر الذي ترفضه الجزائر بصورة قاطعة، حيث ترى أن من شأن التدخل الأجنبي في المنطقة أن يزيد من زعزعة الاستقرار وتفجير الأوضاع[10]، وعمومًا فإن الدبلوماسية الجزائرية تتحرك في الفضاء الأفريقي وفقًا للمعايير التالية:
– توظف الجزائر دائمًا دبلوماسية الفعل على التصريحات وهو ما يعكسه تحركها في حالات الاستقرار واللا هدوء مع دول الجوار.
– تحبذ الجزائر لمواجهة التحديات أو المشاكل المطروحة، التحرك جماعيًا في إطار المجموعة الأفريقية وهو برأيها الحل الأكثر كفاءة والأقوى فاعلية.
ولا تزال الجزائر متمسكة وتصر على تغليب الحلول السياسية والدبلوماسية لتجاوز الأزمة في باماكو وشمال مالي، كما ترى أن التدخل الأجنبي الذي تدعو إليه الدول الغربية سيرغم المقاتلين والمتشددين على هجر مواقعهم في صحراء مالي تحت الضغط العسكري والعودة بالتالي إلى الجزائر والتصعيد من وتيرة الضغط المتواصل على الأمن الجزائري.
أما مغاربيًا فإن الجزائر تدرك التحديات الأمنية المتشابكة في دوائرها الجيوسياسية ولعل أهمها على الإطلاق الإرهاب، مما استدعى إعادة النظر في مبادئ ومفاهيم الرؤية الأمنية الجماعية والعقيدة الأمنية المشتركة والتعاون والاعتماد المتبادل، ومع سقوط شمال مالي في يد الجماعات المسلحة في أبريل [11]2012، أوجب ذلك ضرورة بلورة استراتيجية موحدة بين بلدان المملكة المغربية العربي جسده اجتماع بالمملكة المغربية يوم 21 أبريل 2013، تطرق فيه وزراء داخلية المملكة المغربية العربي للتهديدات الأمنية التي من شأنها زعزعة أمن واستقرار المنطقة[12].
أما على مستوى الفضاء المتوسطي، فقد لعبت الجزائر دورًا فعلًا لتنشيط الشراكة الأورومتوسطية، ونظرًا لإدراك الاتحاد الأوروبي أن أمنه واستقراره لا يمكن أن يكون بمعزل عن جيرانه في الجنوب، حيث إنه تردد سابقًا في الاعتراف بالطابع العابر للأوطان للظاهرة الإرهابية، وتعتبر هذه المسألة بعدًا جديدًا لم يؤخذ بعين الاعتبار من قبل، وقد جاءت أحداث 11 سبتمبر ليتجسد الاعتراف بهذه الظاهرة ضمن اتفاق شراكة مع الجزائر في البند المعنون بـ«العدالة والشؤون الداخلية» والذي يقر ضمنيًا بشرعية محاربة الجزائر للإرهاب[13]، وتم التوقيع على الاتفاق في 19 سبتمبر 2001 ببروكسل، ودخل حيز التنفيذ سنة 2002، وتعتبر الشراكة بمثابة إرادة شاملة ومشتركة لتأمين وضمان هدوء المنطقة.
إنه لطالما حذرت الجزائر من الإرهاب كظاهرة تهدد أمن واستقرار الفرد والمجتمع وكذلك السلم والأمن الدوليين وجاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتثبت حقيقة ما كانت تحذر منه الجزائر مما أعطى مصداقية أكثر لمقاربتها ورؤاها الاستراتيجية للحد من الظاهرة، فدوليًا وفي خطاب لرئيس الجمهورية حث رؤساء الدول والحكومات خلال المؤتمر العالمي لقمة الأمم المتحدة لعام 2005 إلى ضرورة تبني استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب، كما أكد على دور الأمم المتحدة في ترقية التعاون الدولي لمكافحة الظاهرة الإرهابية باستعمال الوسائل القانونية لمتابعة مقترفيها وتجفيف مصادر تمويلها والقضاء على شبكات دعمها اللوجستيكي[14].
كما سعت الجزائر إلى إقناع المجتمع الدولي بقمع مصادر تمويل الأعمال الإرهابية وتجريم دفع الفدية وفي هذا المسعى تكللت مجهوداتها بمصادقة مجلس الأمن على اللائحة رقم 1904 المتعلقة بتجريم دفع الفدية في ديسمبر 2009، والتي تعتبر مكملة لللائحة رقم 1373 المتعلقة بتمويل الإرهاب ومكافحته واللائحة رقم 1267 المتصلة بتمويل نشاطات الجماعات الإرهابية[15]، وبمناسبة انعقاد الاجتماع الثاني لمنظمة الأمم المتحدة حول الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب بنيويورك في الفترة الممتدة بين 7 و9 سبتمبر 2010، حذرت الجزائر من التهديد الخطير للأمن الدولي بسبب ظاهرة احتجاز الرهائن ودفع الفدية ودعت إلى اتخاذ إجراءات لإجبار الدول على احترام التزاماتها، كما حثت المجتمع الدولي إلى تعزيز كافة الإجراءات المتخذة من قبل (المذكورة آنفًا)، وقد استطاعت الجزائر في هذا المحفل استصدار النص القانوني لقرار مجلس الأمن رقم 1904، والذي يجرم دفع الفدية للجماعات الإرهابية نظير الإفراج عن الرهائن[16]، كما صادق مجلس الأمن يوم 27 يناير (كانون الثاني) 2014 على مذكرة الجزائر حول الممارسات الحسنة في مجال الوقاية من الاختطافات من أجل طلب الفدية للجماعات الإرهابية والقضاء على المزايا المنجزة عن ذلك، ودعا المديرية التنفيذية لمجلس مكافحة الإرهاب إلى أخذ مذكرة الجزائر بعين الاعتبار [17]، وهذا يشكل انتصارًا دبلوماسيًا للجزائر في إطار استراتيجيتها الدولية لمحاربة كل أشكال تمويل الجماعات الإرهابية.
ثانيًا: البعد العسكري في الاستراتيجية الجزائرية
لإنجاح الجزائر استراتيجيتها الإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب، حرصت على تعزيز واستكمال التعاون السياسي والدبلوماسي بالشق العسكري والأمني، فعلى المستوى الإقليمي تعتبر الجزائر السباقة في الدعوة للعمل الجماعي (الأفريقي) والعربي لتطويق الإرهاب، وهو ما أكد عليه وزير خارجيتها السابق مراد مدلسي أثناء أشغال الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 26 سبتمبر [18]2010.
لقد أدى تطور واتساع النشاطات الإرهابية تحت ما يسمى «القاعدة في المملكة المغربية الإسلامي» إلى ضرورة خلق آليات عسكرية وأمنية، تمثلت أولى المبادرات العسكرية العملياتية في إنشاء وحدة التنسيق والاتصال، تطبيقًا للتوصيات التي خرج بها اجتماع وزراء خارجية الدول السبع (الجزائر، مالي، موريتانيا، النيجر، بوركينافاسو، ليبيا والتشاد) في 16 مارس (آذار) 2010 بالجزائر.
وعلى مستوى الفضاء المتوسطي فقد شاركت الجزائر في إنشاء مبادرة 5+5 دفاع، بعد توقيع إعلان النية المنعقد في باريس يوم 21 ديسمبر 2004، والتي تعتبر بمثابة منتدى حوار يجمع 10 دول في ضفتي الحوض الغربي للمتوسط وهي (الجزائر، إسبانيا، فرنسا، مالطا، تونس، المملكة المغربية، ليبيا، البرتغال، إيطاليا وموريتانيا) وتهتم هذه المبادرة بمجالات أربعة هي:
– المراقبة البحرية.
– مساهمة القوات المسلحة في الحماية المدنية.
– الأمن الجوي.
– التكوين والبحث[19].
أما دوليًا وفي إطار الشراكة والتعاون العسكري فقد تلقت الجزائر في 14 مارس 2000 دعوة للانضمام إلى مجموعة الدول الست (06) لجنوب المتوسط التي تجندت في حوار سياسي مع حلف الشمال الأطلسي وتعد هذه الدعوة بمثابة الإقرار بمصداقية الأطروحات الجزائرية التي حثت على ضرورة تكاثف الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، وقد تطلعت الجزائر من وراء هذه الخطوة إلى كسب جملة من الميزات خاصة في المجال العسكري منها:
– تحسين مستوى أداء القوات المسلحة الجزائرية على المدى البعيد بغرض بلوغ الانسجام تدريجيًا مع القوات المسلحة الأمريكية وقوات حلف الشمال الأطلسي.
– استغلال وسائل الإعلام ومصادر المعلومات التي تحوزها الدول المنتمية لحلف الشمال الأطلسي المتعلقة بمكافحة الإرهاب وكذا بنشاطات شبكات دعم الإرهاب المتواجدة بالخارج.
– الحصول على التكنولوجيا العسكرية الجديدة والمتطورة في مجال مكافحة الإرهاب.
– تعدد اقتناء أجهزة وأنظمة التسليح.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التقارب بين الجزائر والحلف الأطلسي هو حصيلة تفاهم أمريكي-جزائري، فقد مهدت له الشراكة الجزائرية-الأمريكية، بعد التحسن الذي طرأ على العلاقات بين البلدين في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
ويظهر التعاون العملياتي الجزائري الأمريكي في إطار مبادرة «مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء» في 2005 التي شاركت فيها الجزائر بهدف تعزيز إمكانياتها وتطوير الجهود الاستباقية وتحسين الاستخباراتية والمراقبة اللوجستية، في مكافحة الإرهاب من أجل دعم الأمن والاستقرار في المنطقة، وفي المقابل رفضت الجزائر استضافة قاعدة أفريكوم «Africom» بدءًا من مبادئها الرافضة للتواجد الأجنبي في المنطقة مع الإبقاء على تطوير التعاون الاستراتيجي.
كما تم تنظیم ندوة وزاریة للتنسیق بین دول الساحل الصحراوي یومي 16-17 مارس 2010، بمشاركة وزراء خارجیة، وممثلي الجزائر، مالي، بوركینافاسو، موریتانیا، لیبیا وتشاد، وتم التطرق إلى الوضع الأمني في المنطقة، وضرورة تنسیق الجهود للتصدي للتهدید الإرهابي، وارتباطاته بالجریمة المنظمة: الجریمة العابرة للحدود، تجارة الأسلحة، المخدرات والاتجار بالبشر.
اتفق القادة العسكریون لدول الساحل في أبریل 2010 بناء على توصیة من أجهزة الأمن والمخابرات على تشكیل قیادة عملیات، واستطلاعات جویة یكون مقرها الجزائر لتوجیه ضربات جویة مركزة ضد العناصر الإرهابیة المنتشرة في شمال مالي والنیجر.
وسعت قیادة الأركان المشتركة للساحل في 5 يوليو 2010 إلى توسیع التنسیق بین الدول عن طریق فتح الحدود المشتركة للدول الأربع المشكلة لها، وللقیام بعملیات عسكریة مشتركة، وهذا لاستهداف أتباع تنظیم القاعدة في الصحراء.[20]
ثالثًا: البعد العالمي للاستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب
تعتبر الجزائر من بين البلدان التي حثت إلى ضرورة التعاون الإقليمي لمحاربة الإرهاب بمختلف أشكاله، حيث نجحت في دفع الدول العربية إلى تبني الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب حيث تم إبرام هذه الاتفاقية في القاهرة بتاريخ 22 أبريل 1998، وقد جاء في ديباجتها أن الدول العربية الموقعة قد اتفقت على عقد هذه الاتفاقية منطلقة في هذا من رغبتها في تعزيز التعاون العربي لمكافحة الجرائم الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار ومصالح الأمة العربية، التزامها بالمبادئ الأخلاقية والدينية السامية – لا سيما الشريعة الإسلامية – التي تنبذ كل أشكال العنف والإرهاب، وتدعو إلى حماية حقوق الإنسان، وهي الأحكام التي تتماشى معها مبادئ القانون الدولي وأسسه التي قامت على تعاون الشعوب من أجل إقامة السلام.
تعزيزًا لهذه الاتفاقية فقد تمت المصادقة على خطة عمل الجزائر في 2002، تمخض عنها إنشاء المركز الأفريقي للدراسة والبحث حول الإرهاب بتاريخ 13 أكتوبر 2002، إضافة إلى ذلك فقد سبق للجزائر أن شاركت في أشغال مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد في الدوحة شهر ديسمبر 2001، هذا المؤتمر أكد أن الإرهاب مخالف للشرائع السماوية والأعراف الدولية، كما أشار إلى ضرورة عدم الخلط بين الكفاح المسلح الذي يراد به خدمة القضايا العادلة ومجابهة الظلم والاحتلال مثلما يحدث في فلسطين.
وفي السياق أولت الجزائر الاهتمام بتجريم الإرهاب في اتفاقية الشراكة المبرمة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي كان كبيرًا جدًا، ويتجلى ذلك من ديباجة الاتفاقية التي أكدت أن الشراكة المزمع إنشاؤها لن تكون ممكنة التحقق ما لم يتم محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، ثم أبرزت الاتفاقية أهمية محاربة الإرهاب في مادتها 90، مؤكدة على ضرورة التعاون من خلال تبادل الخبرات فيما يتعلق بطرق ووسائل محاربة الإرهاب.
كما حرصت الجزائر في مختلف المحافل الدولية والإقليمية على التنبيه بمخاطر هذا الابتزاز، معتبرة ذلك من أهم مصادر تمويل الإرهاب والجريمة المنظمة، لتطالب الجزائر أيضًا الدول بالعمل على تجفيف منابع التنظيمات الإرهابية والإجرامية.
كما أفضت كذلك جهود الجزائر إلى قرار الندوة 16 لقمة دول عدم الانحياز في أغسطس (آب) 2012 بإدانة الأعمال الإجرامية المتمثلة في احتجاز الرهائن مرفوقة بطلب الفدية أو تنازلات سياسية، وكذا المصادقة على مذكرة الجزائر حول أفضل الممارسات في مجال الوقاية من الاختطافات التي يقوم بها الإرهابيون مقابل دفع الفدية والحد من المزايا التي تترتب عنها على إثر المنتدى الشامل ضد الإرهاب الذي نظم بالجزائر في أبريل 2012.
وقد صادق مجلس الأمن الدولي بالإجماع في 27 يناير 2014 على اللائحة رقم 2133 التي تدين عمليات اختطاف واحتجاز الرهائن التي تقوم بها الجماعات الإرهابية مقابل فدية أو تنازلات سياسية، وقد أشار مجلس الأمن في الفقرة التاسعة من اللائحة 2133 إلى اعتماد المنتدى العالمي «مذكرة الجزائر بشأن الممارسات الجديدة المتعلقة بمنع عمليات الاختطاف التي يرتكبها الإرهابيون طلبًا للفدية وحرمانهم من مكاسبها»، كما شجع المديرية التنفيذية لمكافحة الإرهاب على وضعها في الاعتبار، حسبما يقتضيه الحال وبما يتفق مع ولايتها، بما في ذلك عملها الرامي إلى تسهيل بناء قدرات الدول الأعضاء.
لذلك فإن قرار مجلس الأمن الذي يلزم الدول الأعضاء والشركاء من القطاع الخاص بتنفيذ توصيات لائحته المتعلقة «بحظر تقديم أموال أو أرصدة مالية أو موارد اقتصادية أو غيرها من الخدمات المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالفدية أو التنازلات السياسية»، جاء ليكرس فعلًا نظرة الدولة الجزائرية التي عبرت عن ارتياحها للمصادقة على اللائحة 2133 واعتبرتها إشارة إيجابية لتفعيل مقاربة دولية شاملة وحل إشكالية تمويل ظاهرة الإرهاب.
وختامًا تبقى جهود الجزائر في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف نموذجًا يحتذى به في هذا المجال بالنظر إلى كل الأعمال التي باشرتها في هذا المجال واستعدادها لتقاسم خبرتها مع دول القارة لمكافحة هذه الظاهرة العابرة للأوطان وجميع فروعها.
ومن جهة أخرى منذ اندلاع الحراك العربي سنة 2011 يقود الجيش الجزائري حملة تطهير البلاد من الجماعات الإرهابية في ظل تعقيدات الأوضاع الأمنية في ليبيا ومالي وتونس، وعدد من دول الجوار الجغرافي التي تعد الاضطرابات فيها أحد أهم المخاطر التي تواجه الجزائر مع تكرار عمليات تسلل إرهابيين إلى البلاد.
خاتمة (استنتاجات ومقترحات)
يشهد العالم اليوم نموًا متسارعًا لظاهرة الإرهاب، التي باتت تؤرق كاهل المجتمع الدولي، نظرًا لاتخاذه أبعادًا أكثر خطورة من ذي قبل، بفعل عوامل ساعدت على اتساعه وانتشاره، وهو ما استدعى بذل جهود وطنية، إقليمية ودولية للحد والقضاء على هذه الظاهرة حتى أصبح التعاون والتنسيق الدولي بين مختلف مؤسسات المجتمع الدولي ضرورة ملحة يفرضها الواقع، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، من خلال دعم جهود التنمية والعمل على كبح جماح الأسباب المباشرة التي تكون وراء خلق الإرهاب.
لقد أثبت اتباع النهج العسكري لقمع العمليات الإرهابية عدم نجاعته، ولعل خير مثال على ذلك الجزائر التي تعد الآن دولة رائدة في مجال مكافحة الإرهاب بشهادة دولية بعد النجاح الذي حققته في هذا المجال، حيث عمدت الجزائر طيلة عقد من الزمن إلى التعامل مع الظاهرة بطريقة عسكرية استئصالية مما زاد من تأزم الوضع الذي جعل البلاد قاب قوسين أو أدنى من تدخل دولي لتسوية الوضع، لكن التغيير الذي حصل في استراتيجية الجزائر مع مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وانتهاجه طرقًا سلمية في معالجة الأزمة كانت له نتائج إيجابية أكدت أحقية وأولوية الحلول السلمية على العسكرية.
كما بدأت الجزائر بالتحرك في فضائها الإقليمي (الساحل) باعتباره يمثل العمق الاستراتيجي لها والبطن الرخو لأمنها الوطني، حيث عملت على دعم مساعي التنمية في دول المنطقة، من خلال توفير شروط التنمية المستدامة والعدالة واحترام كرامة الإنسان والتأكيد على مشاركة أكثر إنصافًا للعالم النامي حتى يعم الاستقرار والأمن للمجتمع الدولي، كما أن تجربة الجزائر بلورة استراتيجية شاملة في أفريقيا تهدف وقبل كل شيء إلى منع التدخلات الأجنبية في المنطقة بحجة مكافحة الإرهاب، فالجزائر حاولت في ظل مجهوداتها سواء الدبلوماسية أو العسكرية على المستوى الأفريقي في محاربة ظاهرة الإرهاب التأكيد على مبدأ «أفرقة الحلول» لأنها تدرك خطورة التدخل الأجنبي في المنطقة على أمنها القومي.
تعتبر الجزائر من أولى الدول التي عاشت تجربة مريرة مع الإرهاب استنزفت من قواها البشرية والمادية إلى حد بعيد، سببه تراكم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وانعكاس البيئة الدولية في فترة الثمانينيات على الجزائر، كذلك ضعف وبطء إدراك النخبة الحاكمة لطبيعة التحولات الدولية كلها عوامل جرت البلاد إلى سلسلة من الأعمال الدرامية، فتعدد أسباب الأزمة الجزائرية، وتعدد تداعياتها أدى إلى تعدد استراتيجيات معالجتها، وإن كانت نجاعة هذه الاستراتيجيات نسبية فإن الإمكانيات والموارد المادية والبشرية التي تزخر بها الجزائر تمكنها من الخوض في أي استراتيجية على المدى المتوسط والبعيد بنجاعة وذلك من خلال العمل المشترك بين كل أبناء الدولة الجزائرية لتطوير مبادئ وأسس الدولة، بدءًا من:
§ بناء نظام ديمقراطي متفتح، يشارك فيه كل فئات الشعب بمختلف توجهاته ويفسح المجال لحرية الرأي والتعبير.
§ تحقيق التنمية الاقتصادية خارج قطاع النفط وذلك بالعمل على تطوير قطاعات اقتصادية أخرى تتمثل في الزراعة والصناعة والسياحة، وتبني استراتيجية وطنية شاملة، تضع ضمن أولوياتها تحريك عجلة التنمية من خلال الاستغلال الأمثل للثروات التي تزخر بها البلاد.
§ الاهتمام بتنمية قدرات الفرد، وجعله أداة للتنمية وغايتها، وتحسين مستويات معيشته في جميع المجالات.
§ تحقيق العدالة الاجتماعية وتجسيدها من خلال المساواة وتكافؤ الفرص في جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وعمومًا فقد كان بناء الأمن الجزائري وما زال مركبة يتقاسم الجميع المسؤولية فيها والحل يكمن قبل كل شيء في التنمية: تنمية الفرد، تنمية المجتمع، تنمية الفكر، احترام حقوق الإنسان، ترسيخ الديمقراطية على أسس صحيحة.
كما يتعين على الجزائر في ظل التكالب غير المتناهي للقوى الخارجية على ثروات المنطقة وتضارب المصالح بلورة وصياغة استراتيجية بحسب إمكانياتها ومواردها، حيث إن سعي الجزائر لحماية حدودها وتأمينها من تحركات الجماعات الإرهابية وتجارة السلاح والجريمة المنظمة أرهق ميزانية الدولة خاصة في السنوات الأخيرة، كما يتوجب عليها المحافظة على مقاربة مستقلة لعقيدة أمنها القومي، مقاربة تجعلها مستقلة عن المظلات الأجنبية التي تعمل على تطويق الدور الجزائري، وجعله يدور فقط في مدار مصالحها الضيقة، وأخيرًا يجب أن تكون استراتيجية شاملة متكاملة على المستوى المحلي، الإقليمي والدولي والأكثر من ذلك يجب أن تكون استراتيجية جزائرية وبعيون جزائرية، لدرء كل التهديدات والمخاطر الآنية والمحتملة.