حكومة وخطاب السيد الرئيس في نظر المواطن العادي/يرب ولد إدوم/ناشط سياسي في امبود
الشروق / مما لاشك فيه أن قادة الرأي في بلادنا منقسمون إلى حد كبير في فهم، وقراءة خطاب، وحكومة الرئيس كل له تحليلاته وقراءاته عن فهم أو عدم فهم.
لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بإلحاح هو كيف ينظر المواطن العادي الذي من المفترض أن تكون هذه الحكومة والخطاب لمصلحته؟ وما هو حكمه على أداء هذه الحكومة؟ وما مدى فهمه، وتجاوبه مع هذا الخطاب الذي حرك كثيرا من المياه الراكدة؟.
وبعيدا كل البعد عن نظرة السياسيين المشككة، والمثقفين المتشائمة، وحيث كانت البلاد تفتقر إلى مؤسسات متخصصة في استطلاعات الرأي بصورة علمية يمكن الركون إليها في القراءة والتحليل فإن من اللازم قبل الحكم على أداء أي حكومة أو خطاب رئيس أن يكون الحكم منطلقا من واقع المواطن الذي يعيش فيه حيث يعيشه كما هو ماثل أمام ناظريه دون مكابرة ولا تزلف أي أن يكون الحكم مبنيا على قدر كبير من الموضوعية ، والإطلاع الدقيق على أحوال السكان، لا أن يتناول المرء قلمه، ويطلق العنان لخيال فكره، ويسلط على ذالك الفكر عصى الأوهام، والمزاج، لأن النتيجة الحتمية، هي بصاق الأعمى، ينبش مكانا، ويبصق في آخر ويردم ثالثا.
وهكذا وبوصفي مواطنا عاديا، من طبقة الفقراء، لست بكاتب، ولا بمحلل سياسي، لكني أعيش الواقع في وسط فقير تتعايش فيه كافة مكونات هذا الشعب يسمى هذا الوسط مثلث الأمل أو الفقر سميه ما شئت…
أقول بملء الفم أن هذا الوسط شهد في السنتين، أو الثلاث الماضيتين تطورات تنموية هائلة، وجادة (والحق يقال) حيث نفذت مشاريع كثيرة هامة لامست اهتمامات المواطنين وكان لها الأثر الإيجابي على حياة السكان المعيشية بصورة بارزة للعيان وفي كافة المجالات الحياتية.
فكانت هناك دورات شبه شهرية لتوزيع مبالغ نقدية على الأسر الأكثر فقرا، وكذا توزيع رؤوس الأغنام على الأسر المعدمة، وطبعا هناك حوانيت أمل التي كان لها الدور الأبرز في استقرار الأسعار وجعلها في متناول الجميع، فلا يمكن نكران ذالك، زد عليه تمويل التعاونيات النسوية، وتسييج المزارع، وتنفيذ مشاريع عديدة مدرة للدخل، بالإضافة إلى بناء المدارس، والمستوصفت، وحفر الآبار، وتوزيع المواد الغذائية مجانا على مستحقيها، ولكن الأكثر أهمية من هذا وذاك ، ولا يصدقه إلى من رأى بعينه، هو مد أنابيب المياه من سد (فم لقليته) إلى الكثير من القرى وهذا حلم كان بعيد المنال، وللتنبيه فبحيرة (فم لقليته) تتجمع فيها المياه منذ 1984م ولم تستغل إلا في أيامنا هذه، ثم إن الطرق المعبدة وصلت إلى أماكن لم يكن يتصورها أحد، كل هذا وبدون شك، جعل سكان هذه المناطق، موالون بشكل شبه كلي للحكومة الحالية في ظل حكم الرئيس، محمد ولد عبد العزيز، وإذا كانت المناطق الأخرى من الوطن مثل هذه وأحسبها كذالك، فمن غير المنطقي إقناع الناس بما يسمعون، أو يٌسْْمَعوُنَ ، عكس ما يرون ويلمسون.
فعلى سبيل المقارنة، أي الدورين الآتيين نفضل:
– الدور الذي قام به عبد المطلب باسترداد إبل قومه من أبرهة
– أم الدور الذي قام به أبو رغال الذي دل أبرهة على الطريق إلى مكة عبر الصحراء من أجل هدم كعبة قومه؟
كل ما تقدم من الناحية الواقعية ذات الخلفية الاقتصادية،
أما الجانب السياسي للخطاب فبحق لامس مشاعر العامة بلغته المبسطة، مع دقتها في التشخيص، حيث فهمه الكل بتصريحاته، وتلميحاته، وبعباراته، وإشاراته، ومما لا مراء فيه لاقى ترحيبا كبيرا من لدن الجميع ذالك أنه، وبذكاء وضع أصبعه على مكمن الداء وهنا رأينا بعض المعلقين والمحللين، والمدونين طفقوا يفسرون، ويحللون، وكأنه خطاب مشفر!!!
بل ودوا دق الإسفين بين الرجل وبعض مكونات المجتمع وتلك والله وقاحة في المقصد، وسذاجة في التوظيف، ومنزلق يهوي بصاحبه إلى الدرك السياسي العفن، فلحمة هذا الشعب ما غابت عن الرجل يوما من خطاب كيهيدي إلى خطاب النعمة، باختصار كان الخطاب غاية في الدقة عند ما أكد أن من أهم روافد الفقر، والانحلال الأخلاقي، واستعمال المخدرات، هو فوضوية الزواج، وعدم العناية بتنشئة الأطفال تنشئة صالحة، تفيد الفرد والأسرة، والمجتمع، والعالم، وهذا الرافد هو بؤرة النار التي يتصاعد منها دخان الفقر، والانحراف الخلقي ، وبإطفاء هذه النار ستختفي ظاهرة الفقر، والانحراف بعون الله.
أما كلامه عن ضبط الحالة المدنية فإن الجميع متفق على أن هذا المشروع، هو مشروع القرن بامتياز وكل من يحاول تمييعه هو بحق غير صديق ولا صادق مع موريتانيا.
وفي تناول الخطاب لهموم الشباب والنساء، فمحاولة ذكية للتوازن الحيوي للجسم السياسي الوطني، وإن كان هناك فرق بين تجديد الطبقة السياسية ، وتجددها، فالأخير هو الأسلم والأصح، تمشيا مع قوانيين الطبيعة.
أما اقتراح المجالس الجهوية فهو تطور في توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة.
إذا في نظري رغم ما قيل ويقال عن الخطاب فإنه خرج، من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين.
وفي الختام فإن نكأ جراح الماضي والتذكير بمآسي العبودية في الأزمنة الماضية قد لا يكون مفيدا على الإطلاق، أما الحوار فهو الطريق الوحيد لإصلاح البلاد والاستعداد لمرحلة جديدة، من النمو والنماء في إطار من الديمقراطية العادلة، لا إقصاء فيها ولا تهميش، ولا مكان لأي سياسي كل همه تحقيق المكاسب السياسية والابتزاز على حساب الوطن وانسجامه الديموغرافي، لكن لا مانع من النقد من أجل التصحيح والتقويم، لا بهدف التقويض والهدم ومن يأبى الحوار والمصالحة فلا مناص من مواجهة الخطورة الكامنة في شخصه، ولا فائدة من المكاء والتصدية في شوارع انواكشوط أو غيره.