أخبار وتقاريرحدث في صورمميز

الدكتور محمد عبد الله مكاه : نسبة الوفيات بكورونا لا يمكن مقارنتها بالملاريا

الشروق /  أجـرى الكاتب الصحفي حبيب الله ولد أحمد مقابلة شاملة مع الدكتور محمد عبدالله مكاه  الباحث والخبير المكلف بالمخابر وقاعدة البيانات بالمنسقية الوطنية لمكافحة كوفيد 19

وهذا نص المقابلة : 

السؤال(1) :

دكتورمجمد عبدالله مكاه ( حماد) شكرا لإطلالتكم على متابعى هذه الصفحة 

بداية حبذا لو تعرفنا فى عجالة على الدكتور حماد خاصة من خلال المسارين العلمي والعملي؟

الدكتور مكاه :

اسمي محمد عبد الله مكاه اما لقبي المعروف لدى الكثيرين خاصة أصدقاء الطفولة فهو “حماد” ولدت في السادس من أكتوبر 1968 بمقاطعة ولد الناقة، اعمل استاذا باحثا في جامعة انواكشوط العصرية، كما اننى اطار بوزارة الصحة حيث عملت خبيرا مكلفا بالمخابر وقاعدة البيانات بالمنسقية الوطنية لمكافحة ” كوفيد 19″ بالإدارة العامة للصحة، اشتغلت كذالك لعدة سنوات مع بعض المنظمات الدولية كمنسق للبرامج الصحية، أما اطول فترة فى حياتي المهنية فقد قضيتها في( المعهد الوطني للصحة العمومية ) حيث عملت باحثا ورئيس مختبر لعقدين من الزمن.

السؤال( 2) :

تكثر فى هذه الفترة انواع من الحميات وتنشط فايروسات وطفيليات مسببة لتلك الحميات 

من خلال تجربتكم ماهي اهم تلك الحميات والعوامل المسببة لها؟

الدكتور مكاه : 

الحميات الانتانية المنتشرة في بلادنا خاصة في موسم الخريف تعتبر الملاريا أو “توجاط” من اهمها، وهي عبارة عن مرض دموي طفيلي ينتقل بواسطة انثي باعوض( الانوفيل) ومن خلال اسمها العامي نتعرف علي موسميتها فهي “توجي” وتعني الخريف و”اط”وتعني الحمي. إذن هي حمي مرتبطة بموسم الخريف حيث تكون الظروف ملائمة من حرارة ورطوبة لانتقال المرض، وتظهر الاعراض عادة في صورة حمي معاودة( كل يومين او ثلاثة) تبعا لنوع الطفيلي المسبب، وعادة تبدأ تلك الاعراض بحمي شديدة تعقبها قشعريرة (رجفة شديدة) يتبعها تعرق غزير يشعر المصاب بعده بالتحسن وفي بعض الاحيان كأنه تعافى تماما ولم يعد يشكو من شيء حتي تأتي النوبة الموالية ومن خلال تلك الأعراض الثلاثة وكذالك المعطيات الوبائية للمنطقة يمكن ان نشك بأن الاصابة هي ب(الملاريا) غير ان كل ذالك يحتاج الي التاكيد المخبري وعليه وفرت الدولة الموريتانية الفحص السريع TDR مجانا 

– حمي الواد المتصدع “الرفت” وهي حمى فيروسية نزيفية تنتقل من الحيوان الي الإنسان عن طريق الاحتكاك مع الحيوان المصاب، كما يمكن أن تنتقل بواسطة شرب الحليب الغير مبستر وكذالك اللحوم الغير مطهية جيدا. وهي من الحميات المنتقلة كذالك بواسطة جميع انواع الباعوض وحتي بعض فصائل الذباب والقراد. ومن اهم اعراض الاصابة الحمي الشديدة والصداع والقئ والنمش الجلدي وبعض النزف. اما التشخيص المخبري فيتم عن طريق البحث عن الاجسام المضادة ELISA او الجين الفيروسي عن طريق PCR.

 وقد سجلت لاول مرة من خلال الوباء الذي اصاب منطقة النهر 1989 كما ظهرت منها حالات في 1998 في ولاية الحوض الغربي وبعد ذالك في تكانت ، ويعتقد انها تمثل نسبة كبيرة من الحميات الغير مشخصة والتي تحسب علي انها ملاريا.

– حمي الضنك وقد عرفتها البلاد في خريف 2014 بعد دخول الباعوض الناقل للمرض إلي العاصمة انواكشوط حيث سميت ان ذاك بحمى (تيارت.) وهي احدي الحميات الشديدة التي لديها اعراض نزيفية والتي تشترك مع الحميات السابقة في اغلب الاعراض وينقلها باعوض “الايدس” وقد انتشر للاسف المرض ليصيب جل سكان العاصمة انواكشوط، ولازال ينتشر ويغزو المدن الداخلية حيث لازال التكفل بالحالات المرضية دون المستوي المطلوب كما تلعب الباصات المكيفة المستخدمة في النقل ما بين المدن دورا اساسيا في نشر المرض، وهناك فحص سريع TDR يمكن من تشخيص المرض بصورة دقيقة غير انه لازال مرتفع الثمن ولايتوفر في المراكز الصحية العمومية.

-الحميات البكتيرية المعاودة ومن اهمها ” حمى البوريليوز” وهي حمي متذبذبة ينقلها “القراد” وهي شبيهة بأعراض الملاريا بسبب معاودة الحمي ولذالك غالبا ماتعالج خطا بالادوية المضادة للملاريا بدل المضادات الحيوية ” الدوكسي سيكلين” الفعال وتنتشر حمى اللوريليوز للاسف في غالبية المناطق الرعوية خاصة منطقة مكطع لحجار وتكانت وتغيب المعطيات الوبائية بخصوصها بسبب عدم التشخيص المخبري للحالات . اما الفحص فهو مجهري ويمكن أن نقوم به في نفس الوقت اثناء بحثنا عن طفيلي الملاريا وكل ما نحتاجه هو تكوين بسيط للمخبريين ليتمكنوا من التعرف علي البكتيريا المسببة للمرض.

السؤال (3) :

توجد مشكلة تشخيص تفريقي بين معظم الحميات فى هذه الفترة فتكاد تختلط وتتشابك اعراض الملاريا مع أعراض الضنك مثلا فكيف يمكن التمييز بين الحميات عند التشخيص الأولي وقبل الحسم المخبري؟

الدكتور مكاه :

 غالبا ما تشترك الامراض الانتانية في العديد من الاعراض السريرية مثل الترفع الحراري والصداع والغثيان أو القيء بالإضافة الي التعرق والقشعريرة (الرجفة). ولذالك وجدت وسائل مبسطة وسريعة للتشخيص التفريقي يجب اللجوء اليها كلما تداخلت الاعراض ويساعد فى ذالك وجود الفحص السريع TDR لكل من( الملاريا ) وحمي ( الضنك ) رغم الاختلاف في مدى جاهزية الفحص لكل منهما. وتأتي اهمية الفحوص المخبرية بكونها اهم دعامة في الرقابة الوبائية ومعرفة السبب الحقيقي. 

السؤال ( 4) :

بالتسبة للملاريا ولكم دراسات وابحاث محليا وعالميا حولها وتجربة غنية فى مواجهتها ماذا عن وبائية الملاريا في بلادنا ونقصد سرعة الانتشار وعدد الحالات الحقيقية والبؤر الوبائية و الفترة الزمنية للانتقال ؟

الدكتور مكاه :

من خلال الدراسات التي قمنا بها عبر الثلاثين سنة الماضية لا توجد وبائية للملاريا في موريتانيا وإنما هناك ناقلية موسمية لا تتجاوز 3 الي 4 شهور حيث يكون عد الحالات في حدود العشرين الف سنويا وتتركز في المناطق المحاذية لجمهورية مالي وتعني بذالك منطقة( الحوضين) و(كيدي ماغا ) و(لعصابة.) اما منطقة النهر فقد بينت كل الدراسات المقام بها انها منطقة خالية من الملاريا بينما تنتشر فيها الحميات الفيروسية.

اما في المنطقة الصحراوية والعاصمة انواكشوط فهناك إصابات بالملاريا من النوع ” فيفاكس” وهو نوع يتميز بخصائص جينية تجعله يصيب ذو البشرة البيضاء دون غيرهم و تتركز الاصابة بهذالنوع من الملاريا في مقاطعات شمال العاصمة انواكشوط ومدينة اطار وكذالك ازويرات.

السؤال (5) :

نبقى فى موضوع( الملاريا)

ماهي أهم عوائق مواجهتها محليا وهل ترتبط تلك العوائق مثلا بالتشخيص غير الدقيق اولبروتكول العلاجي أو غياب بنك معلومات وطني بخصوص المرض ومساراته وتبعاته؟

الدكتور مكاه :

كما اسلفت من خلال الدراسات التي قمنا بها علي مدى الثلاثة عقود الماضية تبين ان المعطيات الوبائية القديمة والتي انشأ عليها البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا لم تكن بالدقة الكافية ينضاف ذالك الي عدم توفر المعطيات الوبائية الخاصة بعدد المرضى وغياب التشخيص المخبري نهائيا في المستشفيات والمراكز الصحية بينما تقل نسبة من طلب لهم الفحص السريع عن % 10.

 فمثلا لو اخذنا كمثال العدد المعلن عنه سنويا والذي يتراوح ما بين 200 الي 300 الف حالة لم يجر الفحص التأكيدي السريع الا لمن هم دون 10% من المرضي اي ما بين 20 الي 30 الف وحتي من بين هؤلاء لانعرف كم تأكدت إصابتهم بالملاريا حيث لاتوجد اي معطيات متعلقة بذالك هذه من أهم العراقيل التي تحول دون التغلب علي المرض والذي نعتقد جازمين ان بلادنا يمكنها القضاء التام عليه وقبل 2027(الأهداف الالفية تقول بنقص عدد الحالات إلي 80% سنة 2030).

 اذا اعتمدنا استراتيجية مبنية علي أسس علمية مبنية علي توفير التشخيص المخبري للحالات والتكفل بالمرضى المصابين وأتباع اساليب الوقاية المختلفة، وعندها يمكن أن نتفرغ للتحدي الأكبر والناجم عن الأوبئة الفيروسية.

السؤال ( 6) :

تعتبرون من الخبرات الوطنية النادرة فى مجال بحوث ودراسات الأمراض الطفيلية والاوبئة وقدمتم دراسات شهيرة فى محافل طبية محلية وعالمية بذلك الخصوص 

هل ترون علاقة من اي نوع بين( كوفيد19) وغيره من الفايروسات وبين البيئة الموريتانية وهل من تداخل( إمراضي) بين ( كوفيد) والحميات المنتشرة حاليا وهل توجد نقطة تلاق بين الفايروسات والطفيليات خارج نطاق تشابه الأعراض؟

الدكتور مكاه :

لاشك أن البيئة الموريتانية تختلف عن غيرها من المناطق في العالم تماما كما يختلف الموريتاني عن غيره في ظروف حياته وتغذيته وطريقة عيشه، ولذالك لاشك ان الفيروس لدينا له خصائص تميزه وهذا ما يجب ان نشتغل عليه كباحثين ونشارك العالم في انتاج المعرفة الخاصة بهذا الوباء.

السؤال ( 7) :

 طغى التركيز على( كوفبد 19).على تتبع مسارات بقية الحميات والاوبئة

 ماخطورة ذلك برايكم على الجهود المحلية والدولية لمواجهة بقية الحميات والأوبئة الفايروسية وخصوصا ماتاثيره على مواجهة خطر الملاريا؟ 

الدكتور مكاه :

 مع ان وباء كوفيد يعتبر تهديدا للبشرية الا ان نسبة الوفيات لهذا الوباء لا يمكن مقارنتها بالملاريا ولا حتي غيرها من الأمراض الموسمية ولذالك يجب العمل علي الحبلين كما يقال. 

السؤال ( 8):

خلال ال30سنة الماضية وبما انكم ميدانيون والحمدلله ما الذى تغير فى مسار الاصابات والاوبئة الفايروسية والطفيلية محليا من حيث الإنتشار والفتك وآليات المواجهة بشريا وطبيا ومخبريا ولوجستيا؟

الدكتور مكاه :

خلال الثلاثين سنة الماضية ظهرت عدة اوبئة للاسف في بلادنا كان من اهمها الحميات الفيروسية النزيفية حيث دخلت حمي الضنك الخريطة الوبائية لبلادنا لاول مرة سنة 2014، بالاضافة الي الحمي التزيفية ” اكريمي الكونجو” اما حمي “الرفت” او(الوادي المتصدع) فرغم أن آخروبائية لها كانت محليا عام 1989 إلا انه ما تزال العديد من الحالات تسجل سنويا بينما الاخري تسجل علي انها ملاريا مع انعدام وسائل التشخيص.

كما ان هناك حميات اخري لا نتوفر علي معلومات عنها لحد الان مع إنها تنتقل عادة مع حمي ” الضنك” بسبب الاشتراك في الناقل المرضي ومن أهمها الحمة النزيفية “الشيكونكونيا” و”الزيكا”.

ولهذا وجب التنويه باهمية تطوير نظام مراقبتنا الوبا ئية بحيث يكون فعال واستباقي ويستند علي مخابر مجهزة وبها الكادر العلمي المؤهل بالإضافة إلي وجود مراكز جهوية ونقاط انذار مبكر في المناطق التي تشكل بؤر لكل وباء وتوفير وسائل التشخيص الاولي لكل حالة يشتبه بها.

السؤال (9) :

قبل الدكتوراه والتخصص دخلتم ميدان التمريض من اوسع الابواب وهذه فرصة لنسالكم كيف رفعتم التحدى بالانتقال من سلك الممرضين إلى دراسات عليا فى تخصص قريب من التمريض لكنه مواز له ويتجاوزه اكاديميا 

وكيف تاقلمتم مع ذلك الانتقال ونعرف صعوبة الميدان عندما يقتحمه ممرض على فئات قدترى نفسها فوق التمريض تراتبيا على الأقل 

كيف كانت ملامح التجربة وهل هي مشجعة لممرضين راغبين فى مسارات علمية مهنية مشابهة؟

الدكتور مكاه :

 بالطبع لقد تخرجت 1991 من المدرسة الوطنية للصحة العمومية ومن المعهد العالي العلمي وهكذا عملت في الميدان لمدة أربع سنين قررت بعدها التحدي ومواصلة مشواري الدراسي حيث التحقت بجامعة داكار وتابعت دراستي حتي الحصول علي الدكتوراه وشهادة التخصصCES من كلية الطب هناك، بالإضافة إلي دبلوم في علم الأوبئة والصحة العامة وشهادة الكفاءة من معهد bioforce الفرنسي في تسير برامج الصحة ذات الطابع الدولي، واحمد لله أنا الان خبير دولي معتمد في مجال تخصصي وأستاذ زائر لمادة الطفيليات الطبية في عدة جامعات في المنطقة. بالنسبة لبقية السؤال والخاص بالتحديات فمع انها كانت جمة الا ان ما كان يهمني في المقام الأول هو ما أطمح إليه وكيف ارى نفسي لا كيف ايراني الآخرون.

السؤال( 10):

فى كلمة اخيرة بماذا تنصحون المواطنين الموريتانيين وهم يواجهون هذه الاجواء الحارة الرطبة وماتخلقه من بيئة مناسبة لانتشار حميات واسهالات وإصابات مرضية عديدة؟.

الدكتور مكاه :

  اهم النصائح 

1. أطلب دائما من الطبيب إن يجري لك الفحص السريع لحمى الملاريا ( حمة الناموس) قبل اعطائك العقاقير.

2. حاول أن تنام دائما داخل الناموسية المشبعة وإذا تعذر ذالك استخدم المواد الطاردة للباعوض (repulsifs),

3. ابتعد عن عض الباعوض الناقل لحمى الضنك والفيروسات الأخري المرافقة والتي تنشط في النهار وذالك بارتداء الملابس والاحذية المناسبة وفي حالة النوم الصباحي ابق.في الناموسية وافتح النوافذ لان الضوء يطرد الباعوض.

4. حاول أن تتخلص من اية أوان أو حاويات بها مياه راكدة في البيت أو بجواره لأنها بؤرة للباعوض.

5. اجعل مسافة بينك وبين الحيوانات ولاتقم بعملية السلخ اوتقطيع اللحم وانت تعاني من اي جرح بل قم عند ملاحظة ابسط جرح بوضع الضماد

– لاتنس بسترة الحليب وطهي اللحوم جيدا .

– انتبه دائما لحيواناتك وانتبه لاية أعراض مرضية تظهر عليها وخاصة الاسقاطات ” اطراح” لدى الحيوانات وأبلغ عنها السلطات باقصى سرعة ممكنة 

6. ابتعد عن المستنقعات وعن أماكن سكن الحيوانات والتي تمكن القراد من الوصول إليك فهو من أهم النواقل للحميات المعاودة وكذالك النزيفية.

نقـلا عن صفحة حبيب الله ولد أحمد 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى