مقالات لمؤرخ بارز تؤكد تغلغل الماسونية في موريتانيا وتثير جدلا واستغرابا واسعين
هل الماسونية موجودة منذ سنوات طويلة بالفعل في موريتانيا مندسة في المجتمع كسم مذاب في زيت؟ وهل صحيح أن شخصيات دينية وسياسية ملأت المشهد الموريتاني لعقود، كانت مجرد بيادق للماسونية العالمية؟
أسئلة من أخرى أثارتها مقالات وتدوينات يواصل الأكاديمي والمؤرخ الموريتاني البارز الدكتور حماه الله السالم نشرها باهتمام واسع من الرأي العام، وقد قدم لاندساس الماسونية أكثر من دليل وبرهان، مع أن الكثيرين استغربوا ما كتبته المؤرخ واعتبروه من أساطير “ألف ليلة وليلة”.
ولتأكيد صحة تغلغل الماسونية البنائية في موريتانيا نشر الكاتب صورة لواجهة القصر الرئاسي وعلق عليها قائلا: “العين الماسونية مرسومة على بلاط أمام مكاتب الرئاسة!”.
ومع عدم تصديق الكثيرين للآراء التي ساقها، فقد قدم المؤرخ البارز ولد السالم قصصا واقعية عن أسرار الماسونية في موريتانيا، فتحدث عن وجو ناد بوهيمي للعراة في نواكشوط كان نشطا، حسب قوله، في عهد الرئيس الأسبق ولد الطايع إحدى ضواحي نواكشوط في منزل محاط بالأشجار، “يأتيه، حسب قوله، جمع غفير من رجال الدولة والأعمال وحتى الدين!”
وساق الكاتب قصة شخص ساقته الأقدار لدخول النادي المذكور فوجده “فضاء فسيحا من الأرض المغطاة بالبلاط والخضرة وفيها مسبح كبير وواسع وحوله خلق كثير من الرجال والنساء من البيظان والزنوج وغالبيتهم عراة من ورق التوت وبعضهم يلبس مئزر الحمّام أو كيلوتا قصيرا وقميصا، وكان بعضهم يحمل كؤوس الخمر ويجلس مع نسوة من الزنوج والبعض الآخر يقف ويتحدث والبعض يمارس الفحشاء مع نساء ومن دون وجل في نواحي المسبح أو المنزل”.
“لكن الأغرب، يضيف الكاتب، أن بعض الرجال كانوا كمن هو تحت تأثير المخدرات وكانوا يسيرون على غير هدى وكأنّ هناك من يمسك بأنوفهم ويعلقهم بها في الهواء ويتمايلون”.
وساق ولد السالم أيضا قضية سجين تعود إلى أوائل عهد الرئيس الأسبق ولد الطايع، متهم بقتل في حادثة غريبة، كان كلما حاصره المحققون يقول: “إذا بحت بالحقيقة كاملة ستحدث حرب أهلية”.
وقال: “الموضوع برمته تقف خلفه الماسونية، بعد أن اطلعت والدة المعني على ملف ممتلئ بالقاذورات من كل وجه وأعمال التآمر على الدين والخلق والكرامة والصالح العام في هذا البلد”.
ونقل الدكتور في تدويناته المثيرة حديثا عن الشيخ حمدا بن التاه وهو رئيس هيئة علماء موريتانيا حاليا، أكد فيه أنه كان ذات يوم في حديث إذاعي مسجل وتحدث عن الماسونية وخطرها، فجاءه شخص مهم وقال له يا شيخ أحذرك من تلك الهيئة وهي أخطبوط عالمي خطير يجب ألا تتحدث عنه، يقول الشيخ: “أخذتني العزة بالله وعدت في الحلقة الموالية وقلت نفس الكلام وزدته بعبارات أكثر حدة، فلم يحصل لي شيء إلى اليوم”.
وتحدث المؤرخ عن اكتشافه لمكتبة ماسونية مريبة وسط العاصمة تسمى مكتبة الضياء، مؤكدا أنه قرأ بعد ذلك آلاف الصفحات عن الماسونية وعن أساليبها ومحافلها وتاريخها، مبينا أنها “خليط من الدعاية والأكاذيب ومن الحقائق الغريبة أيضا”.
وقال: “المخيف أن موريتانيا تعترف بدولة تسمى (دولة فرسان مالطا) وهي ليست دولة مالطا المعروفة، بل هي كيان معترف به من الأمم المتحدة ولديه جوازات لا ترد وسفارات وجيش هو “بلاك ووتر” وهو وريث فرسان يوحنا، وهذه الدولة لا وجود لها على الأرض لكنها فاعلة وقوية عالميا ويقال لها أحيانا “التنظيم السيادي لفرسان مالطا”، وهي متهمة بتدبير غزو العراق والأغرب أن سفاح نيوزلندا ذكرهم مفتخرا بهم في خطابه الدموي!”.
وممن ناقش الدكتور ولد السالم قصصه عن الماسونية الدكتور الأكاديمي المبرز أبو العباس برهام الذي علق قائلا: “طُرِح إشكال الماسونيّة في موريتانيا؛ والحقّ أنّ الماسونيّة قد أُسطِرت في مجالنا العربي الإسلامي بحيث لم تعد مصطلحاً مُفيداً، وقد شهِدت السنوات الماضيّة تقدّماً لدراسات الماسونيّة في إفريقيا، وكان من المهم النظر في هذا الموضوع بطريقة عاقِلة: الماسونيّة هي تقريباً مقولة وممارسَة “خاصة الخاصّة” في الحداثة، وهي بهذا المعنى غير أجنبية على فِكرة “الدعوة” الأساسيّة في التاريخ الإسلامي وفي تشكيل الدول الإسلاميّة الكبيرة (العباسيّة والفاطمية والإدريسيّة والأموية بالأندلس) والحركات الكبيرة (القرامطة ودول الإباضية والإسماعيلية)”.
وأضاف: “كان سيكون من المفيد استخدام دراسة تاريخية إمّا أنثروبولوجية تاريخية أو معتمِدة على تحليل عاقِل للروايات الشفهية لسبر ما إذا كان بعض التنويريين الموريتانيين الأوائل قد آمن مثلاً بفكرة المحفل أو المجتمع السري كشرط للتحديث، وهذه فكرة، وإن لم تكن مهمة في تشكيل الوقائع، فليست بغبية: لأنّ نخب الموريتانيين ظلّوا مقاطعين للاستعمار حتّى فجأة أقبلوا على ضئيل مؤسساتِه وحيّدوا الكهول (يُنصَح بقراءة ما كُتب عن اليفاعة الإفريقية التي أقصت حُكم الكهول gerontocracy في غرب إفريقيا) وأقاموا دولة ليبراليّة شابّة لم تتعرّض لتحد في شرعيتها إلا مع ظهور الدواعِش مؤخّراً، فكيف بُني هذا المشروع؟ هل بني بشبكات اجتماعية تمدّدت أم بإرث استعماري تعليمي وتكويني؟ أسئلة مهمة تحتاج لمؤرِّخين جديين”.
وقال: “أمّا الحديث عن دولة يحكمُها ممارسون جماعيون للجنس والجن الذين يتراشقون بالشهب والمجتمع الكافِر السري فهذا، ما لم يكن طُرفة، فهو تحليل مؤامراتي بسيط التركيب، ولا يوجد فيه جهد أو حتّى عقلٌ تأريخي”.
يذكر أن الحضور الماسوني في إفريقيا بدأ مع إنشاء “مثابة لوج الكبرى” في مدينة سنلوي السنغالية عام 1781، وواصل هذا الحضور بعد ذلك انتشاره في عدة دول، وانغرس في الأذهان منذ التاريخ تخوف من الطابع الخيالي والتآمري للماسونية.
القدس العربي / عبد الله مولود