معارضتنا .. وعقدة صناديق الاقتراع / عبد الله الراعي
الشــروق / صناديق الاقتراع لا تغذيها الأصوات القادمة عبر مكبرات الصوت من قاعات المؤتمرات الصحفية لقادة المعارضة، و ليست معنية كذلك بتلك الشعارات الفارغة التي يرددها مراهقون سياسيون يدركون جيدا حجمهم في المشهد السياسي ، ولن تغير من نتيجتها بعض التدوينات والكتابات المحروقة التي أدمن أصحابها بيع المواقف وتسخير حبرهم لإسكات جوعهم الأبدي ..!
إن صناديق الاقتراع معنية فقط بعدد المواطنين الذين أودعوها أصواتهم المعبرة عن وجهة نظرهم ورؤيتهم لمستقبل دولتهم .
للأسف لم يعد في نخبتنا المعارضة رشيد ولا حكيم وأغلب قادة الأحزاب السياسية غيّبهم عامل السن وأصبحوا رهائن لدى مجموعة من المراهقين السياسيين، بعد أن أمضوا أكثر من ربع قرن يتربعون على هرم أحزابهم لم يجربوا خلالها عملية التناوب السلمي داخل تلك الأحزاب وأصبحت تسيطر على تشكيلات المعارضة بعض الشخصيات المتطرفة والحركات العنصرية وبات دور الأحزاب يقتصر على تسخير بعض الشباب المتحمس لتوريطه في بعض الأعمال الخارجة على القانون وأضحى صوت الغوغائية يتفوق على صوت العقل والحكمة والكياسة..!
في انتخابات 2009 كانت المعارضة أكثر قوة ورموزها أكثر سيطرة على المشهد داخل أحزابهم وكانوا يملكون من الحماس أكثر من رصيدهم الحالي ومع ذلك هزموا بصناديق الاقتراع ، ورفض بعضهم الاعتراف بالنتائج وقال إن نصيبه من الشعب سرق أو “طار” ، وفي 2011 وحتى نهاية 2013 ، وجدت المعارضة فرصتها التاريخية في ركوب أمواج “دماء الربيع العربي ” واختارت من الشعارات ما طاب لها ، لكنها لم تفلح في تحريك الشارع أبعد من ساحة ابن عباس ..!
إننا لم نكن نتوقع ولانتظر أن تعترف المعارضة بنتيجة استفتاء الخامس من أغسطس 2017 ، ولا نتحرى منها كذلك شهادة الصدق في شفافية العملية الانتخابية ، فكل المنتظر منها عبرت عنه قبل وبعد الاستفتاء ، لكن ما يجب على المعارضة أن تدركه قبل فوات الأوان أن هناك مرحلة جديدة دخلتها موريتانيا لا مكان فيها “لمجموعة الطابور المعطل” حتى لا نقول شيئا آخر ، وعلى الجميع أن يتخلى بشكل فوري عن تلك الخطابات والتحركات غير المحسوبة التي ستضر أصحبها قبل أن يرجع صدها ..!
في الحقيقة لقد مل الشعب أحزاب الترف السياسي وبياناتها ومؤتمراتها ومل “عادة العصف الذهني” التي يمارسونها بشكل جماعي ، وعليهم أن يغادروا تلك الحقبة التي بدأت بالمنسقية ولن تنتهي “بـــ G8 ” .
لقد صدم الشعب أيما صدمة حين أكتشف أن دعاة “الديمقراطية المثالية ” ليسوا في الواقع سوى مجموعة من المخربين تسعى بكل جهدها إلى زعزعة الأمن وتقويض الاستقرار طمعا وجشعا في فتات لا يسمن ولا يغني من جوع ، فهل يتوقعون أن يمنحهم الشعب الموريتاني السلطة وإدارة شؤون البلاد..!
إن آفة بعض النخب السياسية تكمن في تعجلها في الوصول إلى السلطة ، فتنحرف بذلك نحو العنف والتخريب و جر الديمقراطية نحو حقب العتمة والتربص في أحضان المجهول فليس من المقبول بعد كل هذا المستوى من الحريات وفتح العمل السياسي على مصراعيه أن نكتشف أن هناك من يعمل بعقلية التخابر والتآمر على الوطن ..
إن الإصلاحات الدستورية التي أقرها الشعب الموريتاني تعبر بكل حزم عن تثمين وتخليد دماء الشهداء والمقاومين الذين دفعوا حياتهم رخيصة من أجل استقلال هذا الوطن ،و تعبر كذلك عن تعلق الموريتانيين بأرضهم ووحدتها الترابية ، واستعدادهم لبذل المزيد من التضحيات والدماء دفاعا عن وحدة الوطن وحوزته الترابية وأمنه واستقراره وعلى المعارضة أن تدرك جيدا هذه المضامين.