«اسنيم»… أربعة أعوام من التحول العميق: إنتاج قياسي وتوسع استثماري ودور اقتصادي متصاعد (2021–2025)

الشروق نت / منذ أن تولّى المهندس محمد فال ولد اتليميدي إدارة الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم) في 18 مارس 2021، دخلت أكبر شركة وطنية في موريتانيا مرحلة جديدة اتسمت بالصرامة المهنية، ورؤية إنتاجية طموحة، وإرادة حازمة لاستعادة المكانة التاريخية للشركة كركيزة لا يُستغنى عنها في الاقتصاد الوطني. وقد جاءت هذه المرحلة مدعومة بتوجيهات رئيس الجمهورية ومتابعة حكومية لصيقة، وصاحبتها دينامية تنفيذية قوية من الطواقم الفنية والإدارية داخل الشركة، لينعكس ذلك كله في أداء نوعي غير مسبوق خلال أربعة أعوام فقط.
كان أبرز ملامح هذا التحول هو النجاح في تجاوز حاجز 14 مليون طن من المبيعات لأول مرة في تاريخ الشركة، بعدما ظلت لسنوات طويلة تراوح بين 11 و12 مليون طن. ففي نهاية 2023 سجّلت اسنيم 14.11 مليون طن، قبل أن ترفع سقفها مجدداً إلى 14.226 مليون طن في 2024، لتبرهن أن هذا الإنجاز لم يكن طفرة عابرة، بل نتيجة مسار تقني منضبط أعاد للشركة لياقتها الإنتاجية وقدرتها على المنافسة.
وقد جاءت هذه القفزة نتيجة إصلاحات لوجستية دقيقة طالت كل مفاصل منظومة الإنتاج، بدءاً من إعادة هيكلة حركة قطارات السكة الحديدية الأكثر طولاً في العالم، ورفع معدل التدوير وتقليص فترات التوقف، وصولاً إلى تطوير قدرات المناولة في الميناء المعدني بنواذيبو وتسريع وتيرة الشحن وتقليل زمن انتظار السفن، وانتهاء بترقية العمل الميداني في مناجم الزويرات التي سجلت خلال 2023 و2024 أعلى مستويات الأشغال الأرضية والتفريغ والمعالجة الأولية.
وقد أسهم هذا كله في رفع المردودية وخفض الكلفة وتحسين نسق الإنتاج بإيقاع ثابت ومؤشرات متقدمة.
وفي الجانب المالي، أكدت الشركة صلابتها في مواجهة تذبذب أسعار الحديد عالمياً، إذ حققت 1.26 مليار دولار في 2022، وارتفعت الإيرادات إلى 1.37 مليار دولار في 2023 رغم تقلبات السوق.
وقد ساعدها على ذلك تنويع زبائنها بين الصين وأوروبا والهند واليابان وكوريا وشمال إفريقيا وتركيا، وهو ما منحها قدرة كبيرة على امتصاص تأثيرات السوق الصينية التي كثيراً ما تتحكم في اتجاه الأسعار.
وتوازى التحسن الإنتاجي والمالي مع حضور وطني متصاعد للشركة التي تُعدّ أكبر مشغّل خارج القطاع الحكومي، حيث يبلغ عدد موظفيها الدائمين 6794 عاملاً، إضافة إلى آلاف الوظائف غير المباشرة، وشبكة تضم أكثر من 170 مورداً وطنياً يسهمون في خلق قيمة اقتصادية محلية.
كما تواصل اسنيم دورها الحيوي في دعم خزينة الدولة، وفي تمويل البنى التحتية والخدمات الاجتماعية عبر «الخيرية» التي تُعد من أهم أدوات التنمية المحلية في المدن المنجمية.
ولم تكن الشركة تكتفي بتثبيت الأداء الحالي، بل شرعت في تنفيذ رؤية استراتيجية بعيدة المدى تمتد حتى 2035، هدفها رفع الطاقة الإنتاجية إلى 24–30 مليون طن ودخول مرحلة جديدة من التصنيع المعدني عبر تطوير صناعات تحويل الخام (Pellets – DRI – HBI)، بما يمهّد لتحويل موريتانيا من مجرّد مصدّر للخام إلى بلد ذي قاعدة صناعية معدنية ذات قيمة مضافة.
وقد شكل التمويل الدولي الذي حصلت عليه الشركة في نوفمبر 2025، والبالغ 275 مليون دولار من البنك الإفريقي للتنمية وبنك الاستثمار الأوروبي، دفعة نوعية لتأهيل السكة الحديدية وتوسيع قدرة النقل، ما يجعل بلوغ سقف 24 مليون طن هدفاً واقعياً خلال العقد المقبل.
ورغم أن الأسعار العالمية تظل التحدي الأكبر، إلى جانب كلفة الاستثمارات الضخمة والحاجة المستمرة لتطوير مهارات وطنية عالية، فإن المؤشرات العامة تؤكد أن سنيم تتقدم بثبات نحو مرحلة أكثر نضجاً وقوة، تجمع بين توسيع الإنتاج وتعميق القيمة المضافة، مع التزام متزايد بالمعايير البيئية والتنموية في محيط المدن المنجمية.
وهكذا، تبدو حصيلة السنوات الأربع الماضية حصيلة استثنائية بكل المقاييس .. إنتاج قياسي هو الأعلى في تاريخ الشركة، مردودية متصاعدة، أداء مالي متوازن، حضور اقتصادي وطني راسخ، وانطلاقة فعلية نحو تصنيع الحديد وبناء مجموعة صناعية متكاملة.
وبذلك ترسخ اسنيم موقعها ليس فقط كأهم شركة وطنية، بل كقوة اقتصادية تساهم في صياغة مستقبل موريتانيا وتمنح اقتصادها أفقاً أوسع في عالم الصناعات المعدنية العالمية.
عالي أحمد سالم




