مهرجان “الضفة” في كيهيدي… إحياء ثقافي أم تكريس للإقصاء ؟

الشروق نت – كيهيدي
في خطوة كان يُفترض أن تُعيد الاعتبار لولاية كوركول، وتُكرّم تراثها العريق، وتُبرز تنوعها الاجتماعي والثقافي، أعلنت الجهات الرسمية عن تنظيم مهرجان ثقافي بمدينة كيهيدي، واختارت له اسم “مهرجان الضفة”. غير أن هذه التسمية، التي بدت للوهلة الأولى جامعة وعابرة للمناطق، سرعان ما أثارت موجة من التحفظ والاستياء في أوساط واسعة من سكان الولاية، معتبرين أنها لا تعكس هوية كوركول وحدها، بل تُعيد إنتاج خطاب إقصائي لطالما شكا منه أبناء المنطقة.
“الضفة” مصطلح واسع الدلالة جغرافياً، يُطلق على الشريط النهري الموريتاني الممتد من اترارزة مروراً بلبراكنه وكوركول وصولاً إلى كيدي ماغه. وقد جرى في العقود الأخيرة ربط هذا المصطلح بمكوّن اجتماعي بعينه، حتى بات يحمل حمولة رمزية توحي بتمثيله الحصري لهذه الفئة. وعليه، فإن اعتماد هذا الاسم لمهرجان محلي في كيهيدي – عاصمة كوركول – لا يُعد مسألة لغوية عابرة، بل خياراً مثقلاً بالدلالات السياسية والاجتماعية، يُشعر كثيرين من أبناء المنطقة بالتهميش، ويُرسّخ في أذهانهم الشعور بالإقصاء.
ولاية كوركول، بتاريخها الموغل في القدم، وثرائها الإثني والثقافي، كانت دوماً مرآة مصغّرة للتنوع الموريتاني، إذ تحتضن على أرضها مختلف الأعراق والمكونات.. كان المنتظر من هذا المهرجان أن يعكس هذا التنوع الخلاق، لا أن يُذوِبه في مسمى فضفاض، يُلامس حدود الغموض، ويغذي حساسيات قديمة.
العديد من الفاعلين المحليين دعوا إلى تسمية تُعيد الاعتبار إلى الولاية وساكنتها، كـ “مهرجان كوركول الثقافي” أو “مهرجان كيهيدي للتنوع والوحدة” أو حتى “مهرجان التعايش”، لتكون التسمية منسجمة مع رسائل السلام والتآخي التي تحتاجها الولاية، بعد سنوات من التهميش والتنميط والتصنيف.
من المؤسف أن تأتي تسمية المهرجان على نحو يُشعر فئة عريضة من المواطنين بالاغتراب في فضائهم الجغرافي والثقافي. فإذا كانت النية هي الانفتاح على الضفة عموماً، فكان الأجدر أن يُنظم مهرجان وطني باسم “مهرجان الضفة الثقافي”، بالتناوب بين الولايات الأربع، لا أن يُصادَر الفضاء الرمزي لولاية كوركول، ويُختزل في تسمية تُحيل – عند كثيرين – إلى تهميش سياسي طالما لازم تعيينات المناصب القيادية، وتوزيع الفرص داخل الولاية نفسها.
إن المسؤولية الأخلاقية والثقافية تفرض على القائمين على هذا الحدث إعادة النظر في التسمية، والتأسيس لرؤية أكثر شمولاً وإنصافاً، قادرة على احتضان الجميع دون تمييز أو اختزال. فالمهرجانات ليست مجرد منصات للعرض الفني، بل هي أيضًا رسائل رمزية تعبّر عن عمق الانتماء، وتُعيد رسم العلاقة بين المواطن والدولة، بين الفرد والجماعة، بين التاريخ والمستقبل.
وإننا إذ نثمّن أي جهد يُبذل لإبراز الثقافة المحلية، نؤكد أن الاسم ليس مجرد عنوان، بل هو اختزال لفكرة، وتحميل لهوية، وتكثيف لذاكرة جماعية يجب أن تكون عادلة وشفافة وشاملة.
عالي أحمد سالم الملقب البو