محمد ولد انويكظ… حين تتحوّل الثروة إلى شراكة وطنية ومسؤولية اجتماعية..

الشروق نت / لم تكن ثروة محمد ولد انويكظ وليدة صدفة عابرة، ولا نتاج ظهور مفاجئ ارتبط بمصادر عمومية أو امتيازات ملتبسة، بل جاءت حصيلة مسار اقتصادي عائلي راسخ، تعود جذوره إلى مشروع تجاري متين أسّسه والده الراحل عبد الله ولد انويكظ، رحمه الله، أحد أعمدة التجارة الوطنية في موريتانيا عبر عقود من العمل الجاد والمتواصل..
فقد تشكّل أصل هذه التجربة في تجارة مباركة بُنيت بالجدّ والصبر والعمل الدؤوب، في زمن كانت فيه الفرص محدودة والتحديات جسيمة، فاعتمد الوالد على النزاهة وبعد النظر وبناء الثقة، وراكم رأس المال عبر الاستيراد والتجارة والنقل، مؤسسًا مشروعًا عائليًا نظيفًا، بعيدًا عن الأضواء، قائمًا على العمل الحقيقي لا على المضاربات.
في كنف هذا الإرث نشأ محمد ولد انويكظ، وتدرّج في تحمّل المسؤولية، قبل أن يتولى لاحقًا القيادة، محافظًا على روح التأسيس، ومضيفًا إليها رؤية حديثة تقوم على التوسّع المدروس وتنويع الاستثمارات.
دخل بثقة إلى قطاعات حيوية شملت العمل المصرفي والمالي، والزراعة والصيد والصناعات الغذائية، والتجارة الإقليمية في فضاء غرب أفريقيا، ليصبح بذلك واحدًا من أبرز رجال الأعمال الموريتانيين ذوي الحضور الإقليمي، واسمًا اقتصاديًا وازنًا يحظى بالاحترام داخل البلاد وخارجها.
وتتفرّد هذه التجربة بكونها ثمرة عمل خاص لا مال عام؛ فلم تُبنَ على صفقات مشبوهة ولا امتيازات سياسية، بل على استثمار طويل النفس ومخاطرة محسوبة في قطاعات إنتاجية.
ولهذا لم يرتبط اسم محمد ولد انويكظ يومًا بقضايا فساد أو شبهات أو ممارسات مخلة، أيًّا كان نوعها، وهو ما رسّخ صورته كرجل أعمال مهني نظيف المسار، وجعل حضوره في المشهد الاقتصادي قائمًا على المصداقية لا على النفوذ.
ولم يحبس الرجل أدواره داخل جدران الشركات والأرباح، بل وسّعها لتلامس جوهر التحديات الاقتصادية والاجتماعية للبلد ..حضوره ليس عابرًا ولا مناسباتيًا، بل قائم على رؤية تعتبر أن رأس المال الوطني لا يكتمل دوره إلا حين يتحوّل إلى شريك فعلي في التنمية، ومساهم مباشر في تخفيف الاختلالات ودعم الفئات الأكثر هشاشة.
وقد تجلّى هذا التوجّه في أكثر من محطة، من بينها انخراط البنك الوطني الموريتاني في برامج تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة، عبر مساهمة مالية معتبرة خُصصت لدعم إدماجهم المهني، في خطوة تعكس فهمًا عميقًا لمعنى العدالة الاجتماعية وربط الاقتصاد بالبعد الإنساني.
وقبل ذلك بسنوات، لم يتردد المصرف نفسه في الوقوف إلى جانب أسر متضررة من الكوارث الطبيعية في سيلبابي، مقدّمًا دعمًا غذائيًا ونقديًا لعشرات العائلات، بعيدًا عن أي حسابات دعائية.
وفي البعد الاستراتيجي، يبرز محمد ولد انويكظ كأحد رجال الأعمال الذين يقدّمون أفكارًا جريئة حول مستقبل الاقتصاد الموريتاني، من خلال الدعوة إلى إصلاحات هيكلية في القطاع المصرفي، وانتقاد بعض أوجه التسيير الاقتصادي بوضوح ومسؤولية، مع التأكيد الدائم على ضرورة تقليص الفجوة الاجتماعية، ودعم القطاع الخاص، وتنمية القطاعات الحيوية، وعلى رأسها الثروة الحيوانية والزراعة.
ومن هذا المنطلق، طُرحت مشاريع كبرى في إطار شراكة مع الدولة، شملت تطوير قدرات تخزين المحروقات في نواكشوط، والاستثمار في بنية تحتية استراتيجية للهيدروكربونات، إلى جانب مشاريع زراعية طموحة لزراعة آلاف الهكتارات من القمح على مراحل، دعمًا للسيادة الغذائية، فضلًا عن اقتراح إنشاء مصنع بمعايير دولية لتكرير ومعالجة الذهب، بما يعزّز القيمة المضافة للثروات الوطنية.
ولا ينفصل هذا الحضور الاقتصادي عن التزام اجتماعي عميق وثابت، إذ يُعد من أكثر رجال الأعمال استثمارًا في العمل الخيري المؤسسي.
فمن خلال هيئته الخيرية، ساهم في بناء مدارس بعدة مناطق هشة ومحرومة، وموّل مشاريع تنموية صغيرة لفائدة الفئات الضعيفة، وقدّم منحًا دراسية داخل البلاد وخارجها، ودعم مبادرات تعليمية واجتماعية مستدامة.
ويبرز في هذا السياق دعمه النوعي لقطاع التعليم، باعتباره حجر الزاوية لأي تنمية مستدامة، من خلال إنجاز مدارس نموذجية، من بينها تدشين مدرسة ابتدائية متكاملة في فم لكليتة، بُنيت وفق أحدث المواصفات، وتضم سكنًا للمدرسين ونظام كفالة مدرسية، في مبادرة تختصر فلسفة ترى في الاستثمار في الإنسان أعظم عائد ممكن.
وما يميّز هذا العطاء أنه يتم بهدوء ومن غير رياء ولا منّ، بعيدًا عن الاستعراض الإعلامي، وبمنطق مسؤولية اجتماعية صادقة.
وعلى الرغم مما حققه من نجاح مالي، ظلّ محمد ولد انويكظ مثالًا في البساطة والتواضع؛ لم تُغره كثرة الأموال، ولم تغيّره مظاهر الثراء، محافظًا على نمط حياة هادئ وعلاقات إنسانية طبيعية جعلته قريبًا من الناس، ومحترمًا في مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية.
ولهذا يحظى بتقدير واسع داخل الأوساط الاقتصادية والنخب والشارع العام، لما يتمتع به من سمعة حسنة، وسلوك مهني نظيف، وإنفاق كريم في وجوه الخير دون ضجيج.
إنها قصة تجارة عائلية مباركة نمت بالعمل، وتطوّرت بالرؤية، وتزيّنت بالأخلاق؛ قصة رجل أعمال وطني لم يثرُ من المال العام، ولم يتورّط في فساد، ولم تنله الأموال من تواضعه وإنسانيته. تجربة تؤكد أن الثروة حين تقترن بالنزاهة، والرؤية، والعمل الخيري، والبساطة، تتحوّل إلى شراكة وطنية حقيقية، وقيمة مضافة للاقتصاد، وسند للدولة، وأمل للمجتمع.
عالي أحمد سالم الملقب البو
كاتب و محلل صحفي




