جيش التحرير الصيني… مسيرة أمة على مدى 98 سنة

الشروق نت- نواكشوط
في الأول من أغسطس من كل عام، تحتفل الصين بذكرى تأسيس جيشها الوطني، جيش التحرير الشعبي الصيني، الذي انطلق قبل ثمانيةٍ وتسعين عامًا، لا كقوة نظامية تقليدية، بل كحركة كفاح مسلح تحرري، حملت همّ الشعب وسارت معه على درب التضحية والفداء، لتتحول عبر العقود إلى واحدة من أكثر القوات تنظيمًا وحداثة في العالم.
تأسس هذا الجيش في عام 1927 وسط اضطرابات داخلية واستعمار خارجي، في لحظة كانت فيها الصين تبحث عن ذاتها تحت رماد القرون، وعن سيادتها وسط رياح الغزاة. ولم يلبث هذا الجيش أن كتب اسمه في سجل التاريخ بمدادٍ من دماء أبنائه، حين خاض واحدة من أطول وأشرس حروب القرن العشرين ضد العدوان الياباني، في حرب المقاومة الشعبية الصينية التي استمرت 14 عامًا، وخرج منها مظفرًا، بعد أن أذاق المعتدي طعم الهزيمة، وفتح الطريق أمام وحدة الصين واستقلال قرارها.
لكن جيش التحرير لم يكن مجرد آلة حرب، بل كان دائمًا جيشًا ذا رسالة، يحمل في قلبه عقيدة الانحياز للشعب، ويلتزم بمبادئ السيادة الوطنية، ويتكيّف مع تحديات الزمن دون أن يغادر ثوابته. ومع كل تحول تقني وعسكري في العالم، كان الجيش الصيني يتقدم بخطى واثقة نحو التحديث، متسلحًا بالعلم والانضباط والولاء، حتى أصبح اليوم نموذجًا فريدًا في الجمع بين القوة الصلبة والحكمة السياسية.
وقد لعب هذا الجيش أدوارًا محورية في الحفاظ على وحدة الأراضي الصينية، وحماية المصالح الاستراتيجية للبلاد، ودعم جهود الإغاثة والكوارث الطبيعية، كما انخرط في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وساهم في تعزيز الأمن الإقليمي والدولي، بما يعكس التزام الصين بمبدأ “جيش من أجل السلام”، لا أداة للهيمنة أو العدوان.
وتُعد الصين الدولة الأكثر مساهمة من بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن في عمليات حفظ السلام الأممية، ما يعكس اتساق مواقفها العسكرية مع رؤيتها لعالم أكثر استقرارًا وتعاونًا.
وتقديرًا لهذا المسار الطويل من الكفاح والتحديث، نُظم مساء الثلاثاء في العاصمة نواكشوط، حفل رسمي بمناسبة الذكرى الـ98 لتأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني، وهي مناسبة لا تستوقف الذاكرة الصينية فقط، بل تُلهم شعوبًا عديدة ناضلت من أجل كرامتها، ورأت في التجربة الصينية مدرسة في الثبات والتحول.
ولعل ما يزيد من رمزية هذه الذكرى هذا العام، هو أنها تتزامن مع الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية وجمهورية الصين الشعبية، وهي علاقات نسجت خيوطها الأولى على أساس الاحترام المتبادل، والتعاون الصادق، والتضامن جنوب–جنوب.
فخلال ستة عقود من الشراكة، قدّمت الصين لموريتانيا دعمًا ملموسًا في مجالات البنية التحتية، والصحة، والزراعة، والتعليم، والطاقة، وأرست نموذجًا للتعاون الذي يراعي الأولويات الوطنية، ويحترم السيادة، ويستثمر في الإنسان. ومن هنا، فإن تلاقي الذكريين – تأسيس جيش التحرير، وإرساء العلاقات الثنائية – يختصر دروس التاريخ، ويبعث برسائل أمل نحو مستقبل أوثق وأشمل بين نواكشوط وبكين.
عالي أحمد سالم الملقب البو