غزواني: شراكتنا مع الصين نموذج للتكامل الاستراتيجي (مقابلة)

الشروق نت – نواكشوط
في هذا اللقاء الخاص، يتحدث فخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني عن حصيلة ستة عقود من العلاقات المتينة مع جمهورية الصين الشعبية، مستعرضًا محطات التعاون الثنائي، وتطور الشراكة في مختلف المجالات، من البنى التحتية والطاقة إلى الزراعة والتعليم. كما يسلط الضوء على أفق الشراكة المستقبلية في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، ومنتدى التعاون الصيني – الإفريقي، والتكامل مع العالم العربي.
حديث الرئيس يكشف عن رؤية استراتيجية متوازنة تنطلق من احترام السيادة والتكافؤ في المصالح، وترتكز على دور موريتانيا المحوري في محيطها الإفريقي والعربي، وعلى إرادة سياسية لتوطيد العلاقات مع شريك وصفه الرئيس بـ”الداعم الصادق والمُلتزم” في مسيرة التنمية.
—
السؤال الأول:
فخامة الرئيس، أقامت موريتانيا علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية منذ عام 1965، وظلت هذه العلاقات تنمو باستمرار بشكل صحي ومستقر. كيف تقيّمون حصيلة هذه الشراكة خلال العقود الستة الماضية؟
الرئيس غزواني:
أود في مستهل هذا اللقاء أن أرحب بكم، وأن أعبّر عن اعتزازي بهذه الفرصة التي تتيح لنا تقييم مسيرة العلاقات الموريتانية – الصينية بعد مرور ستين عاماً على انطلاقتها. كما أغتنم المناسبة لأتوجه، باسمي الشخصي ونيابة عن حكومة وشعب الجمهورية الإسلامية الموريتانية، بأصدق التهاني إلى فخامة الرئيس شي جين بينغ، وإلى الحكومة والشعب الصينيين، معبّراً عن تقديرنا العميق لما يجمع بلدينا من علاقات صداقة راسخة وشراكة متينة.
إن العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية وجمهورية الصين الشعبية تمتد لأكثر من ستة عقود، تميزت بالثبات والقوة، واستندت إلى التعاون المثمر والاحترام المتبادل، فضلاً عن تنسيق وثيق بلغ أحياناً حد التطابق في المواقف إزاء القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وقد أثمرت هذه العلاقات المتينة عن شراكة واسعة النطاق شملت مجالات استراتيجية عديدة: من البنية التحتية، إلى الصيد، الصحة، التعليم، الطاقة، الصناعة، النقل، والتكنولوجيا الرقمية. ونحن حريصون على مواصلة تعزيز هذا التعاون بما يستجيب لتطلعات شعبينا.
ومنذ تولينا مسؤولية الحكم سنة 2019، شهدت الشراكة الموريتانية – الصينية قفزة نوعية تمثلت في إطلاق مشاريع تنموية استراتيجية، من بينها اتفاق التعاون الاقتصادي والفني الذي تم توقيعه في أبريل 2025 بقيمة 200 مليون يوان صيني (حوالي 1.1 مليار أوقية جديدة)، والمخصص لتمويل مشاريع تنموية حكومية.
—
السؤال الثاني:
قمتم بزيارتين إلى الصين، وعقدتم ثلاث لقاءات مع الرئيس شي جين بينغ. ما هي اللحظات التي تركت أعمق أثر في ذاكرتكم ضمن إطار دبلوماسية القادة؟
الرئيس غزواني :
لقد سنحت لي فرص عديدة للقاء فخامة الرئيس شي جين بينغ، وقد لمست خلالها بوضوح التزامه العميق بتوطيد علاقات بلاده مع إفريقيا، وخصوصًا مع موريتانيا. لقد وجدت فيه قائداً يتحلى برؤية استراتيجية وإصرار صادق على دعم الدول النامية، ومساعدتها في مواجهة تحديات التنمية، على أساس من الشفافية، والاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة.
إن هذه اللقاءات أكدت لي مدى حرص القيادة الصينية على إقامة علاقات متوازنة ومبنية على العدالة والإنصاف، وهو ما يعكس بجلاء الخصال القيادية المتميزة لفخامة الرئيس شي.
—
السؤال الثالث:
شاركتم في قمة منتدى التعاون الصيني-الإفريقي (فوكاك) عام 2024 ببكين، وناقشتم مع الرئيس شي جين بينغ سبل تعميق التعاون. ما هي تطلعاتكم في هذا الصدد؟
الرئيس غزواني :
تُعد الصين الشريك التجاري الأول لموريتانيا، ويتجلى التعاون الثنائي في مجالات متعددة كالبنية التحتية، الصيد، الصحة، التعليم، النقل، والطاقة. ونتطلع إلى تعميق هذه الشراكة عبر استقطاب المزيد من الاستثمارات الصينية، لاسيما في مجالات المعادن، الطاقات النظيفة، والبنى التحتية، مستفيدين من المحفزات الضريبية والموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به بلادنا.
وفي هذا الإطار، شهد التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2024 نموًا ملحوظًا بلغ 2.41 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 7.59% مقارنة بعام 2023، مما أسهم في تحقيق فائض تجاري قدره 330 مليون دولار لصالح موريتانيا، يعود الفضل فيه إلى استحواذ الصين على حوالي 70% من صادرات بلادنا من خام الحديد.
ومن المرتقب أن تتعزز هذه الديناميكية بعد دخول الإعفاء الجمركي الكامل للسلع الموريتانية المصدّرة إلى الصين حيز التنفيذ في ديسمبر 2024.
—
السؤال الرابع:
يحتفل هذا العام بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس منتدى فوكاك. كيف تقيّمون إنجازاته؟ وما رؤيتكم لمستقبله؟
الرئيس غزواني :
لقد شكّل منتدى فوكاك نموذجًا ناجحًا للتعاون الصيني – الإفريقي، وأسهم بشكل بارز في تطوير الشراكات بين الصين ودول القارة، خصوصًا في مجالات البنى التحتية، الطاقة، الزراعة، الرقمنة، وغيرها. وقد انعكس هذا التعاون في تضاعف حجم التبادل التجاري، وفي إنجاز مشاريع تنموية ملموسة عززت التنمية الشاملة والمستدامة.
في عام 2024، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا نحو 295.6 مليار دولار أمريكي، بزيادة 4.8%، فيما سجلت الأشهر الخمسة الأولى من 2025 نموًا بنسبة 12.4%، لتصل المبادلات إلى 134 مليار دولار، منها 50.6 مليار من الصادرات الإفريقية.
كما تعهدت الصين بضخ استثمارات جديدة بقيمة 360 مليار يوان (51 مليار دولار أمريكي) خلال السنوات الثلاث المقبلة، تُترجم على شكل مشاريع حيوية في قطاعات الطاقة النظيفة والتعدين، مثل محطة الطاقة الشمسية في زامبيا (100 ميغاواط)، ومشروع دونسين في بوركينا فاسو، إضافة إلى مشاريع مشابهة في بوتسوانا وناميبيا، وتعاون واسع في قطاع البوكسيت مع غينيا.
نحن في موريتانيا نثمّن عاليًا هذا الإطار التعاوني ونتطلع إلى تعزيز الشراكة ضمن هذه الرؤية الاستراتيجية الشاملة.
—
السؤال الخامس:
باعتباركم جزءًا من العالم العربي، كيف تنظرون إلى تطور العلاقات الصينية – العربية؟ وما هو دور موريتانيا في هذا السياق؟ وما تطلعاتكم إزاء القمة الصينية – العربية الثانية؟
الرئيس غزواني :
العلاقات الصينية – العربية تقوم على أسس صلبة، تجسدها الرغبة المشتركة في بناء تعاون متكامل ومثمر. وموريتانيا تولي أهمية كبيرة لهذه العلاقات، وتسعى إلى المساهمة الفعالة في ترسيخها، لا سيما في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا.
وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية في 2023 أكثر من 400 مليار دولار، بزيادة تتجاوز 820% مقارنة بعام 2004. وتم تنفيذ أكثر من 200 مشروع مشترك شملت البنية التحتية، الطاقة، التعليم، والرقمنة، من بينها مشروع المنطقة الاقتصادية في قناة السويس، ومجمع التكرير في فوجيان، واستثمارات ضخمة في الطاقات المتجددة بالسعودية.
كما تجسد التعاون الثقافي في افتتاح 21 معهد كونفوشيوس في 13 دولة عربية، وإنشاء 17 ورشة لوبان للتكوين المهني. هذه الإنجازات تبرهن على متانة الشراكة وطموحها لتحقيق مستقبل مشترك مزدهر.
—
السؤال السادس:
كيف يمكن لموريتانيا، بما لها من موقع استراتيجي وتاريخ غني، أن تسهم في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية؟
الرئيس غزواني :
نحن ندعم بقوة مبادرة “الحزام والطريق” لما تحمله من فرص تنموية. وموريتانيا، بموقعها الجغرافي المتميز وإمكاناتها الاقتصادية، تشكل منصة مهمة لهذه المبادرة.
ويجسد التعاون الثنائي مشاركة فاعلة للشركات الصينية في مشاريع البنية التحتية، مثل جسري روصو والصداقة، الطرق، ومينائي تانيت وانجاكو. كما تساهم الصين في دعم زراعة الأرز، تعزيز الأمن الغذائي، وتطوير الصناعات البحرية والتقنيات الرقمية.
—
السؤال السابع:
موريتانيا تسعى إلى التحول الطاقوي نحو المصادر النظيفة. ما فرص التعاون مع الصين في هذا الإطار؟
الرئيس غزواني :
نسعى إلى تحقيق تحول طاقوي مستدام يراعي البيئة، مستفيدين من وفرة مواردنا الطبيعية في الشمس، والرياح، والهيدروجين الأخضر. ونحن نرحب بالشراكات مع الصين في هذا المجال، لما تمتلكه من خبرات وتكنولوجيا متقدمة، ستمكن من تسريع انتقالنا إلى الطاقات المتجددة، وتكرس ريادة موريتانيا في هذا القطاع على المستوى القاري.
—
السؤال الثامن:
منذ عام 1987، تُدرّس اللغة الصينية في جامعة نواكشوط، واليوم يزدهر معهد كونفوشيوس. ما رسالتكم للطلاب الموريتانيين والصينيين؟
الرئيس غزواني :
رسالتي إلى شباب البلدين هي التزود بالعلم والمعرفة، والانفتاح على الآخر. فالشباب هو قاطرة التنمية، والتبادل الثقافي واللغوي يشكل حجر الزاوية في تعميق التفاهم وبناء شراكة قوية بين الصين وموريتانيا.
—
السؤال التاسع:
شهدت موريتانيا تقدمًا ملحوظًا داخليًا وإقليميًا. ما هي أولويات سياستكم الدبلوماسية في المرحلة المقبلة؟
الرئيس غزواني :
سياستنا الخارجية تقوم على دبلوماسية نشطة ومتوازنة، ترتكز على الاحترام المتبادل، حسن الجوار، والمساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار، على المستويين الإقليمي والدولي، مع الحرص على إبراز صورة موريتانيا كبلد منفتح ومسؤول.
—
السؤال العاشر:
في ظل التحديات الدولية والنزعات الأحادية، كيف ترون مستقبل التعاون الصيني – الإفريقي؟
الرئيس غزواني :
الشراكة الصينية – الإفريقية تمثل نموذجًا متميزًا لتعاون الجنوب – الجنوب. فالصين تقدم استثمارات ضخمة، بينما تزخر إفريقيا بموارد هائلة. ويمكن لهذا التكامل أن يُثمر نظامًا اقتصاديًا عالميًا أكثر عدلاً، إذا ما تم استغلاله في إطار من الإنصاف والمصالح المشتركة، بعيدًا عن الهيمنة.
—
ختام المقابلة:
المحاور: نشكركم فخامة الرئيس على هذه الرؤى الغنية، ونتمنى لموريتانيا والصين مزيدًا من الازدهار.
الرئيس غزواني : أشكركم، وأتطلع إلى مستقبل مشترك يحقق لشعبينا المزيد من التقدم و الرخاء .