العلاقات الموريتانية الصينية تعيش أفضل مراحلها

الشروق نت / في مثل هذا اليوم 19 يوليو من عام 1965 أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية وجمهورية الصين الشعبية، خلال ظرفية دولية استثنائية يطبعها انقسام العالم إلى معسكرين، ومنذ ستين عاما صمدت هذه العلاقات، وحافظت على مستوى عالي من التطور، والتعاون المثمر في مختلف المجالات على نحو يخدم مصالح البلدين الصديقين، حيث ظل البلدان يتبادلان الدعم الثابت في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية لكليهما، كما تتفق وجهات نظرهما حيال الكثير من القضايا المطروحة على الساحة الدولية، ولذلك فمن الطبيعي وصف العلاقات بأنها “نموذجا لعلاقات الصداقة بين دول الجنوب العالمي، حيث قامت هذه العلاقة منذ بواكيرها على أسس راسخة من الاحترام المتبادل، والتضامن، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمصالح المشتركة، وتطورت لتشمل مجالات عديدة كان لها تأثير مباشر وملموس على مسيرة التنمية في موريتانيا. إنها علاقة لم تكن مجرد بروتوكولات دبلوماسية، بل كانت وما زالت نبضاً حياً يتدفق في شرايين البلدين، وتتجلى في مشاريع عملاقة بدءا بميناء الصداقة، وانتهاء بجسر الصداقة، مرورا بالمستشفيات والطرق التي سهلت حياة المواطن الموريتاني. هذه المشاريع ليست مجرد منشآت خرسانية، بل هي شهادات حية على التزام الصين بدعم موريتانيا في طريقها نحو التقدم والازدهار، هذا من جهة ومن جهة أخرى باتت الصين اليوم تشكل أكبر شريك تجاري لموريتانيا بحجم تبادل تجاري يصل إلى أكثر 2 من مليار دولارسنويا، كما تعتبر من بين أكبر الدول المانحة، والمستثمرة في موريتانيا، حيث نفّذت خلال الأربعين سنة الأخيرة حوالي 100 مشروع في شتى المجالات، جلها مشاريع مساعدة، لذا أصبح حضورها في الاقتصاد الوطني قويا ، لما له من أهمية و تأثير مباشرعلى حياة كل مواطن موريتاني وليست جائحة كرونا من ببعيد حيث برهنت الصين على أنها أفضل صديق وقت الضيق.
وقد شهدت العلاقات الموريتانية الصينية تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة، وتحديداً بعد اللقاءات الثلاثة في أقل من سنتين بين صاحبي الفخامة، فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد الشيخ الغزواني ونظيره الصيني فخامة الرئيس السيد شي جين بينغ، حيث توجت تلك اللقاءات بتوقيع اتفاقيات هامة نذكر منها التوقيع على اتفاقية الإطار بخصوص خطة التعاون بشأن البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق، وانضمام موريتانيا إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، كما تم الارتقاء بعلاقات البلدين إلى مستوى علاقات الشراكة الاستراتيجية، هذه اللقاءات وغيرها من التطورات الأخيرة كتوقيع موريتانيا على اتفاقية تأسيس المنظمة الدولية للوساطة تشير إلى أن العلاقات بين البلدين باتت تعيش أفضل مراحلها منذ سنوات طويلة، كما تستمر في تكوين بعد استراتيجي مهم وحيوي، مما يفتح الباب أمام تعاون واسع النطاق في ظل مبادرة “الحزام والطريق” ، حيث في هذا الصدد تفتح المبادرة أو مشروع القرن ثلاثة مسارات رئيسية جديدة للتعاون والشراكة الاستراتيجية الموريتانية- الصينية. أولها تعزيز تلاقي الاستراتيجيات التنموية بين البلدين من خلال العمل على رؤية وطنية جديدة تتلاقى وتتقاطع مع هذه المبادرة، وكذلك العمل معاً على بناء مجتمع المصير المشترك الإفريقي الصيني، والعربي الصيني، عن طريق استغلال موقع موريتانيا الاستراتيجي التي تقع على مفترق طرق المنطقة، وتربط بين المغرب العربي وغرب إفريقيا مما يجعلها بوابة طبيعية لدخول قاطرات طريق الحرير إلى عمق الساحل الإفريقي، هذا التعاون الاستراتيجي بين البلدين سيؤدي إلى خلق جسر اقتصادي وإحياء التجارة عبر الصحراء وتحقيق الازدهار الإقليمي المشترك، بإعادة إحياء الدور التاريخي لموريتانيا كمنفذ تجاري عالمي.
أما المسار الثاني فيتمثل بتطوير التعاون في مجال الاقتصاد الرقمي عن طريق الانضمام إلى طريق الحرير للتجارة الإلكترونية واستخدام منصات التجارة الإلكترونية العابرة للحدود التي ستمكن من تعزيز الاستفادة من سوق التجارة الإلكترونية الصيني الضخم الذي بلغ حجمه خلال 2024 حوالي 2.5 تريليون دولار، وكذلك الاستفادة مستقبلا من نشر شبكات الجيل الخامس لتعزيز الموانئ الذكية والتعليم عن بعد. أما المسار الثالث فيتعلق بالتعاون الثلاثي في مجال التنمية الخضراء، حيث اعتمد المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الإفريقي – الصيني بمشاركة إفريقية شاملة بالعاصمة السنغالية داكار نهاية نوفمبر 2021 عدة وثائق تنص على تفاهمات سياسية وتنموية جديدة حيث تعهدت الصين خلاله بتنفيذ عشرة مشاريع في مجال حماية البيئة ومواجهة التغيرات المناخية في إفريقيا، بالإضافة إلى إنشاء مناطق نموذجية منخفضة الكربون، ومناطق نموذجية قادرة على التكيف مع التغيرات المناخية، كما تنص أجندة خطة عمل بكين خلال (2025- 2027) للتعاون الإفريقي الصيني على إطلاق 30 مشروعًا للطاقة النظيفة في أفريقيا وموريتانيا تصنف ضمن الدول الأكثر عرضة لمخاطر التغيرات المناخية على المستوى العالمي، كما أنها تتصدر حركة التحول الطاقوي الذي تشهده إفريقيا نحو الطاقات المتجددة، وقد يخلق التعاون الثلاثي الموريتاني العربي الصيني
لتطوير الطاقات المتجددة و سلاسل القيمة في مجال صناعة التعدين في موريتانيا فرصة كبيرة لتعزيز إمكانية الوصول إلى الطاقة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وخلق الظروف اللازمة للتحول الصناعي والتحديث الزراعي في شبه المنطقة، وهو ما يؤسس لبناء مجتمع إفريقي – الصيني أوثق متعدد الجوانب بمصير مشترك في العصر الجديد.
الدكتور يربان الحسين الخراشي