أخبار وتقاريرمميز

أمبود : الأمطار تفضح “تآزر” في أول اختبار… سيول تاقو تالله تبتلع 400 مليون أوقية

الشروق نت – أمبود 

لم يصمد سد “تاقو تالله”، الذي شيّدته المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء “تآزر” في بلدية دباي أهل كلاي بمقاطعة أمبود، أمام أول اختبار ميداني حقيقي، إذ جرفته السيول بشكل شبه كامل خلال تساقطات البارحة، التي بلغت 70 ملم، وفتحت أربع ممرات في قلب الحاجز الترابي، بعرض يناهز 2 متر لكل منها، في مشهد اختزل حجم الهشاشة البنيوية والقصور الفني في تنفيذ مشروع بلغت كلفته المعلنة 400 مليون أوقية قديمة.

هذه الحادثة الصادمة، التي وقعت بعد أيام فقط من تصريحات موثقة للمندوب العام لـ”تآزر”، الشيخ ولد أبده، أكد فيها – أمام والي كوركول، وحاكم أمبود، والمنتخبين، والسلطات الأمنية والعسكرية – أن تكلفة السد بلغت 400 مليون أوقية قديمة، أعادت إلى الواجهة تساؤلات مزمنة حول شفافية تنفيذ المشاريع العمومية، ومدى تطابق المبالغ المُعلنة مع الواقع المنجز ميدانيًا، خاصة في ظل تجارب سابقة لمشاريع مماثلة في ذات المقاطعة.

نصف مليار أوقية في مهبّ السيول

فبحسب المعلومات الميدانية التي حصلت عليها “الشروق نت”، فإن سد “تاقو تالله”، المصنف ضمن السدود الزراعية، يمتد على عرض يُقدّر بـ1200 متر، ويغطي حوضه الزراعي مساحة تُناهز 25 هكتارًا. غير أن الأشغال المنجزة اقتصرت على أقل من 300 متر إسمنتي فقط، فيما اكتُفي في بقية الأجزاء بحواجز ترابية بسيطة، مغطاة بحجارة غير مُدعّمة.

وتؤكد نفس المصادر أن الفتحة الإسمنتية الوحيدة التي أُنجزت وسط السد بهدف تصريف المياه، لم تُرفق بأي منظومة تقنية متكاملة، مما جعلها نقطة ضعف هندسية واضحة، تفتقر لأسس الحماية من السيول، وهو ما أدى لانهيارها بسهولة تحت تأثير تدفقات الأمطار الغزيرة، وانجراف كميات هائلة من الأتربة التي شكّلت جسم السد 

وبحسب مهندسين  تحدثوا لـ”الشروق نت”، فإن السد لم يُنفّذ وفق المعايير المتعارف عليها في البنى التحتية الزراعية القادرة على الصمود أمام الفيضانات الموسمية، معتبرين أن الهيكل الإسمنتي محدود، وأن الأساسات الترابية الهشة لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تبرر إنفاق 400 مليون أوقية.

ويرى هؤلاء أن المشروع يكشف عن أحد نموذجين خطيرين: إما وجود تضخيم غير مبرر في التكلفة، أو قصور كبير في التخطيط والتنفيذ والمتابعة الفنية، وفي الحالتين، فإن النتيجة واحدة: تبديد الموارد العمومية وتكرار الفشل في مشاريع يفترض أنها وُجّهت لتحسين ظروف المواطنين في الريف الموريتاني.

وما يزيد من حدّة الجدل، هو تصريح المندوب العام لـ”تآزر” – بعد تصريحه بكلفة المشروع – حيث قال إن تدشين السد سيكون “بعد أن يرى الجميع مدى قوته وقدرته على حجز المياه”، وهي الجملة التي تحوّلت اليوم إلى مادة للتندر والسخرية بعد أن فاض السد قبل تدشينه، وتحطّم هيكله أمام أول زخة مطر حقيقية.

وكان من المقرر ، أن يُدشّن السد رسميًا في شهر أغسطس المقبل، غير أن الأمطار العنيفة سبقت الافتتاح الرسمي، لتكشف زيف الوعود وهشاشة الأشغال، وتضع مشروعًا جديدًا من مشاريع “تآزر” تحت مجهر المساءلة.

دعوات للتحقيق ومحاسبة المتورطين

في ضوء هذه المعطيات المتراكمة، تتعالى الأصوات محليًا ووطنياً للمطالبة بمحاسبة كل من تورط في تشييد مشاريع مغشوشة أو في تضخيم فواتيرها، مع فتح تدقيق شامل في طريقة صرف الموارد المخصصة لسد “تاقو تالله”، وتقييم حقيقة الأشغال المنجزة على الأرض.

كما طالبت أصوات أخرى بإعادة النظر في استراتيجية تنفيذ المشاريع التنموية التابعة لـ”تآزر”، خاصة في المناطق الداخلية التي يعوّل سكانها على هذه المنشآت لتحسين ظروفهم المعيشية، مؤكدين أن استدامة المشاريع، لا تبدأ من إعلان التكلفة، بل من جودة التخطيط والتنفيذ والرقابة الصارمة.

وفي انتظار نتائج التحقيق – إن فُتح – يبقى السؤال الأكبر معلقًا: من يتحمّل مسؤولية جرف السيول لمبلغ 400 مليون أوقية؟

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى