السنيه منت سيدي هيبه : بصمة إصلاحية تُجدد وجه الإعلام الرسمي

الشروق نت / منذ لحظة تعيينها على رأس قناة الموريتانية، لم تكن السيدة السنية منت سيدي هيبه مجرد مديرة تنفيذية تتعاطى مع المهام الإدارية اليومية بروتينية تقليدية، بل كانت صاحبة رؤية طموحة، وقيادية ذات بوصلة واضحة، تحمل في جعبتها تجربة إعلامية ثرية، ووعيًا عميقًا بأهمية الإعلام الرسمي في تشكيل الوعي الجمعي، وتكريس الانتماء الوطني، وصيانة السردية الكبرى للدولة.
لقد أدركت منذ الوهلة الأولى أن المؤسسة الإعلامية التي وُضعت على رأسها لا تحتمل الانتظار، وأن لحظة النهوض قد آن أوانها، فسخّرت ما تمتلكه من معرفة دقيقة ببنية الحقل الإعلامي، ومن دراية بشروط التحول المؤسسي الناجع، لتطلق مشروع إصلاح غير مسبوق، تجاوز حدود الترميم والتعديل، ليبلغ عمق التأسيس والتجديد.
ولم يكن هذا المشروع منفصلاً عن السياق الوطني العام، بل جاء متناغمًا في جوهره ومضمونه مع الرؤية الشاملة لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، خاصة في مأموريته الثانية التي دشّنها بعزم صريح على ترسيخ دولة العدالة والمواطنة والتنمية المستدامة.
وقد اختارت السيدة السنية أن تجعل من قناة الموريتانية مرآة حقيقية تعكس هذا المشروع الوطني النبيل، وذاكرة حية توثق لحظة التحول، وتؤرشف للمنجزات، وتواكب الحراك الإصلاحي بلغة مهنية رصينة، ومحتوى يجمع بين العمق والبساطة، وبين الإخبار والتفسير، وبين الشفافية والمسؤولية.
لقد باشرت بإحداث تغيير هيكلي عميق، شمل مختلف مفاصل المؤسسة، فتمت إعادة تنظيم الإدارات وتوزيع المهام وفقًا لمبدأ الكفاءة والجدارة، مع ضخ دماء جديدة، وتفعيل آليات التقييم والمتابعة، وتحقيق الانضباط المهني.
توازى ذلك مع إطلاق مسار تحديث تقني متسارع، شمل تطوير البنية التحتية الرقمية، وتحديث معدات التصوير والإخراج والبث، ورفع جاهزية فرق الإنتاج الميداني، ما انعكس بشكل مباشر على جودة الصورة الإعلامية، وسلاسة التفاعل مع الأحداث الوطنية والدولية.
على المستوى البرامجي، اختارت السيدة السنية انتهاج فلسفة تحريرية تخرج من أسر النمطية ورتابة التكرار، إلى فضاء الإبداع والتنوع، حيث ظهرت على الشاشة برامج جديدة، غنية في محتواها، جريئة في مقاربتها، وموصولة بالحياة اليومية للمواطن.
كما جرى توسيع مساحة التعدد الثقافي والجهوي، ليحظى كل مكون من مكونات الهوية الوطنية بتمثيل لائق، صوتًا وصورة، وضمن روح من التوازن الدقيق بين الوحدة والاختلاف. ومثّل ذلك نقلة نوعية في علاقة القناة بجمهورها، حيث بدأت تُنظر إليها لا بوصفها مجرد منبر رسمي، بل كنافذة حقيقية على الوطن بكل تنوعه وثرائه، وفضاء يليق بكرامة المتلقي ووعيه.
وفي خضم هذا الزخم، لم تغفل السيدة السنية عن البعد البشري في معادلة الإصلاح، فأعطت أولوية قصوى لتأهيل الموارد البشرية، عبر تنظيم ورشات تكوينية متخصصة ، مع ما رافق ذلك من تحفيز مهني، وخلق مناخ داخلي محفز على الإبداع والانتماء للمؤسسة. وتجلّى ذلك في تحول ملحوظ في أداء الطواقم، وارتفاع منسوب الثقة بالنفس، وشيوع ثقافة العمل الجماعي المبني على الاحترام والمسؤولية.
واللافت في هذا المسار أن السيدة السنية لم تسعَ إلى النجومية أو تسويق الذات، بل آثرت أن تنجز بصمت، وأن تترك للعمل أن يتحدث عنها.
وبهذا التواضع المشبع بالإرادة، صنعت فارقًا حقيقيًا، وأثبتت أن القيادة ليست موقعًا بل أداء، وأن الكفاءة حين تقترن بالنزاهة تصبح قوة محركة للتغيير العميق والمستدام. وقد شكّل حضورها في هذا الموقع الحساس رسالة ملهمة في تمكين المرأة، ودليلاً حيًا على أن النساء حين تتاح لهن الفرصة، يبرعن في القيادة بقدر لا يقل عن نظرائهن الرجال، بل ربما يفوقهم في الصبر والدقة والقدرة على إدارة التفاصيل.
وإذ تمضي قناة الموريتانية اليوم بخطى واثقة نحو ترسيخ دورها كرافعة للتنمية ومعبّرة عن نبض المجتمع، فإن الفضل في هذا التحول يعود – إلى حد بعيد – لحنكة السيدة السنية منت سيدي هيبه، التي أحسنت فهم لحظة التحول، وامتلكت الشجاعة لتكون في طليعة من يصنعونه.
وقد نجحت، بما لا يدع مجالًا للشك، في جعل القناة أكثر من مجرد جهاز إعلامي، بل مؤسسة وطنية جامعة، ترصد، توثق، وتؤرشف لإنجازات مأمورية يعلّق عليها الموريتانيون آمالًا كبيرة، ويراهن عليها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لتكون تجسيدًا فعليًا لمشروع الدولة الحديثة العادلة، التي يتكامل فيها الفعل السياسي مع الأداء الإعلامي، في خدمة الوطن والمواطن.