أخبار وتقاريرمميز

غزواني يُعرّف موريتانيا للعالم من واشنطن… حضور لافت في حضرة رئيس مزاجي

الشروق نت / في قاعة ضمت رؤساء خمس دول إفريقية مدعوين إلى قمة عالية المستوى في واشنطن – هم رؤساء موريتانيا، وليبيريا، والسنغال، وغينيا بيساو، والغابون – جلس العالم يُصغي إلى حوار مباشر تقوده أقوى دولة في العالم، بينما تتجه الأنظار إلى قادة القارة السمراء ممن اختارتهم الإدارة الأمريكية كشركاء استراتيجيين في ملف التعاون الاقتصادي.

في هذا السياق الدقيق، حين افتتح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مداخلته، لم يكن ذلك محض ترتيب بروتوكولي، ولا مجرّد مصادفة عابرة؛ بل كان تموضعًا محسوبًا لرجل يعرف متى يتقدّم، وكيف يُعبّر عن وطنه حين تُفتح أبواب المنابر الدولية. وقد جاء طلب الكلمة مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نفسه، الذي خاطبه أمام الجميع قائلًا: “أنت رجل عظيم، بالمناسبة”، قبل أن يُعطيه الإذن ليفتتح النقاش. شهادة ليست بسيطة، إذا ما صدرت من رئيس يُعرف بتقلّب مزاجه، ونفوره من المجاملات التقليدية، بل نادرًا ما يُثني على قادة دول، حتى في لقاءات رسمية.

ومع أن العالم لم يكن يُدرك كثيرًا عن موريتانيا، ولا عن تحوّلاتها الصامتة، فقد قرر الرئيس الغزواني أن يبدأ حديثه بتعريف بلاده. لم يكن ذلك خيارًا بروتوكوليًا، بل فعلًا سياسيًا محسوبًا، وضروريًا. فموريتانيا – كما أظهرت تجارب سابقة – لا تزال مجهولة لدى كثير من دوائر القرار والإعلام في الغرب. حتى ترمب نفسه كان قد ذكرها سابقًا بشكل عابر وسلبي ضمن خطابات حملته الانتخابية. لذا، كان من الطبيعي والمنطقي أن يُعيد غزواني تقديمها، لا بلهجة التبرير، بل بلغة السيادة، والدور، والموقع، والإمكان.

حديثه جاء متماسكًا، رزينا، محكمًا في البناء والدلالة. وحين قاطعه ترمب أثناء الجلسة – في لحظة قد تُفهم كحالة تجاوز – لم يظهر على الرئيس الموريتاني أي ارتباك، بل استمر في حديثه بهدوء ووقار، مدركًا أن مثل هذه التصرفات غير المألوفة باتت من سمات الرئيس الأمريكي نفسه، وقد طالت رؤساء آخرين، في لقاءات مشابهة.

لكن، ورغم هذه المقاطعة، فإن المجاملة التي افتتح بها ترمب مداخلته، وقوله “أنت رجل عظيم”، حملت في طياتها ما هو أعمق من المجاملة العارضة. فقد كانت بمثابة إشارة مبكرة إلى اهتمام خاص، واعتراف ضمني بمكانة قائد يُحسن التعبير عن بلده دون ضجيج، ويُدير حضوره الدولي ببصيرة واستيعاب.

أهمية اللقاء لا تتوقف عند ما قيل فيه، بل تنبع مما يُنتظر أن يُبنى عليه. فموريتانيا، من خلال هذه القمة، عززت موقعها في الخارطة الجديدة للتعاون الإفريقي–الأمريكي، وفتحت نوافذ واعدة لعلاقات اقتصادية واستراتيجية، أساسها الاحترام المتبادل، والمصالح المتوازنة.

وقد سارعت غرفة التجارة الأمريكية العربية إلى الترحيب بزيارة الرئيس الموريتاني، عبر تغريدة رسمية في حسابها، ذكّرت بلقاء سابق مع مسؤولين موريتانيين، وأشارت إلى اهتمام متزايد من القطاع الخاص الأمريكي بالسوق الموريتانية، خاصة في قطاعات الطاقة، والصيد، والخدمات اللوجستية.

وفي خضم هذا الزخم، تحوّلت إجابة الرئيس الغزواني على سؤال حول جائزة نوبل للسلام إلى مادة دسمة لوسائل الإعلام الأمريكية، التي تداولتها على نطاق واسع. لم تكن الإجابة مجرد رد، بل كانت بيانًا دبلوماسيًا راقيًا، أبرز شخصية متصالحة مع ذاتها، تتجنب المبالغة، وتحترم مقام المؤسسات، وتُقدّم صورة قائد نزيه، يترفّع عن الشخصنة، ويضع بلاده أولًا.

لكن وكما هي العادة، لا تخلو النجاحات من محاولات التشويش. فقد تداولت بعض المواقع الهامشية، ومن ثم وسائل إعلام أجنبية أقل مهنية، شائعة كاذبة عن لقاء مزعوم بين الرئيس الموريتاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي. ادعاء ساقط لم يحدث، ولا يمكن أن يحدث، وقد كذّبته مصادر رسمية موثوقة بشكل قاطع.

والأدهى من الكذب، أن السياق السياسي لهذا الادعاء بات مكشوفًا، فالقصد لم يكن توثيقًا لحدث، بل ضربًا لصورة قائد يحظى باحترام داخلي ودولي متصاعد. والحقيقة أن الرئيس غزواني، المعروف بمواقفه الثابتة والداعمة للقضية الفلسطينية، لم يلتق مجرم الحرب المذكور، لا في السر ولا في العلن، ولا ضمن حسابات دولته ما يبرر أو يسمح بمثل هذا النوع من التطبيع المرفوض شعبيًا ورسميًا.

ما فعله غزواني في واشنطن، لم يكن مجرد ظهور ضمن قائمة ضيوف، بل كان تمثيلًا وطنيًا ناضجًا، لبلد صاعد يُعيد رسم صورته الدولية بثقة ومسؤولية. ومن خلال خطابه، وسلوكه، ورده على الأسئلة، وبراعة إدارته للمواقف، أكد أنه ليس مجرد رئيس دولة إفريقية نائية، بل رجل دولة حقيقي، يعرف ما يقول، ويعرف متى يصمت، ويُحسن متى يكون الصمت أبلغ من الرد.

عالي أحمد سالم الملقب البو 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى