أخبار وتقاريرمميز

تقرير صادم لمحكمة الحسابات: اختلالات بمليارات الأوقية في “صوملك” خلال فترة الشيخ ولد بده… فهل تطيح به من “تآزر”؟

الشروق نت / كشفت محكمة الحسابات في تقريرها السنوي المنشور حديثًا عن سلسلة من التجاوزات المالية والإدارية الخطيرة داخل الشركة الموريتانية للكهرباء “صوملك”، وقعت خلال الفترة التي كان فيها الشيخ ولد بده على رأس إدارتها، قبل أن يُعيَّن لاحقًا مندوبًا عامًا لمندوبية “تآزر”.

التقرير، الذي رُفع رسميًا إلى الرئيس محمد ولد الغزواني، وضع الشركة في دائرة العجز المالي شبه الكامل، ووصَف أوضاعها بأنها قريبة من الإفلاس، بعدما كشفت الأرقام عن مستوى مديونية هائل بلغ 800% سنة 2022، مقارنة بـ 385% سنة 2021.

انهيار مالي وديون خانقة

بحسب التقرير، فإن “صوملك” فقدت استقلاليتها المالية عن مموليها، إذ لم تتجاوز نسبة أموالها الذاتية من مواردها الدائمة 27% عام 2021 و17% عام 2022، في حين أن النسبة الدنيا المطلوبة هي 50%.

كما تراجعت نسبة السيولة العامة من 87% سنة 2021 إلى 64% سنة 2022، لتصل السيولة الفعلية إلى 4% فقط سنة 2022، في مؤشر خطير على عجز الشركة عن تغطية التزاماتها قصيرة الأجل.

وتحدث التقرير عن انخفاض الأموال الذاتية مقارنة بإجمالي الخصوم إلى 21% عام 2021 و11% عام 2022، محذرًا من أن هذا المستوى «يعرّض الشركة لمخاطر الإفلاس الفعلي».

أكثر من 20 ألف مشترك لم يدفعوا منذ عقود

وكشف التقرير عن فضيحة مدوية، حيث تبين أن أكثر من 20.000 مشترك بين عمومي وخصوصي لم يسددوا فواتيرهم منذ اشتراكهم، بإجمالي ديون قدره 594.882.486 أوقية جديدة (نحو 6 مليارات أوقية قديمة)، وذلك حتى 12 أغسطس 2023.

وتشير محكمة الحسابات إلى أن بعض هؤلاء الزبناء يستفيدون من الخدمة منذ عامي 2003 و2004 دون أي تسديد، وهو ما يعد خرقًا صريحًا للمادة 2.2 من القانون رقم 25-2001 التي تنص على القطع الفوري للخدمة بعد 15 يومًا من عدم الدفع.

ونتج عن ذلك ضرر مالي قدره 352.170.000 أوقية قديمة، بينما بلغت خسائر فواتير زبناء الجهد المتوسط الذين لم يسددوا منذ اشتراكهم 140.697.710 أوقية قديمة.

كما سجل التقرير تراكم فواتير على بعض الزبناء وصلت إلى أكثر من 60 فاتورة غير مسددة، بما سبب خسائر إضافية قدرها 4.941.118.310 أوقية قديمة، فضلًا عن زبناء تم توقيف نشاطهم دون تحصيل أرصدتهم، ما كبّد الشركة 428.872.270 أوقية قديمة أخرى.

ديون عمومية وتسيير فوضوي

كما كشف التقرير أن ديون الزبناء العموميين بلغت 5.989.333.300 أوقية قديمة حتى نهاية 2022، متهمًا الشركة بالتقاعس عن تحصيلها، مما جعل متأخرات الزبناء تمثل 18% من إجمالي المداخيل، في مخالفة صريحة للمادة 2.3 من القانون رقم 25-2001.

ولم تتوقف الاختلالات عند هذا الحد، إذ لاحظت المحكمة غياب الجرد المادي للأصول الثابتة، وعدم تقييد بعض العمليات المحاسبية، ووجود أرصدة مجهولة المصدر في حسابات التحويل والتسوية.

أما النظام المعلوماتي للشركة، فقد وصفه التقرير بأنه متقادم ومهترئ، يعتمد لغة برمجة تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، ولا يتيح المتابعة الدقيقة للمشتركين أو إعداد المخرجات المالية الآلية، كما لا يُدرج الرقم الوطني للتعريف في بيانات الزبناء.

عمال بلا عقود وهدر للطاقة بمليارات

وفي جانب الموارد البشرية، كشف التقرير أن عدد العمال المؤقتين بلغ 1061 عاملاً، أي 57% من طاقم الشركة، يعملون دون عقود رسمية وبأجور زهيدة رغم تولي بعضهم مهام حيوية.

واعتبرت المحكمة أن هذه الوضعية تمثل عبئًا على الشركة وتمنعها من اكتتاب كفاءات جديدة.

كما سجل التقرير هدرًا للطاقة الكهربائية تجاوز 700 ميغاوات/ساعة خلال عامي 2021 و2022، ناتجًا عن التوصيلات غير القانونية والتلاعب بالعدادات، مقدرًا الخسائر المالية بـ 28.351.579.500 أوقية قديمة.

وأوضح التقرير أن الإنتاج الإجمالي بلغ 1.339.010 ميغاوات/ساعة سنة 2021 و1.480.033 ميغاوات/ساعة سنة 2022، بينما لم تستلم الشركة فعليًا سوى 1.235.739 ميغاوات/ساعة سنة 2021 و1.361.631 ميغاوات/ساعة سنة 2022، ما يعني فقدان 700.039 ميغاوات/ساعة خلال عامين فقط.

تجاوزات في الصفقات العمومية

كما رصد التقرير مشاركة بعض أعضاء لجان الصفقات العمومية في لجان تقييم العروض، وتقديم كفالات تنفيذ غير مطابقة للشروط، إلى جانب فشل في تحقيق الأهداف العامة للشركة.

ردود ولد بده وتبريراته

وفي ردوده، أقرّ الشيخ ولد بده، المدير العام السابق لـ”صوملك”، بوجود نظام معلوماتي متقادم، مشيرًا إلى أنه أطلق مناقصة لاقتناء نظام مندمج جديد يعزز الشفافية.

وبرّر ظاهرة الفوترة التقديرية بـ”تحايل بعض الزبناء”، مؤكدًا أن العدادات الذكية هي الحل، فيما أرجع عدم تسديد مستحقات الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي إلى الأزمة المالية وأعباء ارتفاع أسعار المحروقات.

أما عن المشتركين الذين لم يسددوا منذ نحو 20 سنة، فقد عزاه إلى نقص الوسائل وضعف المتابعة وانتشار الاحتيال، حيث يعيد بعض الزبناء الخدمة لأنفسهم عبر شبكات غير قانونية.

غير أن محكمة الحسابات اعتبرت هذه الردود عامة وغير دقيقة، مؤكدة أن الملاحظات تتعلق بحالات محددة لم تُتخذ بشأنها أي إجراءات قانونية.

هل يطيح تقرير محكمة الحسابات بولد بده من منصبه الحالي؟

أثار تقرير محكمة الحسابات الأخير، بما تضمنه من اتهامات صريحة واختلالات مالية جسيمة، عاصفة من التساؤلات حول مستقبل الشيخ ولد بده في منصبه الحالي كمندوب عام لمندوبية “تآزر”.

فالتقرير، الذي كشف عن عجز مالي كارثي وفوضى في التسيير داخل الشركة الموريتانية للكهرباء “صوملك” خلال فترة إدارته، أعاد إلى الواجهة سؤال الكفاءة والمساءلة، خصوصًا بعد انتقال الرجل إلى تسيير واحدة من أضخم مؤسسات البلاد تمويلًا وتأثيرًا، حيث تتجاوز ميزانيتها عشرات المليارات من الأوقية سنويًا.

وإذا كان الحال في “صوملك” — وهي مؤسسة خدمية وتجارية — قد بلغ ذلك المستوى من الانهيار المالي والتسيب الإداري، فكيف يكون الحال في “تآزر” التي يُعوَّل عليها في تحسين معيشة الفئات الهشة؟

تساؤلات تتقاطع مع ما يُتداول في الأوساط الموريتانية عن تجاوزات  وضعف في الأداء، وتهالك عدد من المنشآت المنفذة من طرف تآزر، خلال فترة تسيير ولد أبده الحالية، مما يجعل موقعه اليوم على صفيح سياسي وإداري ساخن.

ويبقى السؤال الأبرز:

هل ستتدخل سلطة مكافحة الفساد للجم ولد بده ومساءلته بعد ما ورد في تقرير محكمة الحسابات؟

تساؤل يزداد وجاهة في ظل تسلم رئيس الهيئة الجديد مهامه قبل أيام وأدائه اليمين الدستورية أمام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ما يجعل ملف “فساد صوملك” مرشحًا لأن يكون أول اختبار عملي لهيئة مكافحة الفساد.

فالقانون المنشئ لهذه السلطة منحها صلاحيات واسعة تمتد على كامل التراب الوطني، وجعل منها الجهة المركزية لتنسيق سياسات الوقاية من الفساد ومكافحته والإشراف على تنفيذها، وجمع ونشر المعلومات المرتبطة بها.

كما أوكل إليها مكافحة الإثراء غير المشروع ومنع تضارب المصالح من خلال تلقي التصريحات وإدارتها ومراقبتها، إضافة إلى استقبال البلاغات عن شبهات الفساد وإحالتها إلى الجهات المختصة، مع تأمين الحماية للمبلغين والشهود، وحقها في اللجوء إلى العدالة متى اقتضى الأمر.

وهكذا، يقف الرأي العام الموريتاني اليوم أمام اختبار حقيقي: هل ستبدأ سلطة مكافحة الفساد عهدها الجديد بفتح ملف “صوملك” ومساءلة من وردت أسماؤهم فيه، أم أن التقرير سيُضاف إلى قائمة التقارير التي طُويت في الأدراج؟

#البو 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى