مستشفى كيهيدي: تناقض الواجهة… وتضارب الأدوار

كيهيدي – الشروق نت
في قلب مدينة كيهيدي، عاصمة ولاية كوركول، ينتصب المستشفى الجهوي كصرح يُفترض أن يجسّد رؤية الدولة في تقريب الخدمة الصحية من المواطنين، وأن يؤدي دوره كمرجع طبي جهوي يخدم أكثر من 400 ألف نسمة موزعين على خمس مقاطعات: كيهيدي، مقامه، مونكل، ولكصيبه، أمبود.. غير أن الواجهة المنسقة لا تعكس واقع الداخل، حيث تتعثر الخدمات، وتختلط الأدوار، وتتصاعد التساؤلات.
إدارة مزدوجة.. بين التسيير والتمثيل
منذ أغسطس 2022، يتولى دكتور الأسنان محمد المصطفى ولد إبراهيم إدارة المستشفى، وفي الآن ذاته يشغل منصب الأمين العام للاتحاد العام للعمل والصحة.. هذا الجمع بين المسؤولية الإدارية والتمثيل النقابي يُثير تساؤلات متعددة، ليس فقط حول تعارض الأدوار قانونيًا، بل أيضًا حول استحالة الفصل العملي بين الدفاع عن العمال وتسييرهم في مؤسسة تضم عشرات الموظفين وتواجه تحديات متفاقمة.
وقد عبّر عدد من العاملين في المؤسسة عن تذمّرهم المتكرر و صل في بعض الأحيان حد التظاهر ، من تأخر تسوية مستحقاتهم المالية، والتي بلغت تسعة أشهر موزعة على الأعوام الثلاثة الأخيرة (2022، 2023، 2024)، دون بوادر جدية لتسويتها، رغم التحسن الملاحظ في الموارد المالية للمستشفى.
موارد متزايدة… ومستحقات معلّقة
يتلقى مستشفى كيهيدي دعماً حكومياً منتظماً، يتمثل في مبلغ يقارب 15 مليون أوقية قديمة كل ثلاثة أشهر، يُخصص أساسًا للعلاوات التحفيزية للعمال.. وإلى جانب ذلك، يعتمد المستشفى على مداخيل ناتجة عن رسوم الخدمات الطبية، مثل الاستشارات، والفحوصات، والعمليات الجراحية، و هو ما اكده المدير نفسه خلال مقابلة مع وكالة الأخبار المستقلة، بأنها تضاعفت 200% ، وهي مصادر شكلت العمود الفقري لميزانيته التشغيلية، خاصة قبل الزيادة الأخيرة في أسعار الاستشارات الطبية.
كما تُسجل المؤسسة مداخيل إضافية تُدرج ضمن ميزانية التسيير العام، تشمل مخصصات الصيانة والدعم اللوجستي.. ومع ذلك، تستمر مطالبات العمال بتسوية حقوقهم، ما يثير علامات استفهام حول أولويات الإدارة، وفعالية استخدام هذه الموارد، ومدى التزام المؤسسة بروح الإصلاح التي تعلنها الحكومة.
ترميم موضع نزاع… من يقطف ثمار الإنجاز؟
شهد المستشفى ترميماً واسعاً طال بعض مرافقه الحيوية.. ووفق اللافتة الرسمية، فقد تم التمويل بشكل كامل من جهة ولاية كوركول.. غير أن مصادر أخرى أكدت مساهمة وزارة الصحة في التكاليف، ما ولّد خلافاً حول من يحق له قيادة مشهد التدشين.
الإدارة رغبت في أن يتولى وزير الصحة الإشراف على الحفل، بينما أصر رئيس جهة كوركول على أسبقية مؤسسته في هذا الإنجاز.. وقد احتدم الخلاف إلى درجة تدخل السلطات العليا، التي حسمت الموقف بإسناد رئاسة الحفل لوالي كوركول و رئيس الجهة، في تأكيد على دعم اللامركزية وتكامل أدوار الفاعلين المحليين والمركزيين.
رمزية مربكة… ومشهد يعيد إنتاج الأسئلة
أثارت خطوة إدارة المستشفى بقلب لوحة التدشين السابقة التي تحمل اسم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، والكتابة على ظهرها لتوثيق الترميم الجديد، جدلاً محلياً واسعاً.. فهل يحق للمرفق العمومي أن يُدار بمنطق اللحظة؟ أم أن الرمزية المؤسسية ينبغي أن تُصان كجزء من استمرارية الدولة؟
الآراء تباينت بين من اعتبر الخطوة “محواً لذاكرة رسمية”، وبين من رأى فيها تحديثًا لمرحلة جديدة.. لكنّ الأهم هو سؤال العمق: هل المرافق العمومية مرآة لاستقرار السياسات أم لاضطراب اللحظة؟
خدمة تُعاني… رغم واجهة محسّنة
رغم تجميل الواجهة، إلا أن كثيراً من الأقسام يشكو نقصًا حادًا في المعدات والمستلزمات.. ففي قسم الأشعة، يواجه المرضى صعوبات كبيرة في الحصول على نتائج فحوصاتهم، بسبب غياب أوراق التصوير، في مشهد يلخص عمق التفاوت بين ما هو مرئي وما هو مُعاش.
حضور إداري متذبذب… وتحويل لم يتم
يُسجّل غياب المدير لفترات متكررة، ويربط البعض ذلك بعلاقات خاصة يُقال إنها تجمعه بالوزير الأول المختار ولد أجاي، وهو من نفس حلفه السياسي في مقاطعة مكطع لحجار.. وقد سبق للمدير أن سرّب نبأ تحويله إلى إدارة مستشفى الشيخ زايد في نواكشوط، وتلقى التهاني من معارفه، قبل أن يتبين لاحقًا أن هذا التحويل لم يتم، بسبب ما يُعتقد أنه صراع نفوذ وغياب توافق داخل بعض دوائر القرار..
الأدهى أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تصدر فيها شائعة من هذا النوع عن المدير نفسه، ما يطرح تساؤلات حقيقية عن سرّ الإصرار على مستشفى زايد تحديدًا، خاصة وأنه يُعرف بميزانيته المرتفعة وإمكانياته الكبيرة، وهي مفارقة لا تخفى على نقابي يُفترض أن يدافع عن حقوق عمال الصحة، في وقت يواجه فيه عمال مستشفاه مشاكل مزمنة.
حوار مرفوض… وصمت يُعمّق الأسئلة
حرصًا منها على استجلاء موقف الإدارة، تواصلت الشروق نت مع المدير العام للمستشفى للحصول على رد مباشر حول هذه القضايا، غير أنه رفض التعاطي ، ما يُضيف طبقة جديدة من الضبابية إلى مشهد يتطلب شفافية أكثر من أي وقت مضى..
يقف مستشفى كيهيدي عند مفترق حاد: واجهة محسّنة، وإدارة متعددة الأدوار، وموارد ترتفع، وخدمات تُعاني.. وفي ظل هذه التناقضات، يبقى المواطن في كوركول يترقّب إصلاحًا ملموسًا، يردم الفجوة بين الشعارات والممارسة، ويجعل من الحق في الصحة واقعًا لا شعارًا.
في الحلقة القادمة:
“مستشفى كيهيدي من الداخل”
شهادات ميدانية، وآراء المرضى، وصور توثّق ما لا ترويه التصريحات..
كيف يبدو الواقع خلف الجدران؟
وهل يجد المواطن أبسط حقوقه في خدمة إنسانية تحفظ كرامته؟