أخبار كوركولأخبار وتقاريرمميز

مهرجان الصيادين التقليديين في كيهيدي: احتفاء بالهوية ودرس مؤجل في الوحدة الوطنية

كيهيدي – الشروق نت
في قلب الضفة الموريتانية، حيث يتعانق النهر والتاريخ، انطلقت مساء اليوم في مدينة كيهيدي فعاليات النسخة الثانية من مهرجان الصيادين التقليديين، في أجواء احتفائية غلبت عليها الرمزية، واحتضنها شعار يحمل من التطلعات أكثر مما عكسته تفاصيل الواقع: “الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي”.

وقد أشرف على افتتاح المهرجان وزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان، السيد الحسين ولد امدو  بحضور والي ولاية كوركول السيد محمدالمختار ولد عبدي ، ونائب رئيس جهة كوركول، وحاكم مقاطعة كيهيدي، وعمد بلدياتها، إلى جانب عمدة بلدية بوكى، وجمع من السلطات الإدارية والأمنية والعسكرية.

من النهر تبدأ الحكاية…

افتتحت التظاهرة بجولة رمزية في زوارق تقليدية للصيد، جابت بهدوء صفحة نهر السنغال، وقد ضمّ أحدها الوزير والوالي وعمدة كيهيدي وقادة الأجهزة الأمنية، إلى جانب عدد من الفاعلين السياسيين، في مشهد يستعيد طقوس الأجداد، ويُكرّس هوية ضاربة الجذور في ضفاف النهر التي كانت دومًا معبرًا للحضارة والتبادل والعيش المشترك.

وزير الثقافة: كيهيدي منارة للوحدة… والصيد التقليدي عنوان للهوية

وفي كلمته الافتتاحية، قال الوزيرالحسين ولد امدو ، إن هذا المهرجان لا يحتفي بمهنة الصيد وحدها، بل يحتفي بما تمثله هذه الحرفة من انتماء وجودي، ورمز للترابط بين الإنسان ومحيطه، مضيفًا أن “مدن الضفاف لم تكن يومًا مجرد تجمعات بشرية على حافة الماء، بل كانت منارات للهوية، وركائز للوطنية، ومشاعل أنارت درب الأمة، ومدينة كيهيدي من أبرزها”.

وقال الوزير:

“نحتفي في هذه النسخة بوحدتنا وتماسكنا، معانقين قيمنا ومثلنا التي شيدت بنيان هذا الوطن، وحصّنته ضد نوازع الشقاق والتفرقة. وليس من قبيل المصادفة أن تستضيف كيهيدي هذا الحدث تحت شعار الوحدة الوطنية، فقد كانت دائمًا قبلة للمواثيق الجامعة ومنطلقًا للأحرار والوطنيين.”

وتوقف الوزير عند اختيار الصيد التقليدي كمحور للمهرجان، واصفًا إياه بأنه “ليس مجرد نشاط معاشي، بل هو انعكاس لثقافةٍ ومهاراتٍ توارثتها الأجيال، وارتبطت بالعادات والتقاليد، وأضحت جزءًا من وجدان المجتمع”.

وأبرز ولد امدو الاهتمام الذي يوليه رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني للثقافة، باعتبارها ركيزة محورية في مشروعه المجتمعي، مشيرًا إلى ما تحقق في السنوات الأخيرة من مكاسب، من بينها:

  • ميلاد مهرجان الموسيقى التقليدية،
  • إرساء يوم وطني للتنوع الثقافي،
  • تسجيل المحظرة  ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو،
  • إدراجملحمة صمبا غلاديو في سجل التراث الإنساني العالمي،
  • إنشاء منصة للغات الوطنية بالوكالة الموريتانية للأنباء،
  • وتوسيع البث الإذاعي بهذه اللغات،
  • إلى جانب صدور القانون التوجيهي للتعليم بما حمله من ترقية للغات الوطنية.

وفي ختام كلمته، وجّه الوزير الشكر للمنظمين والسلطات الإدارية والأمنية، معلنًا رسميا انطلاق النسخة الثانية من المهرجان.

عمدة كيهيدي: كيهيدي عنوان للتعدد ومرآة لموريتانيا

من جهته، أكد عمدة بلدية كيهيدي السيددمب أنجاي، أن مهرجان الصيادين التقليديين، في نسخته الثانية، يشكل فرصة لاستحضار تاريخ المدينة وثقافتها الضاربة في عمق الزمن، قائلا:

“كيهيدي ليست مدينة كباقي المدن، إنها موريتانيا في صورة مصغرة، بتنوعها الثقافي وثرائها الاجتماعي، لذلك فإن شعار الوحدة والتضامن ينسجم تمامًا مع روح المدينة وذاكرتها الجماعية.”

وشكر العمدة الدولة على دعمها لهذا الحدث، الذي يشكل – حسب تعبيره – “حفظًا لذاكرة الصيادين التقليديين، وتثمينًا لدورهم في تشكيل ملامح كيهيدي عبر عقود طويلة”.

كواليس المهرجان: شعارٌ مرتفع… وممارسة انتقائية

ورغم البعد الرمزي العميق الذي يحمله شعار “الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي”، إلا أن المهرجان، في جوانب تنظيمه ومضامينه الثقافية، لم يُوفَّق في ترجمة هذا الشعار على الأرض.

فقد اقتصر الجانب الفني أساسا  على استضافة الفنان السنغالي بابا مال  ، في ظل غياب تام للفنانين المحليين من مختلف المكونات الاجتماعية، كما غابت فرق الفولكلور التي تمثل تنوع كوركول، ليقتصر المشهد على مكون اجتماعي واحد، سواء في الفقرات الفنية أو في مسابقة السباحة، أو حتى في حضور المنتخبين المحليين.

وقد سجل المراقبون غيابًا لافتًا لعمد ونواب الولاية في المقاطعات الأخرى ، من المكونات الاجتماعية الأخرى، في حين اقتصر الحضور على عمد بلديات مقاطعة كيهيدي فقط ، وعمدة بلدية بوكى في ولاية لبراكنة ، وبعض الفاعلين السياسيين من ذات الخلفية الاجتماعية من مناطق الضفة ..

ومضة أمل: وجوه جسّدت الوحدة رغم الغياب

غير أن المهرجان – في مقابل هذا العزوف – شهد مع ذالك حضور شخصيتين سياسيتين بارزتين من المكونات الأخرى للولاية، هما النائب السابق باب ولد بنيوك والفاعل السياسي سيد الخير ولد الطالب أخيار، واللذان جسّدا، بحضورهما اللافت، حرصًا على إعطاء مضمون فعلي لشعار الوحدة الوطنية..

وقد اعتُبر حضورهما إشارة نادرة في مشهدٍ غلب عليه الإقصاء من قِبل المنظمين، الذين بدا أنهم عمدوا إلى إضفاء طابع أحادي  على المدعوين للمهرجان و حتى على فقراته ، ما أثار تساؤلات حول غياب روح التنوع، في مناسبة كان يفترض أن تكون منصة للتلاقي، لا مناسبة للتغليب والانغلاق.

تموقعات سياسية صامتة… وحضور يُقرأ من الصفوف

وقد لفت الانتباه جلوس الوزير السابقبابكر سولي،  في مقدمة الصفوف إلى جانب كن عبدالوهاب و آلاصانانكيدا، في مشهد علّق عليه البعض بكونه تأكيدًا لصعوده كممثل جديد للولاية، بعد لقائه المثير للجدل مع الرئيسمحمد ولد الشيخ الغزواني، باسم كوركول، وما تبعه من انقسام في المواقف بين النخب المحلية.

على المنصة فقط… تتجسد الوحدة

وفي مشهد يُختزل فيه مضمون التعدد، تجلت الوحدة الوطنية – على استحيائها – في تشكيلة المنصة الرسمية، حيث جلس الوزير والوالي وضباط الأجهزة الأمنية والإدارية، أما ما دون ذلك، فبقي المهرجان – في محتواه – أسير رؤية ضيقة تحصر المشهد في لون واحد وصوت واحد وذاكرة واحدة.

خلاصة: مهرجان الهوية… وموعد مؤجل مع التنوع

لقد جاء مهرجان الصيادين التقليديين هذا العام حاملاً رسالة ثقافية مهمة، واستعاد جزءًا من الذاكرة البحرية لضفاف نهر السنغال، لكنه في الوقت ذاته، كشف عن هشاشة بعض الخطابات حين تفتقد إلى الترجمة الفعلية في الممارسة.
وفي ولاية تُعدّ من أكثر مناطق البلاد ثراءً من حيث التنوع العرقي والثقافي، كان الأجدر بالمهرجان أن يكون ساحة تلاقٍ لا ميدان إقصاء، ومنصة لتكريس المشترك لا للانكفاء على الخاص.

وإلى حين نضوج رؤية ثقافية جامعة، تترجم فعليًا ما يرفع في الشعارات، يبقى الطريق إلى الوحدة الوطنية طويلًا، وإن كان نهر السنغال شاهدًا صامتًا على محاولات دائمة لرسم معالمها..

عالي أحمد سالم 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى