سيدي الرئيس.. كوركول لا تُختزل في رجلين.. فهل فعلها وزيركم الأول عمدًا أم نكاية بمكونات الولاية؟

الشروق نت / في مشهد عبثي ومُحبط، وغير مسبوق في دلالته، شهدنا مؤخرًا لقاءً خاصًا، نسّقه الوزير الأول مع فخامتكم، السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، لثلاثة أشخاص جرى تقديمهم ـ بغير حق ولا سند ـ كممثلين عن ولاية كوركول.
وقد بدا للمتابعين أن الأمر يتعلق بلقاء عادي، غير أن ما وراء هذا اللقاء ، كشف عن تحايل على حق الولاية في التمثيل، ومحاولة سافرة لفرض خطاب ضيق، لا يعبر إلا عن فئة واحدة، ولا يعكس إلا مصالح أشخاص بعينهم.
فالحقيقة، سيدي الرئيس، أن ما جرى لم يكن سوى مبادرة فردية مشبوهة السياق، بدأها اثنان من مكونة اجتماعية واحدة من داخل الولاية..(كان عبد الوهاب و آلاصن أنكيدا ) ، نسّقا عبر صديقهما الثالث من ذات المكونة ـ الوزير السابق با سولي، المنحدر من ولاية لبراكنه، ـ طلبًا للقاء الوزير الأول، مستغلّين علاقته الشخصية معه ، ومن هناك، تقدّموا، زورًا وادعاءً، بطلب للقاء فخامتكم بصفتهم «ممثلين عن ولاية كوركول»، لعرض ما سموه “مشاكل الولاية”، بينما لم تكن أجندتهم في حقيقتها إلا انعكاسًا لمصالح ضيقة، فئوية، وفردية، تُختزل في طلبات خاصة، و توصيات لا علاقة لها بالمصلحة العامة.
والمدهش أن الوزير الأول، وهو من أدرى الناس بتركيبة كوركول الإثنية والاجتماعية والسياسية، لم يُكلف نفسه حتى عناء التساؤل عن أحقية هؤلاء في الحديث باسم ولاية كاملة.
بل قبل بتوصيفهم كممثلين للولاية، وتبنّى ـ بخفة سياسية لافتة ـ مغالطة خطيرة، نسّق على أساسها لقاءً معكم، متجاهلًا ما قد ينجم عن هذا التصرف من شعور بالإقصاء، واستفزاز للمكونات الأخرى، وتكريس لسياسات التهميش غير العادلة.
سيدي الرئيس،
إن ادّعاء هؤلاء أنهم يمثلون كوركول، في غياب أي تشاور أو تفويض شعبي أو سياسي، هو تعدٍّ صريح على الإرادة الجماعية لسكان الولاية، فكيف يمثل الولاية من يكتفي بطرح مشاكل مكونته الاجتماعية وحدها، ويتجاهل عمدًا سائر مكونات الولاية، التي لا تقل عن مكونته دعمًا لكم، ولا إيمانًا بمشروعكم السياسي؟ وليس مشكوكا في ولائها ، ألم يكن حريًا بمن يدّعي تمثيل الولاية أن يطرح مشاكل البطالة، وغياب العدالة في التعيينات، والتفاوت التنموي بين مقاطعات الولاية؟ بدلًا من الاكتفاء بمطالب شخصية له بتعيين أبنائه ، ومطالب أخرى على أساس عرقي فج، لا مكان له في عهد الوحدة الوطنية الذي نطمح إليه جميعًا؟
وما يزيد الطين بلة، – سيدي الرئيس- أن الوزير السابق با سولي، القادم من خارج الولاية، لم يكتف بتسهيل اللقاء ، بل تجرأ هو أيضا على تقديم مطلب تعيين في مقاطعة مقامة، لأحد أبناء ذات المكونة ، في تجاهل صارخ لساكنة المقاطعة، وكفاءاتها، وتوازنها الاجتماعي .. إنه انتصار عرقي غير مبرر، ومرفوض تمامًا في زمن يُفترض أنه عهد التعددية، والتوازن، والإنصاف، لا عهد الإقصاء والاستحواذ والتحكم من خارج الحدود الإدارية باسم العرقية .
سيدي الرئيس،
إننا أبناء كوركول ـ بأطرنا، ووجهائنا، ومناضلينا، ومنتخبينا ـ كنا وما زلنا في مقدمة الصفوف الداعمة لمشروعكم، ولم نبخل يومًا بجهد أو صوت أو ميدان ، ولم يحدث أن خذلتكم صناديق الاقتراع في مكاتبنا ولا قواعدنا، وهو ما يجعلنا اليوم نستغرب أشد الاستغراب أن يُقصى المئات من أطر الولاية، وفاعليها السياسيين، ممن يشهد لهم الواقع والنضال، ويُنتدب بدلًا منهم ثلاثة لا يمثلون إلا أنفسهم ومكونتهم، أحدهم من ولاية لبراكنه، لا يربطه بكوركول سوى عنوان عرقي مشترك.
فالمكونة التي تمثلت بهذا اللقاء لها اليوم ثلاثة وزراء في الحكومة، ولها أمين عام، وسفراء، ومدراء، ومستشارون، ومكلفون بمهام، فضلًا عن رئيس جهة، وعشرات المنتخبين. بينما بقية المكونات الكبرى في الولاية، لا تزال تعاني التهميش، والبطالة، والإقصاء، بل لم يصل عدد الموظفين السامين منها إلى عُشر من شاركوا في هذا اللقاء المثير للغضب. فكيف يكون الإنصاف؟ وأين هو العدل؟ وكيف يُمنح المزيد لمن أخذوا أكثر، ويُقصى من لم ينل بعدُ نصيبه المستحق؟
سيدي الرئيس،
لقد تعمّد من كانوا في اللقاء إثارة قضايا ثقافية، وطرح حُججًا واهية، من قبيل متابعة أفراد مكونتهم للتلفزيون السنغالي، وذالك لتبرير مطالبهم، وكأن ذلك معيار للانتماء أو مظلومية. وراحوا يُلمّحون بانسلاخ ثقافي من أجل اقتناص مكاسب إدارية، في إمعان خطير في تأزيم نسيج الولاية، وتحويل قضاياها إلى ملف عرقي، وهو أخطر ما يُمكن أن يُرتكب في ظل ظرف سياسي حرج، يحتاج إلى تماسك لا تمزق، وإلى عدل لا مجاملة، وإلى عقل لا هوى.
سيدي الرئيس،
نحن لا نرفض إشراك أي مكونة في إدارة الشأن العام، فموريتانيا وطننا جميعًا، وكوركول للجميع، لكننا نرفض أن يكون التعيين غنيمة لفئة، والتجاهل سياسة في وجه أخرى..نرفض أن يُدار التنوع بسوء نية، وأن تُستخدم علاقات خاصة لتكريس الغبن وتوسيع الهوة بين مكونات مجتمعنا الواحد.. كوركول لا تُختزل، ولا تُختصر، ولا تُختطف من أبنائها الحقيقيين.
إننا نثق في عدالتكم، ونراهن على حكمتكم، ونرجو أن يُقرأ ما جرى قراءة متبصّرة، تُفضي إلى تصحيح هذا الاختلال، ووضع حد لهذه الانحرافات الخطيرة.. فـكوركول، كما موريتانيا، لا تُقسّم، ولا تُفرّغ من معانيها الجامعة.
سيدي الرئيس… لا تدعوا تمثيل كوركول يُصادر باسمكم، ولا تتركوا جراح التهميش تنزف بلا دواء.
عالي أحمد سالم الملقب (البو)