القدس العربي: موريتانيا بلد أنهكه التجاذب السياسي!
الشــروق / فجأة ألقت دورة الزمن أمس بشهر رمضان على موريتانيا وهي في أوج تجاذب سياسي متعدد الأوجه لم يهدأ منذ سنوات.
وجاء خطاب الرئيس الموريتاني بالمناسبة ليسجل آخر نقاط في هذا التجاذب حيث دعا الرئيس» لاغتنام هذه الأيام المعدودات، لترسيخ روح الاخوة والتعاون، امتثالًا لتعاليم الدين الحنيف، وتعزيزاً لوحدتنا الوطنية، في وجه دعاة التفرقة والفئوية».
ودعا الرئيس «إلى بذل المزيد من الجهد، لإشاعة قيم التسامح والتكافل، والتصدي بالحكمة والموعظة الحسنة لدعوات التطرف والغلو».
هكذا ألقى شهر الصيام بأجوائه على موريتانيا ليحول ليل الحياة فيها إلى شبه نهار تنعقد فيه السهرات وجلسات الشاي، والنهار إلى شبه ليل حيث يأوي الصائمون للنوم معظم الوقت وينخفض النشاط لأدنى مستوياته بعد نقض الدوام الرسمي بساعات.
أمس أول أيام رمضان في موريتانيا كان يوم نشاط كبير فالجميع أقبل على أسواق التبضع لاقتناء مستهلكات الصيام، وانتظمت أمام البنوك طوابير الموظفين الذين يبحثون عن تقديم رواتب شهر سيحتاجون إليها بعد أسابيع لمواجهة مصروفات عيد الفطر.
ينشغل الكثيرون من المارة الذين قابلتهم «القدس العربي» أمس بالصداع الذي يسببه الصوم نتيجة الامتناع عن احتساء كاسات الشاي الأخضر المشروب الساخن الذي تعود الموريتانيون على شربه صباح كل يوم.
تقول مريم بنت عبد الله متسولة أمام عمارة «أفاركو» وسط العاصمة «ما يشغل بالي هو الصداع الذي سأعانيه طيلة النهار بسبب صومي عن الشاي الأخضر».
أما المعلم محمد ولد سيدي فيشغله أمر آخر هو «اضطراري، حسب قوله، لترك عادة تدخين التبغ الذي أدمنت عليه منذ شبابي».بالتجوال داخل أحياء العاصمة نجد معظم الشوارع شبه خالية من المارة، ومن هنا وهناك تنبعث رياح حارة شمالية حاملة الغبار والأتربة وأكياس البلاستيك الفارغة، ومن فوق الكل شمس صحراوية حارة تجري لمستقر لها بعد يوم طويل.
في شهر رمضان يتحول كل شيء إلى الدين والتدين، فالإذاعات والقنوات تتخلى عن برامجها الترفيهية وتستبدلها بقراءة القرآن وبالمواعظ وبحلقات لاستضافة العلماء في برامج مباشرة مع المستمعين والمشاهدين.
وعكس النمط المعاشي العادي، يكون نهار رمضان سكوناً ولباساً وليل رمضان معاشاً فتكثر المطاعم من وجباتها وتضاعف المخابز كميات خبزها وتطول أمامها طوابير «المستخبزين»، وتزدحم البقالات والمقاهي بالمشترين والساهرين.
تكون صلاة التراويح النشاط الليلي الكبير الذي يقبل عليه الجميع، وتبادل الزيارات وطلب المسامحة وصلة الرحم في الشهر الفضيل نشاط آخر هام تقوم به الأسر لتنظيف القلوب من الإحن والأحقاد.
رغم ارتفاع معدل الفقر في موريتانيا (40 في المائة)، فالوجبات الرمضانية مكلفة يبذل فيها المال بسخاء؛ فالأغنياء يبذخون والفقراء يتجاوزون طاقاتهم ويتحملون الديون، «فالمهم تقول أسماء بنت القاسم (36 سنة، ربة أسرة)، أن نفرح برمضان ورمضان كريم، كل الديون ستقضى ببركة الشهر العظيم».
لم يكن الموريتانيون قبل عقدين من الزمن حيث كانت حياة البداوة غالبة، يعرفون الوجبات المتنوعة المعروفة اليوم، فقد كانت المستهلكات في رمضان تقتصر على التمر والماء واللبن الممزوج بالماء والسكر والمعروف محليا بمسمى «الزريق»، إضافة لكاسات الشاي الأخضر التي يدمن عليها الجميع.. وكانت الوجبة الرئيسية في رمضان هي وجبة العيش وهي عصيدة تصنع من دقيق الدخن ويخلط عليها الحليب والملح والسكر.. أما اليوم فقد تأثرت الموائد الموريتانية بالموائد المغربية وبما تعرضه القنوات التلفزية من وجبات وفنون طبخ..
وتتصدر الحريرة المغربية بمذاقها اللذيذ وجبات رمضان في غالب الموائد الرمضانية، ويوفر مصدرو الخضراوات المغاربة للأسواق الموريتانية مستلزمات طبخ الحريرة من خضراوات وتوابل. وعكست صفحات التواصل اهتمام المدونين بشهر الصيام حيث تبادلوا التهاني وأوقف عديد المدونين التدوينات المشاكسة تماشيا مع روح الصيام.
هكذا استهل شهر رمضان على موريتانيا بأيامه الطويلة التي تصل هذا العام لخمس عشرة ساعة صوماً.
لقد أطل هذا الشهرالعظيم على موريتانيا فهي تتعرض منذ أمس لنفحات هذا الشهر آملة أن يغسل ثلجه الرباني ما يعلق من أدران العراك السياسي المحتدم منذ سنوات بين الأغلبية والمعارضة حول الحوار المتعثر وحول تعديل الدستور وزيادة مدد الرئاسة.
صحيح ان شهر رمضان قد لا يحسم هذا العراك لكنه قد يجعل الصائمين يضعون «أسلحتهم» أياماً قليلة ضمن استراحة محارب.