مأساة العالم العربي
الشــروق / نشرت «الإيكونومست» أخيرا دراسة مستفيضة عن مأساة العالم العربي، والفشل الذي صاحبه في شتى المجالات منذ الحرب العظمى، انتهت إلى الوصفة الغربية المعهودة في إطار إقامة الديمقراطية الليبرالية، وما يصحبها من إصلاحات، وهو كلام معقول وحكيم.
تتجلى هذه المأساة، وتتجسم أهوالها، لوقوعها في زمن يعيش فيه بقية العالم، بما فيه إسرائيل، في بحبوحة من الخير والسلام والاستقرار والنمو والازدهار المطرد. وما شعرت به «الإيكونومست» نشارك نحن أيضا فيه، حتى لنتساءل ما الذي حل بنا؟ أهي لعنة من السماء؟
بيد أنني لا أشارك في هذا العجب، فبعد شيء من التأمل واستقراء تاريخ البشرية، نجد أن ما نمر به مرت به معظم الشعوب الأخرى. كنا نتوقع طفرة أسطورية، ننتقل فيها من ظلمات القرون الوسطى إلى عالم القرن العشرين. أفلم نردد هذا مرارا في مدارسنا، ونحلم باللحاق بأوروبا، دون أن ندرك مدى الهوة التي تفصلنا عنهم؟
ما يجري بيننا الآن، من التقاتل والتشاحن والتخريب، مرت به هذه الدول التي أصبحت تبهرنا ونعجب بها. كل ما نقوم به من رعونات مرت به أوروبا حتى عهد قريب. كل ما تفعله «داعش» و«القاعدة» لا يعدّ شيئا عند مقارنته بما فعله الغربيون قبل نصف قرن فقط في الحرب العالمية الثانية. نحن لم نشهد شيئا يقارن بما جرى في أوروبا في حرب الثلاثين سنة، خلال القرن السابع عشر، والمذابح الطائفية التي قاموا بها حتى عهد قريب. علينا أن نتذكر أن الأوروبيين فكروا في إرسال بعثة إلى إسطنبول؛ ليتعلموا من المسلمين التعايش السلمي بين الطوائف.
قولوا معي: يا سبحان الله! نحن لم نسق اليهود والغجر إلى أفران الغاز كما فعل الألمان، ولا فتكنا بالمسلمين واليهود كما فعل الإسبان، ولا أقمنا محاكم التفتيش لتحكم على العلماء والأحرار بحرقهم أحياء لمجرد أن يؤمنوا بكروية الأرض. وما كان الأوروبيون وحيدين في هذه الجهالات. كل شعوب العالم مرت بأمثالها.
هذه الديمقراطية التي يريدونها لنا استغرقت إنجلترا، أم الديمقراطية، ما يقرب من تسعة قرون ليصلوا إليها، ثم حرموا نساءهم من حقهن في التصويت حتى الثلاثينات. وكل ما نراه من السؤدد في العالم الغربي استنفد منهم مئات السنين ليصلوا إليه.
ما على الجميع أن يتذكروه هو المثل اللاتيني «روما لم يتم بناؤها في يوم واحد». الحضارات تتطلب زمنا. ونحن واجهنا عوامل وعقبات كثيرة عرقلت نهوضنا. أخص بالذكر منها مشكلة فلسطين وإقامة إسرائيل.
لقد طرحت «الإيكونومست» وصاياها للنهوض بالعالم العربي. لا أريد أن أوصي بشيء سوى مزيد من الزمن. مشروع الدولة المعاصرة لعالمنا العربي خطوة كبيرة. وليس كالأخطاء ما يعلم الإنسان، ويهديه لدروب الصواب. وأشعر بثقة تامة أن عالمنا العربي سيتعظ في نهاية الطريق -كما اتعظ الأوروبيون- مما جرى وسيجري، ويقود نفسه للحكمة والرشاد، على نحو ما فعلوا.
عن صحيفة الشرق الأوسط القطرية