إن للألم عندي معنى، سيادة الرئيس ! / محمد فال ولد سيدي ميله
الشروق / بنتٌ أنا، لكن لا كالبنات!!.. نهاري هراوات ومتفجرات ودخان وضرب بالعصيّ على المقاتل.. ليلي كوابيس وتمتمات وذكريات مع الدرك الجاثم على صدر أبي.. وأنت، سيادة الرئيس، ترمي بصوت أبي، خلال الاستحقاق الذي أوصلك إلى مقعد هامان، في مكب النفايات حيث القمامة عنوان للموت وفصل من تراجيديا ازدراء المهمشين.
سيدي الرئيس، لقد تغَزْوَنْتُ مثلما تغَزْوَنَ الكثيرون، فحسبتُ الدنيا زهرة تتفتق عن هواء طلق ونسيم عليل، فإذا بي استنشق الجيّفة النتنة، وآكل مع جحافل من ذباب تجمّع على بقايا ما قاءه الميسورون: أولئك الذين يهابهم الظلم وتتجافى جنوبهم عن سياط الدرك.
لا أحلم، سيادة الرئيس، بكرسي من حديد اسنيم، أو دمية من ذهب تازيازت، وإنما أكتفي من الغنيمة بسماء صافية ونفَس زلال.. لا أريد وظيفة لأبي، ولا ثانوية لحيّنا المكلوم، وإنما يكفيني أن أنام على وسادة من غير عظام المَيْتة وجلود البقر النافق في مسالخ “مدينة الرياح”. ورغم إنصافي لك، وخوفي من إحراجك بالامتيازات والهدايا وقبلة على الجبين، لا أجد غير صفعة على خد أبي، ولكمة في قفا خالي، وضربة فوق كبد عمتي.. وعلى رنات الألم تظل شاحنات البلدية تراقص القمامة عند أوتاد خيامنا وتحت أسِرّة الصبايا النائمات على فراش من ألم.
سيدي الرئيس، عاث الدرك في حيّنا فسادا، صرعوا أبي بضربة قاضية، “وتحلقوا من حوله مثل الكواسر والوحوش/ يتكالبون على انتزاع ثيابه من جلده”. وبالفعل “طال هذا الليل” التفيريتي الفظيع.. طال بالنار وطال بالكرباج، فصحتُ واغزواناه: “العسف والتعذيب والترهيب والجو البهيم/ ليست سوى فجر انعتاق الشعب من كل الهموم”.
وعدت إلى السرير بعد أن احتضنني والدي وهو ينزف، وربتَ على كتفي يهدهدني بلطف: “نامي بحفظ الله أيتها الجميله/ فالشعر بعدك مستحيل والأنوثة مستحيله/ ستظل أجيال من الأطفال تسأل عن ضفائرك الطويله/ وتظل أجيال من العشاق تقرأ عنك، أيتها المعلمة الأصيله”.
وفي الصباح الباكر، استيقظت مجددا على أزيز الشاحنات وعلى هراوات الدرك. قلت لأبي وأنا أتناول كسرة مَرَقُها ريق ودموع: ستعرف أن البلدية ما ارْعَوَتْ، وستعرف أن الدرك ما ارعوى، “وستعرف، بعد رحيل العمر/ بأنك كنت تطارد خيط دخان”.
سيدي الرئيس، أنا، مثل بنات الدنيا، أستحق، المداعبة والترقيص وألاعيب الأطفال.. أستحق التنفس بعمق، والنوم الهادئ، وقصص الجدات، وأغاني العصافير، ورفرفة الفراشات، وترنيمة من “ألف ليلة وليلة”.. لا أخالني أستحق عليك، وأنت أب الأمة، دخانا لا ينقطع، وأزيزا لا يرحم، وأكواما من جثث القطط، ورتلا من درك يمزق أحشاء أبي لمجرد أنه يريد لي أن أتنفس الهواء الصافي، وأن ألعب على تربة ممهدة بالورود، وأن أحيى حياة الأخريات.
سيّدي الرئيس، لقد أصدرتْ القمامة علينا حكمها بالإعدام، وببطء نموت يوميا والحكام ساهون، فالأورام فعلت فعلتها بنا، ورئاتنا بات شهيقها فيروسات وزفيرها طحالب وميكروبات، وعلى قارعة الطريق رَمَتْ بنا يدُ التهميش والاحتقار واللامبالاة، فلم نعد نعرف غير الحالات المستعجلة وغرف العمليات وعصيّ الدرك.. وأنت من تعهد بأنه لن يترك أحدا على قارعة الطريق، وأنت من تعهد بإيجاد الحلول المنصفة لكل المظالم، فتذكّرْ، سيّدي، أن “للعهد عندك معنى” وأن للألم عندي معنى!!..
بنتٌ أنا، لكن لا كالبنات!!.. نهاري هراوات ومتفجرات ودخان وضرب بالعصيّ على المقاتل.. ليلي كوابيس وتمتمات وذكريات مع الدرك الجاثم على صدر أبي.. وأنت، سيادة الرئيس، ترمي بصوت أبي، خلال الاستحقاق الذي أوصلك إلى مقعد هامان، في مكب النفايات حيث القمامة عنوان للموت وفصل من تراجيديا ازدراء المهمشين.
سيدي الرئيس، لقد تغَزْوَنْتُ مثلما تغَزْوَنَ الكثيرون، فحسبتُ الدنيا زهرة تتفتق عن هواء طلق ونسيم عليل، فإذا بي استنشق الجيّفة النتنة، وآكل مع جحافل من ذباب تجمّع على بقايا ما قاءه الميسورون: أولئك الذين يهابهم الظلم وتتجافى جنوبهم عن سياط الدرك.
لا أحلم، سيادة الرئيس، بكرسي من حديد اسنيم، أو دمية من ذهب تازيازت، وإنما أكتفي من الغنيمة بسماء صافية ونفَس زلال.. لا أريد وظيفة لأبي، ولا ثانوية لحيّنا المكلوم، وإنما يكفيني أن أنام على وسادة من غير عظام المَيْتة وجلود البقر النافق في مسالخ “مدينة الرياح”. ورغم إنصافي لك، وخوفي من إحراجك بالامتيازات والهدايا وقبلة على الجبين، لا أجد غير صفعة على خد أبي، ولكمة في قفا خالي، وضربة فوق كبد عمتي.. وعلى رنات الألم تظل شاحنات البلدية تراقص القمامة عند أوتاد خيامنا وتحت أسِرّة الصبايا النائمات على فراش من ألم.
سيدي الرئيس، عاث الدرك في حيّنا فسادا، صرعوا أبي بضربة قاضية، “وتحلقوا من حوله مثل الكواسر والوحوش/ يتكالبون على انتزاع ثيابه من جلده”. وبالفعل “طال هذا الليل” التفيريتي الفظيع.. طال بالنار وطال بالكرباج، فصحتُ واغزواناه: “العسف والتعذيب والترهيب والجو البهيم/ ليست سوى فجر انعتاق الشعب من كل الهموم”.
وعدت إلى السرير بعد أن احتضنني والدي وهو ينزف، وربتَ على كتفي يهدهدني بلطف: “نامي بحفظ الله أيتها الجميله/ فالشعر بعدك مستحيل والأنوثة مستحيله/ ستظل أجيال من الأطفال تسأل عن ضفائرك الطويله/ وتظل أجيال من العشاق تقرأ عنك، أيتها المعلمة الأصيله”.
وفي الصباح الباكر، استيقظت مجددا على أزيز الشاحنات وعلى هراوات الدرك. قلت لأبي وأنا أتناول كسرة مَرَقُها ريق ودموع: ستعرف أن البلدية ما ارْعَوَتْ، وستعرف أن الدرك ما ارعوى، “وستعرف، بعد رحيل العمر/ بأنك كنت تطارد خيط دخان”.
سيدي الرئيس، أنا، مثل بنات الدنيا، أستحق، المداعبة والترقيص وألاعيب الأطفال.. أستحق التنفس بعمق، والنوم الهادئ، وقصص الجدات، وأغاني العصافير، ورفرفة الفراشات، وترنيمة من “ألف ليلة وليلة”.. لا أخالني أستحق عليك، وأنت أب الأمة، دخانا لا ينقطع، وأزيزا لا يرحم، وأكواما من جثث القطط، ورتلا من درك يمزق أحشاء أبي لمجرد أنه يريد لي أن أتنفس الهواء الصافي، وأن ألعب على تربة ممهدة بالورود، وأن أحيى حياة الأخريات.
سيّدي الرئيس، لقد أصدرتْ القمامة علينا حكمها بالإعدام، وببطء نموت يوميا والحكام ساهون، فالأورام فعلت فعلتها بنا، ورئاتنا بات شهيقها فيروسات وزفيرها طحالب وميكروبات، وعلى قارعة الطريق رَمَتْ بنا يدُ التهميش والاحتقار واللامبالاة، فلم نعد نعرف غير الحالات المستعجلة وغرف العمليات وعصيّ الدرك.. وأنت من تعهد بأنه لن يترك أحدا على قارعة الطريق، وأنت من تعهد بإيجاد الحلول المنصفة لكل المظالم، فتذكّرْ، سيّدي، أن “للعهد عندك معنى” وأن للألم عندي معنى!!..
محمد فال ولد سيدي ميله