قمة جنيف تكرم النائب بيرام بجائزة الشجاعة 2020
الشروق / كرمت قمة جنيف للديمقراطية وحقوق الإنسان النائب البرلماني ورئيس منظمة إيرا بيرام الداه أعبيد بجائزة الشجاعة لسمة 2020.
وقال الرئيس و النائب بيرام في كلمته أمام القمة، أن السود الموريتانيون، وذراري العبيد منذ قرون أو ضحايا التمييز حاليا، يعرفون ثمن جهود النهوض التي تحدوهم إليها بداهة حالتهم ، كما هو شأن العديد من الزنوج .
وهذا نص خطاب الرئيس والنائب بيرام :
السيدات والسادة أعضاء تحالف قمة جنيف، زملائي المدافعين عن حقوق الانسان الوافدين من جميع القارات.
أعزائي أعضاء لجنة التحكيم، أيها الحضور الكريم،
اليومَ، تمنحني دورة 2020 لـ”قمة جنيف لحقوق الانسان والديمقراطية” جائزة شاهدة على الشجاعة. فلتتلقَّ هيئةُ التحكيم الموقرة كل امتناني. بيد أنه يتوجب عليّ ذكرُ شاردة هنا: عندما تجرّبون الظلم وأنتم أيفاع، وترثونه من أسلافكم، ويتهددكم نقله إلى عَقِبكم، فإن مقاومته ليست خيارا، وإنما تدخل ضمن إكراهات البقاء، لأنها تبعث فيكم بصيصَ أمل وبقية من إرادة. إن إنسانيتكم تحدوكم إلى الكفاح لا إراديا، ويحثكم جسمكم، والروح المنطوية فيه، رغم إنهاكهما، على الشموخ. لهذا لا أخالني أستحق جائزة جليلة بهذا القدر، فلا أحد يُفترض فيه أن يتلقى التهاني على طموحه أو نشاطه من أجل حياة مِلؤها السعادة والسلام في ظل
من الإنصاف.
إننا، نحن السود الموريتانيون، وذراري العبيد منذ قرون أو ضحايا التمييز حاليا، نعرف ثمن جهود النهوض التي تحدونا إليها بداهة حالتنا. وكما هو شأن العديد من الزنوج عبر التاريخ والحضارات، فقد فتحتُ عينيّ على الحصيلة العنيفة لدونيتي الناتجة، كما شُرح لي، عن لون بشرتي الداكن، وعن الأصول الوثنية لأسلافي، وعن مشيئة إلهية بحتة.
وكما ترون، فإن انطلاقتي السيئة من هذه الدنيا تعرّضني لأن أصبح، عاجلا أم آجلا، العدو المعلن لأحد مّا. إلا أنني، منذ 2008، تاريخ إنشاء مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية في موريتانيا، توقفتُ عن الفرار من حتمية الكفاح وقبلت ما يخبئه القدَرُ كنتيجة لتضحيتي.
وعلى مدى عقد من قمع المظاهرات، ومن المحاكمات، ومن الاعتقالات والإساءات في زنزانات دولة جديرة بالنمط الهوبزي ( من Thmas Hobs)، تلقيتُ، مع رفاقي، الانعكاس المتوقع لاندفاعنا الرافض للهيمنة العرقية، المُمانع اتجاهها، والمُحاول هدمها. ففي شهر سبتمبر الماضي، سلّم قاضي التحقيق العبدة غايه ميغا (البالغة 14 سنة العمر) إلى أسيادها الذين يستغلونها ويضربونها، وذلك رغم الاعتراض الصوري لوكيل الجمهورية الذراع التنفيذي للسطة الحاكمة. فسارَع جلادوها إلى اقتيادها إلى قريتهم الواقعة على بعد 1200كلم من العاصمة ونشروا، على وسائل التواصل الاجتماعي، صورا ورسائل تتباهى بالنصر. أمأ الصبي بيبه(8 سنوات)، الهارب من جحيم العبودية القسرية و العذيب و التجهيل، تم ترهيبه لمدة أيام داخل مخافر الشرطة القضائية و مكاتب القضاة الجالسين و الواقفين الى ان تبنى رواية الزور المعدة من داخل ديوان وزير العدل.
أيها الجمع الكريم، ان ذوونا، في الماضي القريب، ونسبة مهمة منهم في الوقت الراهن، يقومون، خدمة لشريحة من مواطنينا، برعاية القطعان، وحفر الآبار، وإعداد الوجبات، وتحضير أسِرّة النوم، ومرافقة القوافل تحت لفح الشمس اللاهبة، غير منتعلين، دون رواتب أو تعويضات عن العمل. وكانت نساؤنا (ومازال بعضهن)، شبه العاريات، تُحجزن للاغتصاب، ويُمنح نسلُنا عربونَ زفافٍ أو هدية لمولود جديد. كما كنا، ونحن المبعثرون في أرجاء البلاد بفعل التتريك، نُساق للبيع والمقايضة مقابل بنت لبونٍ من البقر، أو جمل، أو خرز من معجون الزجاج، أو سوار يزيّن كاحلا، أو تمائم خارقة. هذا، في المحصلة، هو المحيط الذهني الذي وجدت فيه نفسي يافعا متلمّسًا صوْغ هوية وتصور مستقبل.
في شهر ابريل 2012، عندما مللت الاشتراك، المرة تِلو المرة، في النثر البلاغي “المقدس” المفروض من قبل أسيادنا، قررتُ، بعد أداء صلاة الجمعة، أن أشعل النار، علنًا، في الكتب المزعوم أنها “فقه إسلامي” والمقوننة لمنظومة الرق. وعلى الفور، أغرقتْ جماهيرُ الغلاة المساجدَ والشوارع مطالبين بصلبي. وعلى مدى أسبوعين، منحهم الإعلام العمومي والخاص الكلام حصريا وبارك رئيس الجمهورية حينها كل الدعوات المطالبة بقتلي. وبعد توقيفي، بدعوى الزندقة والمروق، لم يكن ليخلّصني مع مشيئة الله القدير المقتدر، غير تعبئة إخوتي والمناصرين لي في الخارج. ولست بالنادم على تلك الفعلة التي لو تطلب المقام تكرارها لكررتها. ولأسباب ما زلت أجهلها، وبّخني، في العلن، كل من السفيرين المغربي والروسي، بينما دافع عني السفير السوري. ولا أحد من ممثلي العالم الحر حباني بالمساندة التي كنت أتوقع باسم قيّم حقوق الانسان والعلمانية ومُثُل الجمهورية وحق التدخل الايجابي.
إخوتي الكرام، رأفة مني بكم، أجنبكم الرواية الفظيعة للإهانات والإساءات داخل زنزانة تقل مساحتها عن مترين في جو شديد الحر ليلَ نهار. ومن مفارقات القدر أنني انتُخبت نائبا برلمانيا من داخل سجن ظالم شهر سبتمر 2018. وقد بدا لي الجنودُ المكلفون بمراقبتي حزانى في عزلتهم داخل عالم السجون. لقد تركتهم مُشفِقاً وغيرَ آسف.
منذ دجمبر 2010، عشت أربعة اعتقالات يصاحبها السجن و المعاملات السيئة. وتُقارب منظمتي، غير المرخصة، تحطيم الرقم القياسي لحوالي عشرين محاكمة مع تعذيب أفرادنا. ولا أحد من جلادينا قُدِّمَ، حتى اللحظة، للمساءلة.
وجدير بالذكر أنني، خلال رئاسيات يونيو 2019، كنت في المرتبة الثانية مباشرة خلف رئيس الجمهورية الحالي: مرشح الأعيان القبليين والمؤسسة العسكرية. ورغم الشهادات المتواترة على التزوير، فقد اعترفت بنتائج التصويت المزيفة. عساني بذلك أحاشي موطني الهش التفكك الذاتي في خضم أزمة ستقدمه طبقا سائغا للتطرف الديني العنيف المحيط به.
ولا شك أنني مددت يد الحوار للسلطات الجديدة، متشبثا بالحصول، أولا، على الاعتراف بالروابط والأحزاب المعاندة في وجه التمييز الممارس ضد السود المنحدرين من جنوب الصحراء و الغاء المتابعات المفتعلة ضد المعارضين البارزين في المنفى.
وإننا لنعمل من أجل إلغاء القانون الصادر سنة 1993، المتضمن العفو، ومن ثم حماية مرتكبي عمليات الترحيل الجماعي والتعذيب والتقتيل في الفترة ما بين 1986 و1991 في ضوء محاولة دامية لتغيير الديمغرافيا ومحو التنوع اللغوي، وذلك لكي تدير موريتانيا، “المعرّبة” في نهاية المطاف، ظهرَها لمنطقة الساحل.
اسمحوا لي، هنا، أن أقدم لكم وجهيْن من ضحايا التطهير العرقي في موريتانيا: إنهما السيدة هوليْ صالْ، البالغة من العمر 80 حولا، التي تصارع، منذ ثلاثة عقود، من أجل إعادة الاعتبار لقضية ابنها الوحيد الذي تعرض، ضمن مئات آخرين، لتلك النكبة. إنه الملازم عبدلايْ صالْ الذي مات، في الثلاثينات من عمره، في عملية ارتطام بين سيارتين مسرعتين بأمر من قادته في الجيش.
إن معاناتنا لا علاقة لها إطلاقا بالغرب، كما أنه لا علاقة لها لا بالاستعمار ولا بعهد المتاجرة بالرقيق. إنها تأتي من داخل مجتمعاتنا الإفريقية. وعلى شاكلة الآباء ومن سبقوهم، فإننا نقاسي الاضطهاد على يد مواطنينا العرب-البربر، بالرغم من أننا، معًا، نتقاسم العقيدة، والعبادات، واللغة في كثير من الأحيان.
وعلى جبهة أخرى، فإننا نظل نواصل المطالبة بالولوج العادل إلى الحالة المدنية وإلى اللوائح الانتخابية لأننا مسكونون بيَقين لا يساوره شك بأننا نمثل أغلبية من الساكنة. وفي يوم من الأيام، سيفرض وزنُ الأصوات قضاتَنا على التوقف عن التغطية على جرائم الرق وتتفيه “الإبادة الجماعية”، وسوف يمجّدون القانون الدولي، ويقبلون بأدنى قدر من المُثُل الكونية، ويتخلون عن خِدَع النسبية الثقافية. وفي يوم من الأيام، ستلغي موريتانيا المادة 306 من القانون الجنائي التي تعاقب، بحماسها غير المؤصل بالنصوص القرءانية، المُجَدِّفَ والمرتد بحد القتل الفوري دون استتابة.
إن تطبيق قوانين الغُلاة، والزعم، في نفس الوقت، بمحاربة الإرهاب يدخل ضمن التعارض والكذب المميت. فبلادي تشكل اليوم وسطا صالحا لإقامة نظام مبني على المغالاة والتطرف. وهي حقيقة من صميم المحاذير، إلا أنني أتحمل المسؤولية في أكون المُبَلّغ المُنْذِرَ بشأنها.
وهنا، أحيّي مئات الشباب وعشرات المثقفين والمفكرين، المنشقين البواسل من النسيج الإقطاعي، الذين لم نُنزلهم بعدُ منزلتهم، فهم يحملون، عاليا وبعيدا، زخم العطاء السخي والعمل الطوعي الذي أستلهمُ منه قوة الحجة. إذن، بعد إذنكم، أهديهم هذه الجائزة.
أيها الحضور الكريم، إن منحكم إياي جائزة هذه السنة، يعزز التزامي على درب التناوب السلمي بفضل سلطة صناديق الاقتراع. صحيح أنه لا يمكنني أن أحترم قيّم من يظلمني، لكنني لن أشجع أبدا اللجوء إلى خيار الانقلابات العسكرية أو التمرد أو أي نوع من استعمال العنف.
فالكلمات، الناقلة للأفكار المخربة للمنظومة الرجعية، كما لمقترحات الإصلاح، تظل سلاحنا الحصري. إننا نريد أن نقنع بدلا من أن نثير المخاوف. فالخوف يقود إلى المزايدة، والمزايدة تقتل، ونحن نفضل الحياة.
ولكم مني جزيل الشكر.