الحلقة الخامسة: أمبود.. حين يتحول التمثيل إلى احتكار مزمن باسم الأقلية..

الشروق نت – تحقيق خاص
تُعد مقاطعة أمبود أكبر مقاطعات ولاية كوركول، بل واحدة من أكبر المقاطعات على المستوى الوطني من حيث المساحة وعدد السكان وتنوع البنية الاجتماعية، ومع ذلك، فإنها تعيش تهميشًا مزمِنًا في التمثيل الوظيفي داخل دوائر الدولة، بصورة لا تنسجم مع وزنها الديمغرافي والجغرافي والانتخابي.
ومع هذا التهميش العام، تعاني مكونات المقاطعة تهميشًا مركبًا، سببه احتكار مكونة اجتماعية واحدة للمناصب الوزارية والعليا في الدولة، في مشهد يكرّس نفس النمط السائد في بقية مقاطعات الولاية، مثل كيهيدي ولكصيبة ومقامة ومونكل، حيث تُغيَّب المكونات الأخرى ذات الحضور القوي ، لصالح مكونة محددة، ما يُعمّق الشعور بالغبن ويدفع إلى مراجعة منطق التوازن داخل الولاية بأكملها..
ولم يقتصر التهميش على البعد المجتمعي فحسب، بل طال التحالفات السياسية كذلك؛ إذ إن الحلف السياسي المسيطر في مقاطعة أمبود – خارج الاعتبارات القبلية – ورغم هيمنته على الواجهة الانتخابية والتمثيل السياسي في أغلب المجالس المنتخبة، لا يمتلك تمثيلاً وظيفيًا يُذكر في دوائر الدولة المركزية، ما يكشف بوضوح أن معيار النفوذ في التعيين لم يعد يرتبط حتى بالثقل السياسي أو السيطرة على صناديق الاقتراع، بل هو رهين دوائر مغلقة من الولاء الضيق والانتماء التقليدي.
ليست مقاطعة أمبود استثناءً في مشهد التفاوت الحاد في تمثيل مكونات ولاية كوركول؛ بل هي امتداد صارخ للاختلال الذي طبع خارطة المناصب السياسية والإدارية في كيهيدي، ولكصيبة، ومقامة، ومونكل. ففي كل هذه المحطات، تتكرر المعادلة ذاتها: احتكار شبه كلي للمناصب العليا من قبل مكوّن اجتماعي واحد، لا يعكس لا الكثافة السكانية ولا حجم الامتداد الجغرافي ولا حتى التراكم السياسي.
ورغم أن هذه المكوّنة تمثل أقلية عددية مقارنة بباقي المكونات، إلا أنها ظلت لعقود تمسك بمفاصل التمثيل الرسمي، وتتحكم بواجهة المقاطعة الوزارية دون انقطاع، باستثناء حالة واحدة فقط، هي تعيين لالة منت أشريف وزيرة في عهد الرئيس الأسبق محمد ولد عبد العزيز.
تمثيل بلا رصيد انتخابي
اليوم، تستمر هذه الهيمنة من خلال أسماء وازنة في المشهد الرسمي:
الوزيرة عيشاتا با يحي
أبو مودي، مستشار بوزارة العدل
آمادو أنياندا، المدير الجهوي للشؤون الإسلامية
آبو ديه، المدير العام لمستشفى سيلبابي
ورغم هذا التمثيل الكثيف وغير المتناسب مع الحضور الديمغرافي، لم تتمكن هذه المكونة من حسم أي منصب انتخابي دون تحالفات مع المكونات الأخرى كما سبق و حدث في ( أمبود ، فم لكليتة) ، بل لم يسبق لها أن سيطرت منفردة على بلدية واحدة، رغم تواجدها – بشكل محدود – في أغلب بلديات المقاطعة.
كفاءات تُقصى وتمثيل يُقصى منه الواقع
في المقابل، تزخر أمبود، خصوصًا في أوساط المكونات المهمشة، بعشرات الكفاءات العلمية والإدارية والسياسية، التي لا تقل أهلية ولا جدارة، بل ربما تفوق في بعضها ما يُمنح من تمثيل بلا عمق سياسي.
شرفاء أمبود.. الوفاء الذي لم يُكافأ
تُعد مكونة شرفاء أمبود نموذجًا صارخًا للفجوة بين الولاء والمكافأة ، فقد ظلت على مدى الأنظمة المتعاقبة صمام أمان سياسيًا للنظام القائم، لا تُساوم ولا تهادن، حاضرةً بقوة في التمثيل السياسي دائما ،ورغم هذه التضحيات السياسية المتواصلة والاصطفاف التاريخي إلى جانب النظام، فإن تمثيلها الوظيفي ظل باهتًا لا يليق بحجمها ..في دلالة على أن تضحيات هذه المكونة، ورغم ثقلها السياسي، لم تُقابل باعتراف مؤسسي على مستوى التعيينات..
و تُمثل هذه المجموعة سياسيًا و وظيفيا من خلال :
النائب جعفر ولد ماء العينين
العمدة هاشم ولد أعلي (هاديه) – فم لكليتة ،
ورغم هذه التضحيات السياسية المتواصلة والاصطفاف التاريخي إلى جانب النظام، فإن تمثيلها الوظيفي ظل باهتًا لا يليق بحجمها ..في دلالة على أن تضحيات هذه المكونة، ورغم ثقلها السياسي، لم تُقابل باعتراف مؤسسي على مستوى التعيينات ، حيث يقتصر على أسماء معدودة..
الأمين العام لوزارة التعليم العالي أنوي ولد الشيخ
المدير أشريف ولد ماء العينين – المكتب الوطني للماء
مدير مكافحة الجراد يربانه ولد سمسد
الإطار في ميناء الصداقة عثمان ولد أشريف
مدير الضرائب المنية ولد الشيخ القاضي
المدير الجهوي للضرائب عبد الفتاح ولد أشريف
إدوعيش.. حضور انتخابي وميداني .. وتجاهل إداري
بدورها، ظلت مجموعة إدوعيش حاضرة دومًا على الأرض، مدافعةً عن تمثيلها السياسي بقوة المد الانتخابي، مع حضور ثابت ودائم في المشهد المحلي..غير أن هذا الوجود السياسي الصلب لم يُترجم إلى تمثيل وظيفي يعكس وزنها الانتخابي أو رصيدها السياسي.. في مشهدٍ يكرّس الإقصاء، ويجعل من الحضور السياسي مجرد واجهة دون امتداد في مفاصل القرار الإداري..
و يُمثل مجموعة إدوعيش سياسيًا:
النائب الحسن ولد باها
العمدة أسويلم – بلدية بيلكة القطب
العمدة عثمان ولد أعمر – تارنكة
لكن التمثيل الوظيفي يبدو باهتًا:
الدان ولد أحمد، رئيس مجلس إدارة
عثمان ولد ماسير، إطار في الصندوق للتأمين الصحي
تجكانت.. بين الشرعية الانتخابية والإقصاء المؤسسي
تُعد مجموعة تجكانت من بين المكونات الأكثر كثافة وانتشارًا في المقاطعة، حيث حافظت تاريخيًا على تمثيل سياسي قوي يرتكز إلى ثقلها العددي..لكن المفارقة أن هذا الحضور السياسي الواسع لم ينعكس في التمثيل الوظيفي، الذي بقي دون مستوى التطلعات ..ما يُظهر تفاوتًا صارخًا بين من يقدمون الغطاء السياسي وبين من يُكافَأون إداريًا..
و يمثل مجموعة تجكانت حاليا في الجانب السياسي:
النائب والعمدة يرب ولد أبريك – لحرش
العمدة سيدي بوي ولد التار – أمبود المركزية
العمدة يحي ولد ينج – شلخت التياب
إلا أن تمثيلهم في الوظائف العليا ظل محدودًا:
سعد ابيه ولد منان – مكلف بمهمة في وزارة المياه
الدكتور يربانة ولد الخراشي – مستشار بالتعليم العالي
محمد ولد منان – مدير إدارة بوزارة الخارجية
الإطار في مندوبية تآزر عبدالقادر اسليمان
الإداري جعفر ولد محمد محمود
مكونات حاضرة على الأرض.. غائبة في الدولة
في بلدية أنجاجبني، تحضر مكونة السوننكي، حيث تمثل عبر:
العمدة عبدو تيميرا
ومكلف بمهمة في وزارة التعليم العالي
أما أولاد أعل، ورغم وجودهم في عمق المقاطعة فلا يمثلون إلا من خلال:
العمدة حمزة جعفر – تكوبرة
دون أي حضور وظيفي، وهو ما يكشف تهميشًا سافرًا لهذه المجموعة، وإقصاءً ممنهجًا من مراكز القرار الإداري.
أما مكونة البمبارا، التي طالما مثّلت أمبود في بلديتها المركزية، فلم تعد تملك اليوم إلا:
محمد كوني، المفتش الرئيسي في وزارة الإسكان
تمثيل على المقاس.. وواقع منقوص
هذا التوزيع غير المتوازن يكشف – بلا مواربة – أن أغلب المجموعات الاجتماعية في أمبود، ورغم أنها تمثل الأغلبية الساحقة سكانيًا، تعيش تهميشًا مركبًا: إقصاءً من الواجهة الرسمية، وتحجيمًا في التمثيل الانتخابي، رغم امتلاكها مفاتيح الأرض والناس.
وما يزيد من قتامة الصورة، أن حتى بعض الشخصيات السياسية المحسوبة على “السلطة”، والمتحكمة اسميًا في المشهد، تعاني تهميشًا وظيفيًا حادًا، ما يكشف عن وجود “دوائر نفوذ مغلقة”، لا تسمح بالولوج إلا عبر الهوية الضيقة، لا الكفاءة ولا الشرعية الانتخابية.
حان وقت التصحيح
لقد آن الأوان لتصحيح هذا المسار، ولإعادة النظر في احتكار مكونة واحدة لكل المناصب العليا والقيادية في الدولة، على حساب الأغلبية. فالإصرار على هذا النهج لن يفضي إلا إلى خلق معارضة مغاضبة، لن يكون بالإمكان تطويقها بالأساليب التقليدية.
إن العدالة في التمثيل ليست منّة ولا ترفًا، بل شرط للاستقرار والإنصاف وبناء الثقة في الدولة، ولا يمكن أن تبقى مجرد شعار يُرفع في حملات انتخابية أو خطب رسمية.
أمبود، بكل مكوناتها وتنوعها، تستحق أن تُرى كما هي: مقاطعة بأغلبيات متنوعة وكفاءات جاهزة، لا واجهة تُختزل في أقلية مدعومة من خارج الأرض والناس.