الأطفال المشرّدون في موريتانيا بين مطرقة الحرمان وسندان الفقر والضياع
الشــروق / خديجة، آمنة ، الزين، اعل الشيخ … إخوة أشقاء وجدوا أنفسهم فجأة مشردين يكتوون بجحيم الفقر والبؤس والحرمان في حي “مسجد النور” الذي يعتبر من أكثر الأحياء فقرا وهشاشة في العاصمة الموريتانية نواكشوط بعد أن طلق والدهم أمهم وطردهم من المنزل الذي تربوا فيه. بدأت معاناة هؤلاء الأطفال مع التشرد جراء التفكك الأسري قبل أربع سنوات عندما قرر الأب أن يطلق الأم ويغادر المنزل ويترك الأطفال فيه دون معيل، ليعود بعد فترة من الزمن ويطلب من الأم والأولاد إخلاء المنزل والخروج إلى الشارع.
تقول الضحية الأصغر في الأسرة الطفلة خدجة 7 سنوات “اشتقت لأبي، لا أدري سبب هذه المعاناة التي نعيشها جراء الفقر والحرمان والتفكك، لقد دمر طلاق أبي لأمي حياتي، خسرت دراستي في الروضة وصديقاتي في الحي الذي كنت أسكن فيه بعد أن طردنا أبي من المنزل رفقة أمي لنتشرد بعد ذلك، فمنذ أربع سنوات و نحن نتسكع، حيث نسكن الآن في بيت متواضع أعاره لنا أحد المحسنين ولا ندري متى سنعود للشارع”.
أما الطفل الزين 13 سنة فيروي بأسلوب مؤثر قصته قائلا”أنا متأسف لتفكك أسرتنا ولست مرتاحا إطلاقا لأننا تسربنا من المدرسة وتشردنا بعيدا عن المنطقة التي ألفناها وتربينا فيها ولعبنا فيها مع أصدقائنا لنعيش فقرا مدقعا دون معيل..لقد تلاعب أولياؤنا بمصيرنا وقذفونا إلى المجهول والفقر والحرمان”.
يقول اعل الشيخ 17 سنة “لقد كانت ظروفنا أفضل بكثير قبل انفصال أبي عن أمي. كنا نعيش حياة سعيدة و مريحة، وبعد تفكك أسرتنا دفعت أنا وإخوتي الثمن وانقلبت الأمور على عقب لنعيش حياة الفقر المدقع والحرمان والتفكك فلا معيل لدينا وقد تسربنا من المدرسة ونحن نعيش اليوم في حي لا يتوفر على مقومات الحياة الكريمة وأغلب سكانه هم من الفقراء والمعوزين”.
أما آمنة 17 سنة وهي الأخت الأكبر ضمن الأشقاء فتقول وهي تحاول التماسك واليأس ينخٌر جهودها في إصلاح ما أفسده انفصال والديها ” إنها حزينة جدا لهذا الواقع الذي يتسيده التفكك والحرمان والفقر والمستقبل المجهول فلم نجد غير حي فقير نلجأ إليه وضاع مستقبلنا”.
في موريتانيا تتضاعف يوميا الحالات المسجلة للطلاق والتفكك وخاصة في الأحياء والطبقات الهشة والفقيرة مما جعل الكثير من المنظمات العاملة في المجال الاجتماعي تدق ناقوس الخطر لما للطلاق والتفكك من آثار خطيرة على بنية المجتمع و لما يخلفه من قائمة ضحايا يتصدرها الأطفال و النساء.
رئيسة رابطة النساء معيلات الأسر السيدة آمنة منت المختار تقول: “الأطفال ضحايا الطلاق والتفكك يعانون من مشاكل لا تحصى و ينقسمون إلي عدة أقسام حسب أنواع المطلقات أنفسهن. فهناك مطلقات من طبقات متوسطة وأخريات من طبقات غنية و أخرى هشة، فأسباب التفكك في الطبقة المتوسطة دائما ما تعود لمشاكل عنف، حيث أن الرجل في الغالب يرفض التخلي عن حضانة الأطفال مما يؤدي إلي تنازع بين الأبوين حول حق الحضانة، و الهدف من هذا بالنسبة للرجل خفض تكاليف معيشة الأطفال مما يؤدي إلي معاناة الطفل من الإهمال في السكن و التربية بسبب انشغال الأب بتحصيل لقمة العيش ووجود امرأة أخرى في البيت لا تهتم لغير أطفالها وترفض استقبال أطفال الأب من امرأة أخرى.
وتضيف الناشطة آمنة “التفكك في الطبقات الهشة له عدة أسباب منها عشوائية الزواج أصلا، حيث أن المرأة هي من تتحمل النفقة وتعمل بكلل بسبب فقر الرجال وضيق ذات اليد، كما أن الأسرة التي كانت تحتضن المطلقة وأبناءها في الماضي فقدت دورها ولم تعد قادرة علي احتضان الجميع بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة مما يعرض الأبناء للتشرد والضياع والانحراف، ونحن نعمل على مساعدة الأطفال ماديا ومعنويا لتجنب آثار التسرب والحرمان والضياع وخاصة في الأحياء الفقيرة و الهشة”.