موريتانيون في أميركا… يائسون يخاطرون بحياتهم بحثاً عن المستقبل
الشروق نت / يخوض موريتانيون غمار الهجرة غير النظامية ابتداء من نواكشوط مرورا بأميركا الجنوبية ثم الوسطى عابرين غابات ومستنقعات خطرة، بهدف بلوغ حلمهم في حياة كريمة وبحثاً عن أمل مفتقد في بلادهم يضحون من أجله بالغالي والنفيس.
– بلغ يأس الثلاثيني الموريتاني التجاني ولد محمدو مداه من الحصول على فرصة عمل في بلاده، ما دفعه إلى محاولة الهجرة للولايات المتحدة الأميركية مثل رفاقه الذين سبقوه عبر التواصل مع سمسار في نواكشوط يعمل مع شبكة من المهربين تمتد من نواكشوط حتى المكسيك مرورا بدول أميركا الوسطى التي يعبرها المهاجرون غير النظاميين.
طلب السمسار من ولد محمدو 6 آلاف دولار مقابل رحلته إلى أميركا، وفي يوليو 2022 غادر من نواكشوط إلى تونس جوا، ومنها إلى الإكوادور التي يدخلها الموريتانيون بدون تأشيرة ومن هناك اصطحبه المهربون برا إلى كولومبيا وبنما ثم كوستاريكا، ونيكاراغو، وهندوراس، وغواتيمالا، وصولا إلى مدينة تيخوانا المكسيكية ومنها إلى آخر نقطة حدودية مع أميركا وهناك دفع 220 دولارا لمهرب من الجنسية المالية، ساعده على تسلق الجدار الفاصل بين المكسيك والولايات المتحدة، وبمجرد تجاوزه وقع في قبضة حرس الحدود الأميركي نهاية سبتمبر 2022، ليتم نقله إلى دائرة خدمات الهجرة والجنسية حيث خضع للتحقيق حول دوافع قدومه إلى أميركا، ومازال بانتظار قرار يحسم طلب لجوئه.
وعلى درب ولد محمدو وغيره من المهاجرين غير النظاميين يسير موريتانيون يوثق التحقيق رحلتهم التي تنتهي في قبضة حرس الحدود الأميركي، والذي كشف عن توقيف 220 ألف مهاجر عبروا الحدود الجنوبية الغربية في ديسمبر الماضي، في رقم قياسي يسجل لشهر ديسمبر وهو ثاني أعلى رقم منذ إدارة كلينتون، ومن بين هؤلاء يقع ما بين 20 وحتى 30 مهاجرا موريتانيا في قبضة الأجهزة المعنية خلال أيام تدفقهم كما يقول محمد الزين معلوم مسؤول الإعلام في تجمع “موريتانيون في أميركا” الناشط على وسائط التواصل الاجتماعي لتوفير فرص العمل وتوعية القادمين الجدد بالقوانين المحلية، موضحا أن هجرة الشباب الموريتاني إلى أميركا تتزايد باطراد منذ عام 2010، لكن الأعداد صارت لافتة منذ العام الماضي، مقدرا أعداد غير النظاميين بـ 6 آلاف مهاجر، بينهم من يحملون شهادات أكاديمية في مجالات مختلفة، وهو ما يؤكده مصدر في السفارة الموريتانية بأميركا (طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول في الحديث للإعلام)، قائلا إن “العدد الإجمالي للمهاجرين الموريتانيين في أميركا يقدر بـ 16 ألف مهاجر، حتى نهاية العام الماضي من بينهم 10 آلاف نظاميون و6 آلاف غير نظامي”.
مساران للهجرة إلى أميركا
ارتفعت نسبة البطالة في موريتانيا من 9.9% في عام 2010 وحتى 11.3% خلال عام 2021 بحسب تقديرات البنك الدولي، وتنعكس تلك الزيادة على العاطلين الذين يبحثون عن حل لمعاناتهم، كما يقول خمسة مهاجرين وصلوا أميركا، مؤكدين أنهم يعلمون بأن المسار صعب والطريق خطير ومكلف ماديا، ويبدأ المسار الأول عبر السفر جوا إلى الدول التي لا تشترط الحصول على تأشيرة دخول من الموريتانيين، مثل تونس والجزائر، ثم الانتقال إلى الإكوادور، قبل التهريب عبر عدة دول تنتهي بالمكسيك، وهو المسار الذي سلكه ولد محمدو، موضحا أنه ورفاقه استخدموا حافلات وزوارق كما ساروا على الأقدام أحيانا في رحلتهم الطويلة التي استغرقت شهرين.
ويبدأ المسار الثاني جوا من نواكشوط إلى أوروبا بطريقة نظامية عبر الحصول على تأشيرة شنغن وفيزا أخرى للسفر إلى نيكاراغوا، وهناك يستقبل المهربون المهاجرين ليواصلوا الرحلة عبر دراجات نارية إلى حدود هندوراس ومن ثم الدخول إلى غواتيمالا ثم إلى المكسيك، وصولا إلى أميركا، ويكلف هذا المسار كل مهاجر ما بين 7 و8 آلاف دولار، تشمل إجراءات التأشيرة وحجز الطيران، وفق أباي ولد الشيخ الذي دفع 7500 دولار لسمسار في نواكشوط ساعده في الحصول على تأشيرة فرنسا في يناير 2022، ومنها إلى نيكارغوا ومن هناك تنقل برا إلى هندوراس ثم غواتيمالا، قائلا “كان السمسار على اتصال بي عبر تطبيق واتساب، ليسألني عن نقطة وصولي، فيخبرني باسم الوجهة التالية ومن المهرب الذي سيتولى مرافقتي حتى دخلت المكسيك، وهناك ساعدني رجل أفريقي في عبور الحدود وصولا إلى أميركا”.
شبكة المهربين إلى أميركا تبدأ في نواكشوط وتنتهي في المكسيك
ويختار الأكثر ثراء المسار الثاني، تجنبا للأول الذي يمر بمنطقة Darién Gap (غابات ومستنقعات بين أميركا الوسطى (بنما) والجنوبية (كولومبيا)، بحسب ولد الشيخ، و”تعد طريق غاب دارين شديدة الخطورة بسبب الجماعات الإجرامية والمهرّبين الذين يسيطرون على المنطقة، وغالبا ما يبتزّون المهاجرين ويعتدون عليهم جنسيا في بعض الأحيان”، وفق تقرير للأمم المتحدة صدر في 26 أبريل 2022 بعنوان “المهاجرون بين شمال وجنوب أميركا يسلكون طريق دارين غاب الخطير”.
ويجمع 3 مهاجرين، عبروا Darién Gap، على تعرضهم لابتزاز المهربين، رغم دفع المبلغ المتفق عليه ومن بينهم الثلاثيني الحاج ولد الناهي، الذي اضطر لدفع مبلغ 300 دولار إضافية للمهرب من أجل تجاوز تلك النقطة، قائلا “لم يشفع لنا ذلك، إذ أخذ أحد المهربين في طريق غاب دارين حقيبتي وساعة يدوية من نوع آبل وتش، وهاتفي الشخصي من نوع آيفون إكس إس”.
يتعرض المهاجرون للابتزاز من قبل المهربين طوال الرحلة
وبدأ ولد الناهي رحلته من نواكشوط عبر المسار الأول في أكتوبر 2022، مضيفا: “طوال الرحلة يظل المهاجر في حالة من الرعب يعتقد معها بأنه سيموت في الطريق بسبب تهديدات المهربين للمهاجرين بتركهم في الغابة، وأنهم سبق وأن تركوا مهاجرين يواجهون مصيرهم في الطريق”، ويتابع: “لدى وصولي إلى المكسيك طلب مني مهرب أفريقي آخر 300 دولار مقابل مساعدتي بتسلق الجدار الفاصل بين المكسيك وأميركا” وهو ما يؤكده عابدين ولد الدوه (36 عاما)، الذي غادر نواكشوط في يناير 2022، وعانى من الجوع والخوف في طريق غاب دارين لمدة خمسة أيام، حتى ظن أنه سيموت مؤكدا أن المهربين يبتزون المهاجرين طول الرحلة ويسلبون كل ما لديهم من مال ومقتنيات”.
في قبضة حرس الحدود
عقب عبور الجدار إما تسلقا أو عبر فجوات يعرفها المهربون، تعترض دوريات حرس الحدود الأميركي المهاجرين وتسلمهم لإدارة الهجرة والجنسية للتحقيق معهم، ثم يصادرون جوازات سفرهم ويمنحونهم ورقة مؤقتة تخولهم حق التنقل في انتظار البت في طلب اللجوء الذي يتقدمون به بمجرد الوصول، وفق تأكيد مصادر التحقيق.
ويَمثل المهاجرون الموريتانيون أمام القضاء، بعد استلام إشعار من دائرة الهجرة والجنسية، يحدد موعد جلسات المحاكمة للبت في طلب اللجوء، كما تقول المحامية سلفينيا كراوتش، المختصة في شؤون الهجرة بمكتب الجالية الموريتانية في ولاية لويزيانا، والتي أوضحت ” أن: “حضور جلسات المحاكمة ملزم وفي حال عدم حضور إحدى الجلسات، فإن ذلك سيمكن القاضي من إصدار قرار بترحيل المهاجر إلى بلده”.
ويدرس القاضي طلب اللجوء ويتأكد من صدق ادعاءات المهاجر بالحاجة الضرورية للاستقرار في أميركا بسبب التعرض لمضايقات على أساس الرأي السياسي أو تمييز عرقي أو ديني أو مجتمعي، وبالتالي لا بد من تقديم معلومات دقيقة في الطلب تتوافق مع الردود أثناء المحاكمة حتى يقنع المهاجر القاضي بأنه صادق في معلوماته، كما تقول كراوتش، مشيرة إلى أن محكمة اللجوء توفر مترجما لغير الناطقين بالإنكليزية وتمنح المهاجر إمكانية الدفاع عن نفسه إن لم يتمكن من إحضار محام، وتقول: “بخصوص طلب إذن العمل والحصول على رقم الضمان الاجتماعي يمكن للمهاجر تقديمه بعد 150 يوما من وقت دخوله أراضي الولايات المتحدة الأميركية، ودائرة الهجرة ملزمة بمنحه إذن العمل بعد تلك المدة”.
الحياة في انتظار إذن العمل أو الترحيل
يتابع الناشطون من الجالية الموريتانية أوضاع المهاجرين بعد احتجازهم من أجل تقديم المساعدات القانونية والقضائية لهم،حيث تقوم مكاتب الجالية على مستوى كل ولاية بالمساعدة في توفير ما تستطيع من الطعام والملبس ومساكن لمن تم إطلاق سراحهم بضمان، مع وضعهم تحت الرقابة القضائية إلى أن تحل مشاكلهم ويحصل المهاجر على قرار قضائي يسجل بموجبه اسمه وعنوانه في المدينة، وبعدها تتم مساعدته في الحصول على عمل مؤقت حتى يجد ما يناسبه من وظائف ويتمكن من دفع إيجار مسكن ليعيش معتمدا على نفسه
الوضع صعب في نيويورك، لكنه أفضل من البطالة في نواكشوط
لكن ولد محمدو، عمل بشكل غير قانوني في محل يملكه مهاجر يمني يدفع له أسبوعيا 500 دولار، إذ لم يحصل على تصريح عمل، كما يعمل بالإضافة إلى ذلك في ورشة إصلاح سيارات بدوام 6 ساعات يوميا مقابل 600 دولار أسبوعيا، حسب قوله، مضيفا: “الوضع صعب في نيويورك، لكنه أفضل من البطالة في نواكشوط”. وتكرر الأمر مع ولد الشيخ الذي استقبله أحد الأقارب في نيويورك وبات يعمل في محل تجاري، كما يقول، مضيفا: “أتمنى الحصول على تصريح عمل حتى أحظى بفرصة أفضل ويمكنني العمل كسائق تاكسي”.
ويرد المصدر العامل في السفارة الموريتانية على ما رصده التحقيق من أوضاع المهاجرين، بأن دور السفارة الأساسي يتمثل في العمل الدبلوماسي، والسعي من أجل مصالح الجالية التي دخلت إلى البلاد بشكل شرعي، مضيفا: “وإن كنا لا نتورط في شؤون المهاجرين غير الشرعيين، لكن من يصل إلى مكاتبنا ويطلب العون لن نتردد في دعمه بكل السبل المتاحة”.
تحقيق العربي الجديد