يا مرحباً بأشقائي واخوتي غير العرب! / فيصل القاسم
من بين القضايا التي برزت أثناء بطولة كأس العالم الأخيرة قضية الهويات في العالم العربي، وقد احتج مثلاً الكثير من الأخوة الأمازيغ في بلاد المغرب بشكل عام، على اعتبار أن الانتصارات التي حققها المنتخب المغربي في تلك البطولة انتصارات عربية. لا بل إن البعض شدد على أن غالبية المنتخب أمازيغيون وليسوا عرباً. وقد قرأنا وشاهدنا الكثير من الاحتجاجات القوية من أخوة أمازيغ في مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى على شاشات قنوات دولية، حيث دافع بعض الناشطين الأمازيغ عن هويتهم بقوة، واعترضوا على تعريب بعض المنتخبات، وأكدوا على أن العديد من اللاعبين، الذين أبهروا العالم بأدائهم الرياضي في بطولة كأس العالم، لم يكونوا عرباً ـ كما صورهم الإعلام العربي ـ بل هم أمازيغ أقحاح ولا يمتون للعرب والعروبة بصلة.
وفي رأيي المتواضع لا بأس في أن تحافظ المكونات على أسماء هوياتها في بلادنا، وأن تعتز بها وأن ترفض أي تسميات عربية مفروضة عليها، وهذا من حقها، ويجب على المؤمنين بحقوق الإنسان ألا يعترضوا على كل من يحاول الاحتفاظ بأصله وفصله القومي، داخل ما يسمى بالعالم العربي.
لا أدري لماذا الاعتراض على بعض الصرخات، التي أطلقها بعض الأخوة الأمازيغ، لتمييز أنفسهم عن العرب في الأسابيع القليلة الماضية. دعوهم يتميزون ودعوهم يفتخرون بقوميتهم، فهذا من حق الجميع، وليس من المحبب أن يحاول أحد فرض التعريب أو غيره على أي مكون في المنطقة، وطبعاً ليس من حق أحد أن يحرم العرب أيضاً من هويتهم والتسميات القومية، التي يستخدمونها لتمييز أنفسهم عن القوميات والأعراق الأخرى.
ماذا يضير العرب لو أن كل مكون حاول أن يحافظ على لغته وهويته واسمه في إطار الدولة والوطن، ففي نهاية النهار مهما تميزت بعض المكونات، ومهما حاولت أن تتعصب لهوياتها الخاصة، فهي بالمحصلة مندمجة ثقافياً ودينياً، وحتى لغوياً في الإطار العام، بشكل مباشر أو غير مباشر، وسواء بوعي أو لا وعي. كل المكونات الدينية والعرقية التي تعيش في بلادنا انصهرت أصلاً في الثقافة العامة للبلاد، حتى لو ظلت تتمسك بأسماء قومياتها الأصلية ليل نهار. فهي في نهاية المطاف أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الإطار العام لتلك البلاد وشعوبها، لأنها تنتمي إلى الدين نفسه، لا بل إنها تتقن اللغة العربية في بعض الأحيان بشكل أفضل من العرب أنفسهم. وقد سمعت بعض الناشطات الأمازيغيات على بعض القنوات الأوروبية، وهن يفاخرن بأنهن يتحدثن العربية أفضل من الكثير من العرب، وهذا لا شك صحيح.
لا بد من التذكير بأن المكونات القومية للعديد من بلادنا تتشابه إلى حد كبير في الأشكال، بحيث يصعب كثيراً في بعض الأحيان التمييز بين المكون العربي وبقية المكونات، وبالتالي تصبح مسألة صراع الهويات في بعض البلدان مجرد ترف ثقافي وأكاديمي
ولا ننسى أن العادات والتقاليد تتشابك بين المكونات، بفعل الاحتكاك والتزاوج الاجتماعي، فيصبح التمييز بينها صعباً، لا بل مستحيل أحياناً، لأنها اندمجت ببعضها البعض بشكل كبير، مما يجعل التسميات القومية لهذا المكون أو ذاك مجرد تسميات معنوية، لأن الواقع أقوى بكثير من التسمية. ولا بد من التذكير بأن المكونات القومية للعديد من بلادنا تتشابه إلى حد كبير في الأشكال، بحيث يصعب كثيراً في بعض الأحيان التمييز بين المكون العربي وبقية المكونات، وبالتالي تصبح مسألة صراع الهويات في بعض البلدان مجرد ترف ثقافي وأكاديمي وجدل بيزنطي لا يقدم ولا يؤخر.
ويعتبر بعض المفكرين أن اللغة والثقافة والدين هي أقوى أساس «قومي» بين قوسين طبعاً، لا بل يرونها أيضاً من أهم أساسيات الدولة، وإذا كانت بعض المكونات التي تريد تمييز نفسها قومياً وعرقياً عن باقي المكونات تؤمن بنفس الدين، وتتحدث نفس اللغة وتمارس نفس الثقافة، فوق نفس المجال الجغرافي، فهي، شاءت أو أبت، قد انصهرت في المجموع العام لأي بلد. ويقول الدكتور كامل العجلوني مثلاً: «المسيحيون في الأردن ليسوا مسيحيين عرباً، بل عرب مسيحيون».
ولطالما سمعنا مفكرين وكتاباً مسيحيين في بلادنا يؤكدون على أنهم مسيحيون بثقافة إسلامية، أو أنهم مسيحيون، لكن ثقافتهم إسلامية. هل يمكن أن تميز فعلاً بين عربي مسلم وعربي مسيحي أو درزي في الثقافة واللغة والاجتماع؟ مهما كانت الاختلافات تبقى طفيفة، وليست ذات أهمية، لأن أواصر التلاقي والاندماج أكثر وأكبر بكثير من مسببات التفاصل والتباعد، وحتى التميز. وقبل أن تظهر لوثة الطائفية مع وصول النظام الطائفي السوري إلى السلطة مثلاً، لم يكن السوريون يميزون بين بعضهم البعض، ولم يكن التلميذ في المدرسة يعرف أن الذي بجانبه مسيحي، أو علوي، أو درزي أو مسلم أو كردي أو آشوري أو سرياني أو تركي أو أرمني، لأن الروابط الثقافية والاجتماعية أقوى بكثير من الهويات العرقية والدينية. وكذلك الأمر في العراق قبل الغزو الأمريكي.
وقد سمعت أخوة مسيحيين يقولون إنهم يستمتعون كثيراً بصوت الأذان، لأنهم عاشوا وتربوا وترعرعوا منذ نعومة أظفارهم مع هذا الصوت، وأصبح جزءاً لا يتجزأ من تركيبتهم وذائقتهم النفسية والاجتماعية والثقافية. فإذا كان الأمر كذلك في الشأن الديني وهو أكثر حساسية، فما بالك إذا كان هذا المكون أو ذاك كالمكون الأمازيغي مثلاً أخاك في الدين والثقافة واللغة والاجتماع والعادات، والتقاليد، والهيئة والجغرافيا.
دعوا كل المكونات تحافظ على تسمياتها القومية والعرقية الخاصة، ودعوها تدافع عنها بأي طريقة، ودعوها تمارس طقوسها وثقافتها ولغتها، ودعوها تفتخر بها، ففي آخر النهار هي جزء لا يتجزأ، وركن أصيل متشابك ومندمج ومتفاعل وذائب بقوة بالمجموع الثقافي العام، وهو أقوى وأهم من كل المكونات، صغيرها وكبيرها.
كاتب واعلامي سوري
[email protected]