المصطفى ولد بدر الدين : نضال الشعب الصحراوي ضد المغرب هو نضال بالنيابة عن جميع شعوب المنطقة ضد التوسع المغربي
الشروق / في البداية وجب الإشارة إلى أن اللقاء الذي أجريناه مع السيد محمد المصطفى ولد بدر الدين كان مبرمجا لإحياء اليوم الوطني للشهيد الذي يصادف 9 يونيو من كل سنة يوم استشهاد الولي مصطفى السيد، لكن نظرا لظروفه الصحية تم تأجيله، وعلى الرغم من وعكته الصحية أبى المناضل والأمين العام لحزب اتحاد قوى التقدم إلا أن يسجل شهادته ومواقفه.
ونظرا لمكانته التاريخية ، وبما أنه يعتبر الشخصية الوحيدة التي شاركت عن الأحزاب التقدمية في المؤتمر الثاني للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب “البوليساريو” 1974، مشكلًا بذلك جسرا من جسور التواصل والتقارب والتعاون بين الصحراويين والموريتانيين، وتعرفه على الشهيد الولي مصطفى السيد والقيادات الصحراوية عن قرب، كلها مميزات تؤهله للحديث عن تلك الفترة التاريخية، ولتقييم مستوى العلاقات الموريتانية الصحراوية، ومختلف التطورات في المنطقة عموما.
محمد المصطفى ولد بدر الدين الأمين العام لحزب اتحاد قوى التقدم الموريتاني، والنائب البرلماني السابق، من أبرز الوجوه السياسية والنضالية في موريتانيا، ولد حوالي سنة 1938 بمنطقة صنكرافة.
من الآباء المؤسسين لنقابة المعلمين العرب قبل استقلال موريتانيا سنة 1960، التي انتخب في مكتبها التنفيذي قبل أن يصبح نقيبا للمعلمين عام 1966 إلى غاية 1969. رئيس تحرير أول جريدة للمعارضة الموريتانية التي أطلق عليها آنذاك “الواقع”.
و يعتبر محمد المصطفى ولد بدر الدين من بين أبرز القيادات التاريخية في موريتانيا، وهو سياسي مخضرم عايش كل الأحداث التاريحية منذ استقلال بلاده إلى الآن. إشعاع نضاله المستميت ضد كافة أشكال الظلم والاستعمار والاضطهاد، تجاوز حدود موريتانيا الجغرافية ووصل مداه إلى أبعد موريتانيا الجغرافية ووصل مداه إلى أبعد الحدود، فهو من المناضلين الأوائل الذين رافقوا وساهموا في مسيرة كفاح الشعب الصحراوي التحررية ضد الاستعمار الإسباني وبعده الاحتلال المغربي التوسعي.
وبناء على الصفات السابقة ارتأينا أن نطلق عليه بكل جدارة واستحقاق في قسم الأبحاث والدراسات التابع لهيئة تحرير “البورتال ديبلوماتيك” لقب العميد، ونجري معه كسياسي مخضرم ساهم في بناء جسور التواصل بين الشعبين الشقيقين هذا اللقاء الشيق، لننهل من شلال معرفته الواسعة وباعه الطويل في النضال.
البورتال ديبلوماتيك: عودة قليلا للتاريخ ماهي شهاداتكم عن ظروف انعقاد المؤتمر الثاني لجبهة البوليساريو 1974 الذي شرفتموه بحضوركم؟
العميد محمد المصطفى ولد بدر الدين: المؤتمر الثاني الذي انعقد فوق الأراضي الصحراوية وفي سرية تامة، كان بمثابة ترسيخ للبوليساريو كحركة تحرير وطنية. بعد تلقينا دعوى للمشاركة في المؤتمر ذهبنا إلى الزويرات أين التقينا بوفد من البوليساريو يقوده محمد لمين ولد أحمد الذي أصبح فيما بعد وزيرا أولاً في أول حكومة صحراوية.
ركبنا من الزويرات في لاندروفر مكشوفة و معنا محمد لمين و أربع أو خمس شبان. …دام السفر ليلتين و يومين. كان الجو متوترا في المنطقة رغم أن الحرب لم تبدأ…
والمؤتمر نظم في مكان خالي من السكان.
وبعد وصولنا للمكان المحدد بدأ توافد المؤتمرون، كان أغلبهم شباب لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين سنة. وتميز بحضور عديد من الشابات و هو الأمر الذي لفت انتباهي خاصة حماسهن.
بعد قراءة التقرير الأدبي من طرف الشهيد الولي مصطفى السيد الذي تطرق فيه لمراحل النضال ورسم الآفاق، كان واضحا أن خيار البوليساريو هو الكفاح المسلح حتى النصر.
كنت أنا الحاضر الأجنبي الوحيد و كنت أمثل الحركة الوطنية للديمقراطيين.
سعدوا كثيرا بمشاركتي و أجريت عديد اللقاءات مع القادة، الولي و محمد عبدالعزيز و بقية الشباب الذين كانوا مثقفين و متحمسين.
ملاحظتي أنه وبعد حوالي العام من انعقاد المؤتمر أصبحت الجبهة حركة تحرير وطنية كبيرة، وصيتها كبير نتيجة لانتهاج الكفاح المسلح كطريقة للتحرير، وسلامة الخط، وحسن بصيرة قادتها وخصوصا الولي مصطفى السيد.
البورتال ديبلوماتيك: بالنظر إلى يوم الشهداء المصادف لتاريخ استشهاد الولي مصطفى، ماهي أهم الصفات التي لاحظتها فيه كزعيم؟
العميد مصطفى ولد بدر الدين: التقيت الولي في نواكشوط قبل المؤتمر أنا و مجموعة من الحركة الوطنية للديمقراطيين.
تبين فيه أنه زعيم تتوفر فيه كل صفات الزعيم الثوري: نكران الذات، الانفتاح و القدرة على التواصل مع الناس و شدة الاقتناع بالمبدأ الذي يحمله.
عندما رأيت عمله في المؤتمر و قدرته على تنظيم ذلك المؤتمر التاريخي، تأكد لدي هذا الانطباع أنه قائد تاريخي.
إذن استشهاده فجر الشعلة الكامنة في الشعب الصحراوي وأدت إلى اشتعال الثورة بشكل لم يكن يتصوره أحد.
ليتواصل الكفاح ضد الدولة المغربية حتى تدخلت أمريكا و فرضت وقف إطلاق النار لأن المملكة المغربية كانت ستهزم. هذا يرجع بطبيعة الحال للشعب الصحراوي، ولكن قيادة الشهيد الولي مصطفى السيد كانت عاملًا مهمًا في تحقيق هذه الانتصارات.
البورتال ديبلوماتيك: ماهو دور النخب المثقفة الموريتانية و الصحراوية في تقوية العلاقات بين موريتانيا و الجمهورية الصحراوية؟
العميد محمد المصطفى ولد بدر الدين: بالنسبة لموقف النخب الصحراوية والموريتانية تجاه توطيد العلاقة بين الشعبين الموريتاني والصحراوي، أعتقد أنها مرت بمراحل.
أثناء الحرب سار بعض النخب الموريتانية مع النظام الموريتاني آنذاك في سياسة التوسع مع الملك المغربي الحسن الثاني، ولكن بقت مجموعة من النخب ترفض ذلك وتساند الشعب الصحراوي في كفاحه، وترفض الحرب عليه ومع التطورات في المنطقة كان موقف تلك النخبة هو الذي ساهم في إنقلاب 10 يوليو 1978، لأن ذلك الانقلاب هدفه الرئيسي كان توقيف الحرب وإعادة العلاقة بين الشعبين الصحراوي والموريتاني.
منذ ذلك الوقت إلى الآن بدأت النخب الموريتانية تعي أن قضية الشعب الصحراوي هي جزء لا ينفصل عن قضية التحرر في العالم و كذلك استقلال موريتانيا و سيادتها التي تهددها الأطماع التوسعية المغربية.
هذا الوعي ينعكس في اللقاءات المتكررة مع وفود البوليساريو التي تزور موريتانيا و استقبالها من طرف الأحزاب و الحكومة. وكذلك الوفود الموريتانية التي تشارك في مؤتمرات البوليساريو و تزداد بأعداد متنامية.
يظهر ذلك كذلك في أن دعائم النظام المغربي في موريتانيا اليوم أصبحت متراجعة، و لا يحملها إلا جماعة قليلة من المتمصلحين الذين يريدون النقود من المغرب و لكن المغرب لم يعد لديه ما يعطيه.
وبالتالي فإن العلاقة بين النخب الموريتانية و الصحراوية تتقدم و تتوطد و لكن يجب أن تطور و تثمن من طرف قيادات البوليساريو و الأحزاب و خصوصا المعروفة بمساندة القضية الصحراوية.
أعتقد أن الآفاق مفتوحة وواعدة و أن المغرب سينعزل في هذه المنطقة و خصوصا في موريتانيا.
البورتال ديبلوماتيك: ماهو تقييمك للموقف الموريتاني الرسمي الممتاز من القضية الصحراوية؟
العميد محمد المصطفى ولد بدر الدين: الموقف الموريتاني لا أقول أنه ممتاز.
أقول أنه التزم بالحد الأدنى.
موريتانيا يجب أن تعرف أن النضال الذي يقوم به الشعب الصحراوي ضد التوسعية المغربية، هو نضال بالنيابة عن جميع شعوب المنطقة ضد التوسعية المغربية و من أجل حماية موريتانيا من هذه الأطماع.
لأنه لولا نضال الشعب الصحراوي و صموده لكانت المعارك الآن في موريتانيا.
لأن القادة المغاربة لديهم قناعة تقول أن موريتانيا جزء من أرضهم.
الموقف السليم هو الموقف الذي تتبناه الجزائر، التي تساند بدون قيد أو شرط القضية الصحراوية لأنها تفهم أنها قضية تصفية استعمار شعب، هو الوحيد الذي يقبع تحت الاحتلال بالإضافة إلى الشعب الفليسطيني.
الشعب الصحراوي يناضل ضد التوسعية المغربية التي تهدد المنطقة برمتها.
على الأقل موريتانيا كان يجب أن تتبنى نفس الموقف الذي تتبناه الجزائر، على الأقل يجب تقوية الموقف الحالي حتى تتغير الأوضاع في موريتانيا.
وفي الأخير نتمنى باسم هيئة تحرير “البورتال ديبلوماتيك” لعميد السياسيين والمناضلين الذي يعتبر مثالا يحتذى به في النضال كل الصحة والعافية وطول العمر.