لَوْثَةُ الأَسْمَاءِ الخَادِشَةِ للذًوْقِ العَام!! / المختار ولد داهي
أعلنت وزارة الإسكان و العمران و الاستصلاح الترابي خلال الأشهر الماضية عن إجراء مناقصة استشارية من أجل اختيار خبير أو فريق خبراء سيكلف بإجراء دراسة “تُوبُونِيمِيًةٍ” بموريتانيا ( و التُوبُونِيمْيَا” Toponymie”هي دراسة تاريخ و أصول و دلالات أسماء الأماكن و القري و التجمعات السكنية).
و لقد أحسن القائمون علي هذه الوزارة الاختيار ذلك أن الأسماء القديمة للأماكن ببلادنا تختزل تاريخا عريقا و تراثا تليدا و كنزا رمزيا فريدا في حين أصيبت معظم الأسماء الحديثة للقري و التجمعات العشوائية و الأحياء السكنية عندنا بفيروس “التقليد الأعمي” و “الاسْتِنْسَاخِ الأَعْرَجِ”!!
و لقد تمنيت أن تَحْذُوً وزارة الداخلية حَذْوَ وزارة الإسكان فتتخذ الإجراءات المناسبة من أجل إعداد دراسة “آَنْترُوبونِيمِيًةٍ” (الآَنْترُوبونِيمْيَا” Anthroponymie”هي دراسة أصول و تاريخ و دلالات أسماء الأشخاص).
ويجدر أن تَسْتَكْنِهَ تلك الدراسة أصول و تاريخ أسماء الأشخاص ببلادنا و تقترح تطهير الحالة المدنية للبلد من لوثة الأسماء المستوردة و المُنتجة محليا الخادشة كليا أو جزئيا للذوق العام و التي منها مثلا لا إحصاء عددا:-
أولا:الأسماء المُمَجِدَةُ للاسترقاق و العنصرية: و من المعلوم أن بعض أسماء و ألقاب الأشخاص ببلادنا- و إن كان قليلا- يحمل شحنة دلالية تُمَجِدُ المجرم المُسْتَرِقً أو تذل الضحية المُسْتَرَقً أو تطفح بالعنصرية و الكراهية البغيضة و عليه يجب تحريم و تجريم تداولِ ذلك النوع من الأسماء و الألقاب الذي يمثل إحدي رواسب العبودية كما يجسد أحد منتجات “القومية السلبية الضيقة”.
و للتوضيح يجب التفريق بين “القومية السلبية الضيقة” و”القومية الإيجابية المفتوحة”التي ساهمت و تساهم -فكرا مستنيرا و نضالا وَهًاجًا و عملا جامعا- في إحداث نهضة عاجلة بالمجتمع الموريتاني إلي مراتب العدل و المساواة و الازدهار…
ثانيا:الأسماء المخلدة للاستعلاء الطبقي و الفئوي و الشرائحي: ليس خافيا أن من الأسماء و الألقاب المتداولة لدي جميع أعراق البلد الأربعة (العرب، البولار، السوننكي و الوولف) – و إن علي تفاوت- ما يجاهر أو يستبطن الاستعلاء الطبقي و الفئوي و الشرائحي و عليه فإن الدراسة المرغوبة ينبغي أن تحصي هذا النوع من الأسماء و الألقاب و تُرَتِبَهُ حسب مؤشر الاستعلائية و تقترح الإجراءات المناسبة للقضاء عليه.
ثالثا:أسماء “الغزل الفاحش الماجن”: من المتواتر عليه لدي المجتمع الموريتاني وجود مجموعة من الأسماء أغلبها أسماء النساء تُحيل إلي الغزل الماجن و أقصد بالغزل الماجن “الغزلَ الذي يحرك الغرائز الجنسية”.
ومن المستعجل أن تتخذ الإجراءات المناسبة لتحريم إطلاق هذا النوع من الأسماء و الألقاب أو منع تداوله علي الأقل في الفضاء العام كالمدارس و الجامعات و المكاتب و الإعلام المرئي و المسموع و المقروء!!.
رابعا:الأسماء المستوردة من مشاهير منحرفي الفن و السينما و الرقص و عرض الأزياء: و في هذا الإطار حدثني أحد المتابعين لقطاع التعليم أنه أجري مسحا حول الأسماء الأكثر انتشارا بين تلميذات المستوي الإعدادي و الثانوي بإحدي مقاطعات نواكشوط.
فوجد أن عددا كبيرا منهن مسجلٌ مدنيا و رسميا و معروفٌ أهليا بأسماء بعض مشاهير الانحراف في دنيا الغناء و الرقص و السينما و عرض الأزياء علي المستوي العربي خصوصا و العالمي عموما و الأغرب من ذلك أن من بين هذه الفئة بنات شرفاء و علماء و أُمَراءَ و صُلَحَاءَ و نُبَهَاءَ.!!.
كما أن من هؤلاء الشرفاء و العلماء و الأمراء و الصلحاء و النبهاء من يلقبهم أبناؤهم ب” Papa “و لو أنهم علموا أن تلك التسمية أصل أو اشتقاق لتسمية البَابَا ” le Pape “الرئيس الروحي الأعظم للكنيسة الكاثلوكية لأُسْقِطَ في أيديهم و لكان لهم رأي و موقف آخر…!!
خامسا: الأسماء الإيديولوجية و الطائفية: ينتشر في بلادنا بشكل لافت إطلاق أسماء أعلام ورموز المدارس الإيديولوجية العربية و العالمية و المذاهب الطائفية الإسلامية علي الأبناء و حتي البنات!!.
و هو أمر لا يخدش الذوق العام مطلقا لكن فيه من السلبيات أنه نوع من “توريث الإييولوجيا و الطائفية”و “نقلها الفطري” من السلف إلي الخلف مما قد يسبب حرجا للمُوًرًثِ إذا كبر و اقتنع بمذهب ايديولوجي أو طائفي آخر فصار أمام خياري الكفران “بإيديولوجيا و طائفة الفطرة” أو التًقِيًةِ و الصبر علي خط فكري أو طائفي ما هو بالوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه!!..
كما قد يُسبب توريث الإييولوجيا حرجا للمُوًرِثِ الذي قد تتطور و تتغير قناعاته الإييولوجية أو الطائفية خلال مسار حياته فتكون تسمية الأبناء شاهدا ناطقا علي ماض ولاه ظهريا و يود أن يكون نَسْيًا مَنْسِيًا!!
سادسا: أسماء الولاء السياسي الموسمي: يتندر الموريتانيون بسلوك بعض رموز “المجتمع الجديد” الذين يطلقون علي أبنائهم و بناتهم أسماء بعض الرؤساء و القادة الوطنيين أو أفراد عائلاتهم حتي إذا أَفَلَ نجم أولئك أُصيب الآباء و الأبناء بحرج شديد وسارعوا إلي تغيير الأسماء.
و هذا النوع من النفاق السياسي يَخْرِمُ المروءة و يَخْدِشُ الذوق العام و تجدر أن تنتبه له الدراسة المقترحة و تستشرف له الحلول الوقائية و العلاجية المناسبة.
تلكم بِزَعْمِي مبررات كافية لأخذ الحكومة قرارا عاجلا بإجراء دراسة “آنترُوبُونومية” تغوصُ في أصول و تاريخ و دلالات الأسماء الموريتانية التليدة و تحيي منها ما احتفي و اندرس و تُطهرُ الحالة المدنية الموريتانية الحالية من كل الأسماء القديمة أو المستوردة الخادشة كليا أو جزئيا للحياء و المروءة و حقوق الإنسان و الذوق العام…!!