روسيا : الشراك والمطبات في قضية أوكرانيا
الشروق / حسب معطيات الواقع ومنذ تورط أمريكا وحلفاؤها في حروب ظالمة عبر العالم بذرائع أضحت واهية في ما بعد ، وبالنظر إلى دعم روسيا لها أحيانا في هذا التوجه لحاجة في نفس هذه الأخيرة ، تكمن أساسا في جعل الغرب يستنزاف بعضا من قدراته العسكرية وإمكانياته الإقتصادية ، ويدفع ثمن سمعته السياسية كلما ظهرت الحقيقة وإنقلب السحر على الساحر.
من المؤكد أن مسايرة روسيا للغرب في توجهه منذ العام 1991، كان الغرض منه تعزيز قوتها العسكرية والإقتصادية والتمهيد لتوسيع نفوذها عبر العالم ، وكل ذلك كان نتيجة دهاء فلادمير بوتين وغيرته على عظمة روسيا وكبريائها المحاصر ، وإصراره في المقابل على الثأر من أمريكا بسبب دورها الفاعل في تفكيك الاتحاد السوفيتي وهيمنتها على المشهد العالمي برمته .
في ظل هذا الوضع دفع الغرب الثمن من قدراته العسكرية والاقتصادية ومن سمعته السياسية أيضا التي أصبحت في الحضيض بسبب الخداع والتسويق الاعلامي في كل الأحوال للأكاذيب والمغالطات وللشرعية الدولية الزائفة .
لقد إستغل بوتين كل هذه الأفعال والتجاوزات الغربية المدفوعة بحب التسلط والهيمنة وتعزيز النفوذ في مختلف بقاع العالم ، لخدمة روسيا والرفع من شأنها بناء على حسابات إستراتيجية مدروسة قد تعطي ثمارها في أفق منظور ،والأمر هنا يتعلق بتقوية قوة روسيا العسكرية والرفع من قدراتها الاقتصادية بالإضافة إلى بناء تحالفات قوية من شأنها تقويض الهيمنة الأمريكية وتجاوزاتها السافرة ، كل ذلك كان يتم الاعداد له في أفق موعود ستواجه فيه روسيا وحلفاؤها الغرب بأكمله ، وبالتالي أراد بوتين اليوم لفت الأنظار إلى عالم جديد تشكلت معالمه منذ مدة وحان تجسيده على أرض الواقع لإنهاء عقود من أحادية القطبية .
ولذلك أراد بوتين أن تكون قضية أوكرانيا بداية للاعلان عن نظام دولي جديد ، فأكرانيا اليوم تعد بمثابة الغشة التي ستقصم ظهر البعير حربا أو سلما ، وعليه يبدو أن روسيا حسمت أمورها بشأن الدفاع عن محيطها الجيوسياسي وأمنها القومي ، والتصدي لأي توسع غربي على حدودها ، ووضعت كل الحسابات لذلك ولمختلف السيناريوهات التي قد تتخذها أمريكا وحلفاؤها .
قد يظن البعض أن روسيا تغامر بنفسها في حرب مستقبلية غير متكافئة ، وهذا تخمين خاطئ بالنظر إلى التاريخ وتطورات الأوضاع وحقيقة والواقع .
لقد ولى عهد القطب الواحد والهيمنة الأمريكية والغرب عموما على العالم ، وبوتين لم يطلب موافقة مجلس الدمى الروسي على خططه عبثا ، فالرجل جاد وحاد الذكاء وبارع في إتخاذ القرارات والمواقف المناسبة متى تطلبت مصلحة روسيا ذلك ، وفوق كل هذا يعرف بوتين جيدا من أين تأكل الكتف عندما يحاول الغرباء الأكل معه في إناء واحد .
في رأيي الخاص وحسب متابعتي للصراع على الزعامة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي ، وبرامجهما لغزو الفضاء وسباقهما نحو التسلح وصولا إلى الحرب الباردة بينهما ، وسياسة البيروسترويكا التي إنتهجتها إمريكا ضد الاتحاد السوفيتي وفرضتها على ميخائيل غورباتشوف وكانت هي السبب الأبرز في إنهيار وتفكك الجمهوريات الخمس عشرة للإتحاد السوفيتي آنذاك .
في رأيي أن تلك الأحداث لم تغب يوما عن بوتين الذي ظل يعد العدة لأخذ الثأر والرد على أمريكا بالمثل أو باكثر منه ، وهذا ما يجعلنا نتنبأ اليوم بانهيار وشيك للولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أصبحت روسيا منافسا عسكريا ، والصين حليفتها منافسا إقتصاديا ، وهو الأمر الذي سيكون وبالا على أوروبا بوصفها ظلا لصيقا لأمريكا في كل مآرب الظلم والعدوان ، وقد يجعلها تتخبط في ازمة إقتصادية حادة اليوم قبل غد ، لا سيما في مجال الطاقة وخاصة الغاز ، وهو ما ستكون له إنعكاساته السياسية السلبية على الإتحاد الأوروبي ، وربما تؤدي إلى تفككه في وقت من الأوقات عندما تلجأ كل دوله من دوله إلى البحث عن علاقات جديدة تكفل لها مصالحها الحيوية الخاصة .
في هذه الحالة لاشك أن كل الدول الأوروبية الملوحة بالعقوبات على روسيا إلى جانب أمريكا ، ستكون هي أول من سيدفع الثمن وستشهد إضطرابات واحتجاجات ، لا بل وثورات على أنظمتها المفتونة بالتبعية العمياء لأمريكا والسير في فلكها بسرعة متهورة لا تضع في الحسبان شراك روسيا ومطبات حلفائها القادرة على قلب الموازين إن إتجهت الأمور نحو حرب عالمية ثالثة .
بقلم : محمد حسنة الطالب