الإدارة الجهوية للعمل الاجتماعي بكوركول: حضورٌ ميداني يرسّخ العدالة الاجتماعية

كيهيدي – الشروق نت
في عمق ولايةكوركول ، حيث تتداخل التحديات الاجتماعية والمعيشية، تبرز الإدارة الجهوية لوزارة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة في ولاية كوركول كفاعل محوري في تحويل السياسات الاجتماعية من تعهدات مركزية إلى واقع ملموس. فبخطى حثيثة وتدخلات ميدانية دقيقة، نجحت الإدارة في تكريس حضور فعّال لصالح الفئات الهشة، عبر برامج منسقة تستجيب لحالات الطوارئ وتؤسس لحماية اجتماعية أكثر عدلاً واستدامة.
—
استجابات فورية لحالات إنسانية حرجة
في أواخر مايو 2025، لبّت الإدارة الجهوية نداء أسرة فقيرة في قرية “ولو منير” بمقاطعة كيهيدي، رزقت بثلاثة توائم، حيث قدّمت دعماً مالياً عاجلاً بلغ 200,000 أوقية قديمة، بإشراف مباشر من المديرة الجهوية السيدة حواء الداي مسعود. سبق ذلك تدخل مماثل في مونكل، في خطوة تعكس نضجًا مؤسساتيًا في التعامل مع حالات الإنجاب المتعدد، بما تحمله من أعباء طبية ومعيشية تتجاوز قدرة الأسر الهشة.
هذه التدخلات، وإن بدت جزئية، تؤسس لمنهجية استباقية تستند إلى تشخيص اجتماعي مباشر وتقدير واقعي للاحتياجات، ما يُعيد الاعتبار لمفهوم الرعاية الاجتماعية بوصفها حقًا لا مِنّة.
—
التضامن الموسمي والتمكين الصحي: وجهان لمنظومة الحماية
مع حلول عيد الأضحى للعام الجاري، أطلقت الإدارة الجهوية مبادرة “أضحيتي” في كوركول، تم خلالها توزيع 100 أضحية على الأسر الأكثر هشاشة، بالتعاون مع شركاء مثل “موريبوصت” و”موريتل”، وبرعاية السلطات الإدارية. المبادرة تجاوزت بعدها الرمزي، لتشكّل رافعة موسمية لتعزيز التضامن الأسري وتخفيف أعباء العيد على الفقراء.
وفي سياق مشابه، واصلت الإدارة تنفيذ برنامج “تضامنية رمضان” للسنة الثالثة تواليًا، حيث استفادت 572 أسرة في عام 2025 من تحويلات مالية مباشرة قدرها 5000 أوقية جديدة للأسرة، وهو نفس عدد المستفيدين في 2024، في حين بلغ عددهم 469 أسرة سنة 2023، ليصل إجمالي المستفيدين إلى 1613 أسرة خلال ثلاث سنوات، مما يعكس انتظام الدعم وتوسعه التدريجي.
أما على صعيد الحماية الصحية، فقد ساهمت الإدارة في توسيع نطاق التأمين الصحي عبر توزيع بطاقات العلاج المجاني على المئات من الأسر، ضمن البرنامج الوطني للتأمين الصحي الشامل. وتمثل هذه الخطوة امتدادًا لرؤية حكومية تسعى لدمج أكثر من 620,000 شخص في النظام الصحي الوطني، بدءًا بالفئات الأكثر هشاشة كالأرامل، وذوي الإعاقة، والمصابين بالأمراض المزمنة.
ويُضاف إلى ذلك دعم مباشر قدمته الإدارة الجهوية لصالح 20 مريضًا يعانون من الفشل الكلوي، بمبلغ سنوي يبلغ 180,000 أوقية قديمة لكل مريض، إضافة إلى تغطية كاملة لتكاليف جلسات التصفية، فضلًا عن تسيير “صندوق دعم المرضى المعوزين” في المستشفى الجهوي، والذي يُغطي تكاليف العلاج للحالات التي لا تملك القدرة على الدفع.
—
“طموحي”: الرقمنة في خدمة الإنصاف الاجتماعي
في ربيع هذا العام، أطلقت الإدارة حملة جهوية ضمن برنامج “طموحي”، وهو نظام رقمي يهدف إلى تحسين الاستهداف وتسهيل الولوج إلى الدعم الحكومي، ويُركّز هذا البرنامج في كوركول على الحالات المصابة بالأمراض المزمنة، ويُدار على نحو منفصل عن قاعدة البيانات الأساسية التابعة للإدارة الجهوية، والتي تشمل معيلات الأسر وذوي الإعاقة، وتتم عملية التسجيل فيها مباشرة من خلال الإدارة نفسها.
هذا التوجه الرقمي يُعد تحولًا بنيويًا في العمل الاجتماعي، إذ ينقل الإدارة من مرحلة التوزيع العشوائي إلى منظومة بيانات دقيقة تُحصّن الإنصاف وتُقلّص هامش التكرار والحرمان، وتؤسس لثقافة مؤسسية قائمة على الاستباقية والمواكبة.
—
دعم الطفولة المبكرة ورعاية متعددة الأبعاد
إدراكًا لأهمية التعليم في مراحل الطفولة المبكرة، تولّت الإدارة الجهوية للسنة الثانية على التوالي رعاية التعليم ما قبل المدرسي، من خلال التعاقد مع 30 روضة أطفال، لتغطية رسوم 620 طفلًا ينحدرون من أوساط اجتماعية هشة، بكلفة سنوية بلغت 14 مليون أوقية قديمة. ويشكّل هذا التوجه استثمارًا ذكيًا في بناء رأس المال البشري وتقليص الفوارق التربوية بين الشرائح.
وفي ما يخص الأطفال متعددي الإعاقة، ترعى الإدارة 30 معاقًا، وتقدم دعمًا سنويًا لذويهم يبلغ 240,000 أوقية قديمة، في خطوة تُكرّس مقاربة إنسانية لرعاية الفئات الأكثر هشاشة، وتمنح الأولوية للعدالة في توزيع الرعاية.
—
شراكة فعالة… وإدارة تفاعلية
يعكس التنسيق المستمر بين الإدارة الجهوية وسلطات الولاية والمجالس المحلية والمؤسسات الخدمية، حرصًا على توطين العمل الاجتماعي ضمن بيئة مؤسسية منفتحة على الشراكة والمساءلة. وقد ساعد هذا النهج في تجاوز المركزية، وتوجيه الموارد إلى حيث الحاجة، ضمن رؤية تدمج العدالة المجالية بالعدالة الاجتماعية.
رغم ذلك، يُسجَّل غياب تقارير تقييمية منتظمة تُبرز بالأرقام حجم الإنجاز حسب المقاطعات، أو تُظهر أثر التدخلات على المدى المتوسط. ما يدعو إلى ضرورة إصدار نشرات دورية وشفافة، تعزّز الثقة وتُمهّد لتوسيع الاستفادة بناء على معايير واضحة.
—
كوركول… معمل للعدالة الاجتماعية الجهوية
بتنوعها الاجتماعي وعمق هشاشتها، تُمثّل ولاية كوركول مختبرًا حقيقيًا لقياس نجاعة السياسات الاجتماعية اللامركزية ، وتبدو الإدارة الجهوية اليوم أكثر نضجًا واستعدادًا لقيادة هذه التجربة، عبر أدوات تنفيذ فعالة، وتفاعل ميداني، وشبكات شراكة مدروسة.
لكن الحفاظ على هذا المسار يتطلب مزيدًا من الدعم المؤسسي، والتخطيط بعيد المدى، ودمج المجتمع المدني في التقييم والمواكبة، بما يضمن أن لا يبقى النجاح حبيس المبادرات الظرفية، بل يتحول إلى بنية مستدامة لرعاية إنسانية شاملة.
#تقرير عالي أحمد سالم الملقب البو