الحلقة الرابعة : إقصاء بلا مبرر وتمثيل بلا وزن .. مونكل تواجه معادلة مختلّة

تحقيق خاص – الشروق نت
في محطتها الرابعة، تواصل “الشروق نت” كشف خيوط التفاوت والخلل في خارطة التمثيل السياسي والإداري بولاية كوركول، ضمن سلسلة “كوركول بين التعدد والتوازن: مقاربات في عدالة التمثيل وشفافيته”. فبعد تسليط الضوء على كيهيدي، لكصيبة، ومقامة، تتجه البوصلة نحو مقاطعة مونكل، حيث تتجلى إحدى أبرز مفارقات التمثيل في الولاية: تمثيل لا يُحاكي الثقل الديمغرافي والاجتماعي، بقدر ما يُعيد إنتاج توازنات تقليدية ترسّخت في ظل منطق ما قبل الدولة، على حساب العدالة والمشاركة.
لمتونة.. ثقل انتخابي بلا تمكين إداري
رغم أن مجموعة لمتونة تُعد من أكبر المكونات الاجتماعية في مونكل، وتمتلك الأغلبية المطلقة من السكان، وينتمي لها عمد أربع بلديات من أصل خمس، فإن حضورها الإداري لا يرقى إلى ثقلها السياسي والاجتماعي. فعلى الرغم من أنها ظلت لعقود طويلة صمام أمان للأنظمة المتعاقبة، وقاعدة انتخابية صلبة تضمن الفوز في كل الاستحقاقات، فإن تمثيلها الوظيفي شهد تراجعًا غير مبرر، ما أثار استياءًا واسعًا في أوساطها.
وقد شكلت هذه المجموعة خلال وحدة صفها سنة 1992 الواجهة السياسية الأولى للمقاطعة بلا منازع.
غير أن احتكار التمثيل داخلها دفع أحد أبنائها حينها، وهو لمام ولد عبداو، إلى مقارعة النظام والترشح ضد مرشحه في انتخابات 2001، حيث نافس النائب الحالي أحبيب ولد اجاه مرشح النظام آنذاك، وفاز الأخير بفارق ضئيل في الشوط الثاني.
لتبدأ مرحلة أخرى من التهميش، خاصة في عهد الرئيس الأسبق محمد ولد عبد العزيز، حيث أدى موقف النظام من رموزها السياسية إلى الدفع بوجوه جديدة مثل جا ملل وسيدي محمد ولد غابر، ما ساهم في تعميق اختلال التمثيل الإداري والسياسي داخل المقاطعة، وهو الوضع الذي ما يزال مستمرًا حتى اليوم.
تحضر المجموعة سياسيًا من خلال:
الوزير السابق : لمام ولد تكدي
المفوض المساعد للأمن الغذائي: لمام ولد عبداو
أسرة أهل محم بابو (القطب ولد محمد بابو ، بون ولد القطب )
غير أن هذا الحضور لم ينعكس في خارطة التعيينات الإدارية، إذ لا تشغل المجموعة سوى منصب وظيفي سامٍ واحد المفوض المساعد للأمن الغذائي، بعد إقالة بون ولد القطب في مفارقة تدعو إلى إعادة النظر في آليات التعيين.
أتوابير.. صعود سياسي بدأ مع عهد ولد عبد العزيز
تُشكّل مجموعة أتوابير مثالًا على صعود سياسي وإداري منتظم، بدأ بالتبلور بشكل واضح مع مجيء نظام الرئيس الأسبق محمد ولد عبد العزيز، بعد سنوات من الغياب النسبي عن الواجهة السياسية عقب مرحلة النائب يحيى ولد أمخيطير، الذي كان يمثّل واجهة المجموعة في تسعينيات وبداية الألفية.
مع بداية حكم ولد عبد العزيز، برز أبناء غابر لأول مرة كأبرز رموز هذا الصعود :
حيث أصبح سيدي ولد غابر نائبًا عن المقاطعة، لأول مرة ، فيما عين شقيقه في أول حكومة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وزيرا للثقافة ، ثم مستشارا في الرئاسة، ليشكّلا ثنائيًا قويًا وليدا في مركز القرار السياسي والإداري .
سيدي محمد ولد أمخيطير، مستشار بوزارة الزراعة.
تمكين إداري بلا قاعدة انتخابية: خلل في المعادلة
في الوقت الذي تُهمّش فيه مجموعات وازنة ديمغرافيًا مثل لمتونة، وتحاول أخرى تثبيت حضورها في معادلة التمثيل كأتوابير، يبرز خلل بنيوي صارخ في مقاطعة مونكل: مكوِّن اجتماعي محدود عدديًا يهيمن على مفاصل الإدارة والقرار، دون قاعدة انتخابية فعلية تدعمه.
ففي مونكل – خلافًا لمقامة وكيهيدي ولكصيبة – لا يملك هذا المكوِّن قاعدة سكانية تُخوّله تحقيق أي مكاسب انتخابية عبر صناديق الاقتراع، ومع ذلك، تظل مفاتيح التعيين والتوجيه السياسي في قبضة رموزه، في استمرارية لنهج يرسّخ التمييز الإيجابي لمجموعة واحدة، ويقزّم دور بقية المكونات.
من أبرز رموزه:
الوزير السابق والمدير الحالي للوكالة الموريتانية للأنباء: جا ملل
الإطار بوزارة المالية: جالو آلاصان
الإطار بوزارة الصحة: الدكتور صو، الذي يُعد نموذجًا على تهميش داخل المجموعة نفسها، حيث لم يشفع له تاريخه السياسي ومكانته في كسر هيمنة جا ملل على التمثيل الإداري، رغم غياب الأخير عن الساحة السياسية الانتخابية.
ورغم هذا الضعف العددي، ما تزال التعيينات الإدارية تُفرغ لصالح هذه المجموعة، وهو ما يُكرّس تمثيلًا شكليًا يُجمّل الصورة ولا يُجسّد الواقع، ويُعمّق فجوة عدم الإنصاف داخل الولاية.
أولاد عبد الله.. من النفوذ المحلي إلى الحضور الوطني
تحظى مجموعة أولاد عبد الله بتمثيل معتبر سياسيًا وإداريًا، عزّز من حضورها في المشهدالسياسيوالإداري ، ومن بين أبرز أبنائها:
السفير في فرنسا: الدحه ولد التيس
المدير العام للضرائب: أعل ولد التيس
المكلف بمهمة في مندوبية “تآزر”: المخطار ولد التيس
النائب: أحبيب ولد اجاه (4 مأموريات متتالية)
محمد سعيد ولد أجاه، المدير المالي والإداري لوزارة الصناعة
وساعد النائب أحبيب ولد اجاه في بداياته السمعة السياسية والتاريخية لخاله المرحوم الداه ولد التيس، أحد مؤسسي الدولة الحديثة، قبل أن يظهر كأحد أعمدة السياسة في المقاطعة بانتخابه نائبًا سنة 2001 عن الحزب الجمهوري في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع، ليتعزز ذاك الحضور خلال نظامي ولد عبد العزيز وولد الغزواني، و يتولى رئاسة لجنة التحقيق البرلمانية في ملف العشرية، ثم لاحقا رئيس محكمة العدل السامية
أولاد طلحة وتاكاط.. صوت الحضور ومرارة التهميش
رغم الامتداد الجغرافي والسياسي لمجموعة أولاد طلحة، إلى جانب مجموعة تاكاط التي تشاركها نفس المجال البلدي، فإن تمثيلهما الإداري لا يزال محدودًا، وغالبًا ما يقتصر على التناوب على منصب عمدة البلدية، أو بعض المواقع الرمزية.
ويقتصر الحضور الفعلي للمجموعة على:
المدير خفر السواحل
الإطار بوزارة الاقتصاد: سيدي محمد زنفور
أما مجموعة تاكاط، فتعاني بالإضافة إلى التهميش والغبن الإداري، من الفقر والإقصاء التنموي الممنهج، دون أن تُقدم لها حلول فعلية، وهو ما يُعزى إلى إدارة مواقفها السياسية من المجموعة الأم في صنكرافة بمقاطعة مكطع لحجار.
صراعات الداخل.. تقسيم التمثيل داخل المكونات
ورغم ما يبدو من تمثيل قبلي واسع في مونكل، إلا أن كل مكوِّن اجتماعي يعاني داخليًا من انقسامات حادة وصراعات سياسية، تتمحور في معظمها حول النفوذ والتموقع داخل الوظيفة العمومية والمناصب السياسية، وهو ما يضعف من فرص تحقيق تمثيل متوازن وعادل، ويحوّل الساحة إلى حلبة تنافس محمومة يغيب عنها منطق التشارك والتكامل.
التهميش كوقود للتنظيم
في ظل هذا التفاوت، بدأت بعض الفعاليات المحلية في مونكل بإعادة تنظيم قواعدها الشعبية، سعيًا لفرض توازن جديد على خارطة القرار السياسي. ومن بين أبرز هؤلاء:
سيدي محمد ولد إبراهيم، من مجموعة أنجامره المغيبة ، و الذي استطاع خلال انتخابات 2018 كسر المعادلة التقليدية، وفرض شوط ثانٍ أمام مرشحي النظام، في اختراق بارز لهيمنة الكتل التقليدية.
الدعم الرمزي والنتائج الصادمة
ورغم أن مونكل تُصنّف ضمن “الدوائر المضمونة” للنظام، فإن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة جاءت دون المتوقع، لتكشف حدود تأثير الفاعلين المحسوبين على السلطة ، مما يجعل إعادة النظر في الواجهة السياسية والإدارية للمقاطعة ، بات أمرا ضروريا ، فقد حصل الرئيس غزواني على %54.11 (5513 صوتًا) ، فيما حصل المترشح بيرام الداه اعبيد على %32.38 (3196 صوتًا)
و هي نتائج تؤشر إلى فجوة بين الحضور الوظيفي والتمثيل الشعبي الحقيقي، وتطرح علامات استفهام حول مدى جدوى اعتماد النظام على أشخاص لا يعبرون عن العمق المحلي للمقاطعة.
نحو تمثيل يُجسّد الواقع لا الواجهة
تكشف حالة مونكل عن خلل مركب في بنية التمثيل السياسي والإداري في كوركول: هناك من يُمنح أكثر مما يستحق، ومن يُقصى رغم ثقله وعدده.
وبينما تواصل بعض المكونات جني ثمار تحالفات ما قبل الدولة، و أخرى وليدة ، يُترك الآخرون على هامش القرار، رغم ما يقدمونه من أصوات واستقرار ومصداقية.
لقد آن الأوان لطرح السؤال الجوهري:
هل نريد تمثيلًا يُجسّد المجتمع، أم تمثيلًا يُجمّل الواجهة؟
إن كوركول، بتنوعها، وغناها الاجتماعي، ووزنها الوطني، تستحق خريطة تمثيل جديدة، تُعيد الاعتبار للعدل، وتكسر منطق التوريث الإداري، وتجعل من المناصب أداة خدمة، لا وسيلة احتكار…
البو ولد أحمد سالم