أخبار كوركولأخبار وتقاريرمميز

الحلقة الثالثة: مقامة بين الحضور الشعبي والتمثيل المحتكر.. حين يصبح الظلّ أكثر إنارة من الواجهة

الشروق نت – تحقيق 

ضمن سلسلتها التحليلية “كوركول بين التعدد والتوازن: مقاربات في عدالة التمثيل وشفافيته” والتي تسعى لإعادة قراءة خارطة التمثيل السياسي والإداري في ولاية كوركول، تتناول الشروق نت  في حلقتها الثالثة  مقاطعة مقامة؛ إحدى أبرز مناطق الولاية كثافةً سكانيةً، وأشدّها حساسيةً من حيث تركيبتها الاجتماعية والسياسية، وأكثرها صخبًا تحت سطح الهدوء الظاهري.

سطوة احتكار.. وتآكل التوازن

كما هو الحال في كيهيدي ولكصيبة، تتكرر في مقامة مشاهد التمثيل الأحادي والاحتكار الإداري والسياسي، حيث تسيطر مكونة اجتماعية واحدة على الواجهة بكل تجلياتها، فتتحول المقاطعة ذات التعدد والامتداد إلى فضاء ذي لون واحد، لا يعكس تنوعها السكاني، ولا يترجم الوزن الشعبي.

فمن بين 8 بلديات تتبع لمقامة، تحسب إثنتان  (بيلكت ليتام وبلدية فرع ليتامة)  على المكونة الاجتماعية المهمشة ، بينما تتموضع أيضا  بشكل مؤثر في جميع البلديات  الأخرى، لاسيما بلدية مقامة المركزية، التي تُعدّ حجر الزاوية في حسم أي استحقاق نيابي.

وإذا كان توزيع البلديات قد يحمل شيئًا من العزاء الرمزي، فإن واقع التعيينات والمناصب الكبرى لا يترك مجالًا للشك: المقاطعة تسير على منوال إقصاء ناعم وممنهج، حيث تُجرد الأغلبية من حقها في التمثيل، ويُعاد تدوير نفس الوجوه والأسماء تحت شعارات لم تعد  تنطلي على أحد.

الوظائف العليا.. من نصيب “المضمونين”

بالنظر إلى الواجهة الإدارية والسياسية لمقامة، نلحظ تمركزًا صارخًا للمكونة المحتكرة في أبرز المناصب، ومنها:

النائب الحالي إفرا باري

وزير الإسكان الحالي أنيانغ مامودو

الوزيرة السابقة والمستشارة الحالية برئاسة الجمهورية عيساتا داودا جالو

المكلف بمهمة بوزارة الصيد عبدول باري

مديرة المعارض حواء موسى جالو

منسق مندوبية تآزر: مامادو جا

مدير المالية والعمدة السابق: إفرا وادل

الإطار بشركة تازيازت: همات شام

رئيس مجلس الإدارة داوودا جالو

الإطار با لوتي

إضافة إلى عدد غير محدود من المدراء والمكلفين والملحقين في مؤسسات الدولة.

في مقابل هذا الحشد من التعيينات، لا تملك المكونة الأخرى، رغم امتدادها وتضحياتها، سوى:

النائب هاشم الساموري

عمدة بلدية بيلكت ليتام: أحمد ولد غالي

المكلف بمهمة بوزارة: محمد ولد السيد (النائب السابق)

هذا التفاوت الصارخ لا يفسَّر بمنطق الكفاءة، ولا بالتمثيل العادل، بل هو تجسيد لمنظومة تكرّس الهيمنة، وتخشى إشراك الآخر، ولو حتى عبر التمثيل الرمزي.

الوزير بلا قاعدة.. والمستشارة خارج السياق

من بين الحالات اللافتة، تأتي الوزيرة السابقة والمستشارة الحالية بالرئاسة، عيساتا داودا جالو، التي تنتمي جغرافيًا لبلدية بيلكت ليتام، وهي بلدية ذات أغلبية تنتمي لمكونة اجتماعية مختلفة عن مكونتها.

ورغم أنها لا تملك حضورًا انتخابيًا مؤثرًا في بلدية بيلكت ليتام ، ولا حتى في المقاطعة، فقد مُنحت مناصب سامية تباعًا، في مشهد يتحدى المنطق الشعبي والسياسي، ويعكس إصرارًا على تغييب الكفاءات الحقيقية لمجتمع المكونة الأخرى  مقابل إعادة تدوير الواجهة.

النيابيّات.. حيث لا يكفي الدعم “المزعوم”

تمثل مقامة المركزية العمود الفقري لأي انتصار نيابي في المقاطعة، وهي صاحبة الكلمة الأخيرة في حسم النتائج، كما ثبت في الانتخابات التشريعية الأخيرة (2023)، حيث لم يتمكن مرشحو النظام – ومنهم وزير الإسكان الحالي أنيانغ مامودو – من حسم المعركة من الشوط الأول، بسبب تذمّر المكونة الاجتماعية الأخرى، وغياب الحماس الجماهيري لديها .

وقد اضطرت القيادات السياسية للجوء إلى الضغط على مرشح المكونة الأخرى المهمشة ، و بعض فاعليها من أجل دعم مرشحي الحزب الحاكم في الشوط الثاني، وهو ما تحقق بصعوبة لا تليق بمن يدّعون تمثيل الغالبية.

الرئاسيات.. ساعة الحقيقة

أما في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فقد سقط القناع تمامًا ،إذ كشفت النتائج أن مرشح النظام محمد ولد الشيخ الغزواني لم يحصل على أصوات تذكر في معظم المكاتب المحسوبة على متصدري المكونة المحتكرة،  خاصة الوزير أنيانغ، و بعض عمد البلديات،  و المدراء و الموظفون السامون ، بينما جاءت أكبر كتلة تصويتية له من المكاتب التي تُنسب للمكونة المهمشة ، حسب النتائج التي نشرت على موقع اللجنة المستقلة للانتخابات. 

والأدهى من ذلك أن أحد مرشحي الرئاسة كان من أبناء مقاطعة مقامة نفسها، ومع ذلك، لم يحصل على ذات الزخم الذي حظي به خارج نواكشوط، إلا داخل مقامة، وهو ما يضع علامة استفهام كبرى حول صدق التزام المكونة المحتكرة وجديتها في دعم النظام، ويعري حقيقة الوزن السياسي لتلك الوجوه التي تُصدّر على أنها صانعة القرار.

تمثيل مقلوب.. ومزايا لا تعكس الواقع

الحقيقة المُرّة التي تتكشف اليوم أمام الرأي العام في مقامة، هي أن الصف الأول من المكونة المحتكرة، لا يحمل همّ المقاطعة، ولا يرتبط بالناس إلا حين تدق طبول السياسة.. زياراتهم موسمية، و تفاعلهم معدوم، وكأنما هم مندوبون للامتياز، لا ممثلون لواقع.

وفي المقابل، تُقصى المكونات التي وقفت مع النظام في أصعب اللحظات، ودفعت بثقلها الانتخابي لصالح مرشحيه، وتُترك خارج الحسابات، وكأنما ليس لها حقّ في وطنٍ ساهمت في بنائه.

إلى أين؟

إن واقع التمييز الصارخ في مقامة، كما في كيهيدي ولكصيبة، يُنذر بانفجار قادم، ويُمهّد لموسم انتخابي ستكون فيه الذاكرة حاضرة، والغُبن عنوانًا.

ولن يُصلح هذا الخلل العميق سوى مقاربة جديدة تعيد الأمور إلى نصابها، تقوم على الإنصاف لا التجميل، وعلى العدالة لا التمويه.

فمقامة لا تحتمل مزيدًا من التهميش، ولا يمكن لها أن تُختزل في وجه واحد، أو تُحتكر من طرف نخبة أثبت الواقع أنها أقل حضورًا، وأكثر استفادة.

البو ولد أحمد سالم 

في الحلقة القادمة من سلسلة “كوركول بين التعدد والتوازن”:

مونكل.. حيث تتكسر المعايير على صخرة الإقصاء، وتتوارى الكفاءات خلف الستار..

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى