أخبار وتقاريركتاب ومقالاتمميز

الجزائر تحتضن العرب..

 الشروق نت / بمبادرة من المرصد الوطني للمجتمع المدني الجزائري إحتضنت الجزائر منتدى تواصل الأجيال لدعم العمل العربي المشترك في الفترة الممتدة بين 10و 15 سبتمبر في مدينة وهران الجزائرية الساحرة، فرصة سانحة للمشاركة الواسعة للقوى العربية من مجموع تسعة عشرة دولة، من نخب سياسية و علمية و قادة رأي من طيف الديبلوماسيين و الخبراء و الكفاءات المؤهلة علميا بالتجارب الغنية من القامات العربية و العالمية، قبيل إنعقاد القمة العربية الواحدة و الثلاثون في فاتح نوفمبر في الجزائر .

الفرصة كانت مواتية لتناول الشأن العربي تحت غطاء تواصل الأجيال لدعم العمل العربي المشترك، من خلال جلسات مفتوحة تحمل عناوين متنوعة و متعددة الأبعاد و متنوعة الأهداف و المقاصد تصب في جلها في سبل التكامل و الإندماج لتحقيق العمل العربي المشترك في ظل ظرفية دولية خانقة و تحديات عالم متغير المصالح و الإهتمامات. مسيرة العمل العربي المشترك تحديات و آفاق كانت هي نقطة الإنطلاقة مجسدة عبر محاور فرعية تضمنت واقع و تحديات العمل العربي المشترك، سبل و آفاق تعزيز العمل العربي المشترك، دور مؤسسات العمل العربي المشترك في الدفاع عن القضايا العربية المركزية و لا سيما القضية الفلسطينية، واقع و آفاق تفعيل مشاركة منظمات المجتمع المدني في العمل العربي المشترك. كما تطرقت الجلسات لدور المجتمع المدني العربي في مواجهة تأثيرات التحديات الدولية على العالم العربي، كذلك إحياء الذاكرة و التواصل بين الاجيال خدمة للعمل العربي المشترك، ثم تناول البعد الشعبي في إصلاح و تطوير منظومة العمل العربي المشترك، مع سبل تفعيل مشاركة المجتمع المدني في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.

أمور من بين أخرى حظيت بالنقاش الجاد والهادف و البناء طيلة أيام المنتدى في جو عربي تطبعه الصراحة و النزاهة العلمية و الفكرية مع جو الإرادة السياسية الجماعية التي تجسد العقل العربي الأصيل الهادف إلى وضع صياغة جديدة تصحح أخطاء الماضي و تؤسس لحقبة جديدة من التفاهم و التقارب الإيجابي بين كافة المكونات من جيل الناشئة، ضمن مقاربة تكاملية و شمولية الطرح بالموضوعية، تضمن مستقبل الأجيال مع إنسجام كافة المكونات في أشغال منتدى تواصل الأجيال لدعم العمل العربي المشترك، في ظرفية حاسمة من تاريخ الأمة العربية، بعد حوالي ثمانية عقود على تأسيس جامعة الدول العربية، تحقيقا لطموحات و آمال الشعوب العربية في بناء تجمع إقليمي لتوثيق الصلات و تعميق الروابط و تنسيق الجهود، سعيا للدفاع عن القضايا العربية العادلة و في مقدمتها القضية الفلسطينية، مع تحقيق التنمية الشاملة لدول المنطقة و شعوبها. لا شك ان المنطقة العربية تمر بجملة من التحديات الكبرى و الازمات الحادة، مقترنة بأوضاع اقتصادية و اجتماعية صعبة ذات تأثيرات جسيمة على مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمختلف الدول العربية، مما يحتم ضرورة التكاتف و التلاحم أكثر من أي وقت مضى، مع التركيز على المجالات الملموسة للإرتقاء بمنظومة العمل العربي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية الحساسة لتوفير الخدمات الاجتماعية المناسبة للمواطن العربي و في ظروف مواتية، رغم تنوع محاولات التجارب العربية في الوحدة و التكتل .

اليوم مع بداية العقد الثاني على انطلاق ما يسمى بالثورات العربية التي حولت المنطقة العربية إلى ركام يطبعه التشظي و الإنقسام الذي جسد الشتاة و التجزؤ في مجمل المكون العربي.

المشهد العربي المؤلم يلقي بظلاله على الواقع المضطرب بكل تجلياته المأساوية.

في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الأمة العربية بدأت تتكشف حقيقة المؤامرة الخارجية و دورها في التدخل السافر في مسار النهج العربي، لتكسير العقل العربي و تشويه الصورة النمطية لحركية الشعوب العربية نحو الوحدة و الإندماج، لتحقيق المصالح المشتركة في بوتقة تذوب فيها الفوارق و الحساسيات.

اليوم على ضوء مخرجات منتدى تواصل الأجيال لدعم العمل العربي المشترك في الجزائر، أصبح من الضروري العمل على صياغة رؤية جديدة للعمل العربي المشترك، بعد المسار الناقص على تأسيس جامعة الدول العربية و الإقرار شبه التام و المطلق من جانب العرب نخبا و قيادات سياسية بعجز هذه المؤسسة على الإيفاء بالتعهدات الأصلية الواردة في ميثاقها و معاهداتها و بروتوكولاتها، تجاه تحقيق التكامل مع حماية الأمن القومي العربي.

مما يفرض إعادة النظر في نظمها و هياكلها، قصد ملاءمتها مع متطلبات العصر لرفع التحديات الأمنية و التنموية في المنطقة العربية. إن خيار التضامن العربي و التكامل الاقتصادي و السياسي و الثقافي بين الأقطار العربية على أساس قاعدة الإلتزام بالثوابت القومية هو وحده الطريق لكي نكون جزءا فاعلا في عالم متغير يتحرك من حولنا بسرعة فائقة، و في ظل وضع دولي يتجه بثبات و قوة نحو صناعة تكتلات سياسية و اقتصادية كبرى، و هو وحده سبيلنا كعرب لمواجهة الأخطار المحدقة بالأمن القومي و الوجود العربيين.

صياغة مشروع المستقبل العربي يحتم ضمان العلاقات بين العرب أنفسهم، حيث يصبح الإيمان بالوحدة ضرورة حضارية للعرب، إن هم يرغبون في أن يأخذوا مكانهم بجدارة و إستحقاق في مسيرة التطور المتسارع للبشرية جمعاء.

الأمر الذي يفرض جملة من التغييرات العميقة و الجوهرية و في مقدمتها إنجاز الإصلاح السياسي داخل الأقطار العربية بما يضمن تحقيق العدالة و سيادة دولة القانون، مع خلق علاقات مستديمة بين العرب قادرة على الصمود في وجه التحديات المعقدة في عالم متغير المصالح و متعدد الإهتمامات.

الواقع العربي اليوم يتطلب توصيات هادفة مبنية على إستراتيجيات مشتركة على الصعيد السياسي و الدبلوماسي و الأمني، مع توفير الآليات الفعالة لبلورة مواقف موحدة تخدم مصالح الدول العربية، التي هي في حاجة ماسة إلى الوصول إلى قناعة ان ما يجمعها أكثر بكثير مما يفرقها. الشيء الذي يكتمل لا محالة عبر جسور التكامل الاقتصادي من خلال خلق أسواق اكثر اتساعا لتبادل السلع و الخدمات و التجارب و رأس المال، في مسعى لإنجاز برامج إقتصادية مشتركة من قبيل مشروع مارشال عربي يشمل قطاعات مختلفة و يساهم في جمع الشمل العربي. كما يتحتم قيام دول عربية محورية لتحريك العمل العربي المشترك و قيادة السفينة العربية في عالم مقبل على تعدد الأقطاب، تتحكم في مصيره التحالفات مع رسم خريطة سياسة المحاور إقليميا و عالميا، كما تبقى الإرادة السياسية الجماعية التي تجسد العقل العربي هي الضمان الوحيد الذي يكفل الالتزام الراسخ بتعزيز دعائم البيت العربي العريق مع الحفاظ على وحدته و حيويته و تماسكه، ليبقى فضاء للحوار و التلاقي و التفاعل البناء، لاستشراف مستقبل أفضل واعد للشعوب العربية موحدة من المحيط إلى الخليج، تنعم بالأمن و الإستقرار و الإزدهار الاقتصادي لتحقيق الرفاه المشترك.

منتدى الجزائر جمع الشمل العربي الشعبي تحت سقف أرسى من خلاله دعائم رؤية إستراتيجية تنير خارطة طريق عقلانية و موضوعية للقادة العرب في قمة يراد لها ان تصبح علامة مميزة في مسار العمل العربي المشترك.

الدكتور/  عبد الصمد ولد أمبارك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى