موريتانيا: جدل بين الموالاة والمعارضة واتهامات متبادلة حول الجهة التي تعرقل الحوار
الشروق / يتواصل في موريتانيا جدل ساخن بين الأغلبية الحاكمة والمعارضة حول الجهة التي تعرقل الحوار، فالمعارضة ترى أن الأغلبية تماطل منذ أكثر من سنتين دون أن تحسم القضايا المتعلقة بإطلاق الحوار السياسي المنتظر، بينما ترى الأغلبية أن الخلافات داخل المعارضة وعدم تمكن أطيافها من الاتفاق حول المشاركة في الحوار وسعي بعض أطياف المعارضة لإقصاء أطياف أخرى، هو السبب الحقيقي في تأخر تنظيم الحوار.
وتجسد هذا الجدل في حرب بيانات وتبادل للاتهامات، حيث رد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، أمس، على بيان المعارضة الأخير الذي اتهمت فيه الأغلبية بالمماطلة في تنظيم الحوار، بينما أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة أن الأغلبية جاهزة وأن الكرة حالياً في مرمى المعارضة.
وأكد في بيانه من أجل الجمهورية الحاكم في بيانه الذي رد فيه على بيان المعارضة “أن الجميع يدرك أن الأغلبية هي صاحبة مبادرة تنظيم التشاور الوطني الشامل، وأن حزبنا يصر على إشراك جميع الأحزاب، في حين أن البعض حينها، كانت لديه نية بتجاوز البعض الآخر، ونحن من رفض ذلك، واليوم يتكرر نفس السيناريو، وهو ما نسعى أيضاً لرفضه، حرصاً منا على عدم إقصاء أي طرف”.
وأضاف الحزب “أنه يؤكد للرأي العام جديته في التشاور، وأنه يتوخى دائماً الشمولية وإشراك الجميع”.
وزاد: “طالعنا اليوم بياناً موقعاً باسم بعض أحزاب المعارضة، يحمل كثيراً من المغالطات والغموض، مع إدراك أصحاب البيان شروع الحكومة في تنفيذ برامج ومشاريع متعددة للتخفيف من آثار الغلاء ونقص الأمطار”.
“ويأتي هذا البيان، يضيف حزب الاتحاد، في الوقت الذي تدخل فيه موريتانيا مرحلة حاسمة من تاريخها، قوامها التنمية وإنصاف الفئات المهمشة، والحصول على نتائج هامة في سبيل استرجاع أموال الشعب، والمكانة الكبيرة التي أصبحت بلادنا تتمتع بها في المنطقة والعالم، بحكمة وتدبير فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني”.
“إن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، يضيف البيان، إذ يستغرب هذا البيان، لاحتوائه على سيل من المغالطات، وقلبه للحقائق التي يدركها الجميع، ليؤكد تشبثه بالنتائج الكبيرة التي تحققت منذ سنتين لصالح الشعب الموريتاني على كافة الأصعدة، رغم الظروف التي واكبت انتشار الوباء”، كما “يشيد بالتوجهات الفريدة من طرف قيادة البلد، من أجل إنصاف المهمشين والمغبونين، وما خطاب ودان عنا ببعيد”.
وأكد “دعمه للتوجهات السامية في تمكين الشباب والنساء، وتقريب خدمات الإدارة من المواطنين، وحرصه على أن تجتمع كل الأطياف السياسية الوطنية في إطار تشاور لا يستثني أحداً، وما زلنا، يضيف الحزب، نبذل كل الجهود من أجل ذلك، ونؤكد حرصنا على أن ينظم هذا التشاور في أسرع وقت ممكن”.
وفي إطار التجاذب ذاته الذي تشهده الساحة السياسية الموريتانية حالياً بسبب معضلة الحوار، أكد المختار داهي، وزير الثقافة الناطق باسم الحكومة الموريتانية، أمس، خلال المؤتمر الصحافي الأسبوعي للحكومة “أن الحكومة جاهزة لأي دور تسهيلي تطلبه منها الأحزاب السياسية كلها، فإذا كانت الأحزاب السياسية ترى أن هناك صعوبات يمكن للحكومة أن تذللها فنحن جاهزون”، حسب قوله.
وأضاف “أن أحزاب الأغلبية جاهزة للحوار وليست مسؤولة عن تعطيله، وأن مناديبها في اللجنة التحضيرية للحوار جاهزون”، مشدداً التأكيد على “أن الأغلبية مصرة على أن يكون الحوار شاملاً لكافة أطياف المعارضة”.
وقال: “لكن الذي حصل اليوم هو أن القطب الذي كان من قبل متلكئاً عن الحوار، أصبح اليوم مستعجلاً مطالباً بتنظيمه اليوم، وظهر قطب آخر من أقطاب المعارضة له اشتراطات وشروط؛ وكل هذا يتعلق بمسألة داخل أحزاب المعارضة”.
وأضاف: “الآن المسألة تعود لتعدد محاور وأقطاب المعارضة وإذا اتفق أقطابها على شيء فالأغلبية جاهزة”.
وكانت أحزاب المعارضة الموريتانية، قد أكدت في بيان أمس الأول “أنه لم يعد بمقدورها بعد الآن الانتظار إلى أجل غير مسمى من أجل حوار تأخر مراراً وتكراراً، لاعتبارات غير مفهومة”.
وورد هذا الموقف في سياق بيان وقعته أحزاب اتحاد قوى التقدم، وائتلاف العيش المشترك، وائتلاف العيش المشترك/حقيقة وتصالح، والتجمع الوطني للإصلاح والتنمية، وتكتل القوى الديمقراطية، وحزب التناوب الديمقراطي.
وأضافت المعارضة في بيانها الذي انتقدت فيه الأوضاع: “بقدر ما لم يعد بمقدورنا بعد الآن الانتظار إلى أجل غير مسمى من أجل حوار تأخر مراراً وتكراراً، بقدر ما سنظلُّ مستعدين للمشاركة في ديناميكية التشاور، حسب آجال زمنية مقبولة”.
وزادت: “بما أنّ هذا الحوار قد استوفى شروطاً مقبولة، فإننا نلفت انتباه السلطات إلى أن الوقت قد حان لإطلاقه، بُغية إعادة الأمل إلى الموريتانيين، والمضي قدماً في تعزيز اللحمة الوطنية، وترسيخ الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتنفيذ برنامج واسع للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يضمن نمو وازدهار البلاد”.
يذكر أن الرئيس الغزواني قد وافق قبل أسبوعين على تعيين رئيس للجنة الإشراف على الحوار استجابة لاقتراح من المعارضة التي رفضت تولي الأغلبية لرئاستها.
وقد حل بذلك إحدى المشكلات التي تعترض التحضير لانطلاقة حوار تتنازع الأغلبية والمعارضة شرف المبادرة لتنظيمه.
وطالب أقطاب في المعارضة المهادنة بينهم محمد ولد مولود رئيس حزب اتحاد قوى التقدم، وأحمد ولد داداه رئيس حزب التكتل، قبل سنيتن من الآن، الرئيس الغزواني بإطلاق حوار وطني شامل، وأظهر الرئيس الغزواني تحفظاً إزاء الحوار لكونه لم يفهم المقصود منه، ولأن البلد لا يمر بأزمة تستدعي تنظيم حوار عام، لكن منذ أغسطس 2020، أظهر الرئيس الغزواني تقبلاً لفكرة الحوار، وبدأ التشاور بين المعارضة الحزب الحاكم، في الطرق التي يمكن أن ينظم بها هذا الحوار، وتوصل الطرفان في فبراير 2021 لخارطة طريق لهذا الحوار، لكن الأمور توقفت هناك.
ثم تحركت الأمور من جديد، وعقد اجتماع في أكتوبر 2021 بين جميع الأحزاب، بحضور المرشحين السابقين للرئاسة، وقد تمخض الاجتماع عن الاتفاق على تعيين لجنة إشراف من 12 عضواً: ستة يمثلون المولاة، وستة يمثلون المعارضة.
لكن الأمور عادت للتوقف من جديد، حيث يتهم كل طرف الطرف الآخر بالمسؤولية عن توقف التحضيرات.
والحقيقة أن الذي يعرقل الحوار هو حرص الرئيس الغزواني وأغلبيته على أن يكون التشاور السياسي شاملاً لجميع الأطياف الموالية والمعارضة، بينما لم تتفق أحزاب وأطياف المعارضة حتى الآن على المشاركة غير المشروطة في جلساته.
وقد اتضح الآن أن المعارضة لها مواقف متباينة، فبينما تتفق أحزاب اتحاد قوى التقدم، وائتلاف العيش المشترك، وائتلاف العيش المشترك/حقيقة وتصالح، والتجمع الوطني للإصلاح والتنمية، وتكتل القوى الديمقراطية، وحزب التناوب الديمقراطي، على إطلاقه، تتحدث الأخبار عن رفض الزعيم مسعود ولد بلخير رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي للمشاركة في حوار لا يقوده الرئيس الغزواني بنفسه ويكون الرئيس ضامناً لتنفيذ نتائجه، وهذا شرط صعب التحقيق؛ كما أن النائب البرلماني بيرام ولد اعبيد يطالب بعدد من المناديب عن تياره السياسي في لجنة الإشراف على الحوار التي سبق أن اتفقت الأحزاب على أن عددها 12 عضواً فقط، مقسمين بالتساوي بين الأغلبية والمعارضة.
والسؤال المطروح حالياً هو: ما هي الخطوة التي ستتخذها المعارضة بعد أن كشف الحزب الحاكم في بيانه الأخير وبعد أن أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة في تصريحاته الأخيرة، أن الذي يعرقل الحوار إنما هو المعارضة غير المتفقة على المشاركة غير المشروطة فيه، وغير المتفقة كذلك على تسمية مناديبها الستة في الحوار؟
عبد الله مولـود
القدس العربي