إنتخابات الجـزائر : هل يقلب “المستقلون” المعادلة ؟
الشروق / تراهن عدة أطراف في الجزائر على القوائم المستقلة والمرشحين الشباب لقلب المشهد السياسي في البلاد، بعدما طغت “شبهات فساد” حول العديد من نواب البرلمان المُحل.
لكن حظوظ المرشحين الأحرار في الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان في اقتراع السبت، تبدو متباينة أمام أحزاب متمرسة على مثل هذه المواعيد الانتخابية.
ويملك المرشحون الأحرار أسبقية عددية على القوائم الحزبية، فلأول مرة في تاريخ الانتخابات الجزائرية تتفوق القوائم المستقلة على قوائم الأحزاب من حيث العدد.
فمن إجمالي 2288 قائمة مترشحة توجد 1208 قائمة مستقلة، أي ما يعادل 52.8 بالمئة، بينما تقدم 28 حزبا بـ1080 قائمة أو ما يمثل نحو 47.2 بالمئة.
نقل الحراك من الشارع إلى البرلمان
ويتجلى الدعم الحكومي للمترشحين المستقلين الشباب، من خلال منح كل مترشح حر لا يتجاوز عمره 40 عاما، نحو 2250 دولارا لتمويل حملته الانتخابية.
هذا الأمر أثار حفيظة البعض، على اعتبار أن الدعم لا يشمل بقية المتنافسين، وخاصة المترشحين الشباب في قوائم حزبية، والذين لا يحظى كثير منهم بأي تمويل حزبي، مما يُخل بمبدأ تكافؤ الفرص.
غير أن هدف الحكومة من وراء تمويل حملات المترشحين المستقلين، تشجيع الشباب غير المتحزبين في دخول عالم السياسة والتعبير عن أفكارهم وتطلعاتهم في التغيير عبر مؤسسات رسمية تمنحهم آليات قانونية ودستورية في تجسيد ما طالبوا بهم خلال الحراك الشعبي أطاحت بالولاية الرئاسية الخامسة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.
وتسعى الحكومة إلى أن يكون شباب الحراك الشعبي ممثلون في البرلمان، بما لا يدع مبررا لاستمرار المسيرات والمظاهرات، التي وصفها الرئيس عبد المجيد تبون بأنها “تحمل مطالب وشعارات مختلفة”.
التحرر من سلطة القبيلة والمال
نظريا بإمكان القوائم الحرة الفوز بالمراتب الأولى في انتخابات 12 يونيو، على غرار ما حققته في انتخابات سابقة، لكن ذلك أمامه عقبات كثيرة، وحتى إن تمكنت من الحصول على إحدى المراتب الثلاثة فذلك لا يعني بالضرورة أن هناك “تغييرا جذريا سيحدث”.
فالنواب المستقلون عادة ما تجمعهم كتلة برلمانية واحدة، لكنهم بالكاد يعرف بعضهم بعضا مسبقا، ناهيك أن يمثلوا توجها سياسيا وفكريا مشتركا، بدليل أن عددا منهم ينضمون لأحزاب ذات إيديولوجيات مختلفة في كل ولاية برلمانية.
غير أن الطابع الأعم للنواب الأحرار انحدارهم من عالم المال والأعمال، الداعمون للحكومة والمؤيدون لبرامجها، إلا عندما تتعارض مع مصالحهم، لذلك فتأثيرهم على الحياة السياسية جد محدود، والإصلاح الجذري من خارج الحكومة ليس أولويتهم.
وفي الجزائر لكي تفوز في الانتخابات البرلمانية دون أن يكون لك غطاء حزبي، تحتاج إلى أن يتوفر فيك أحد الشرطين (نادرا ما يكون خلافهما)، أولهما أن تكون من طبقة رجال الأعمال أو كبار التجار المرتبطين بشخصيات نافذة في السلطة، وثانيا أن تكون مدعوما من عشيرة أو قبيلة كبيرة ومترابطة فيما بينها.
ويمكن الإشارة إلى هذا الأمر من خلال مثالين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2017)، حيث من إجمالي 48 ولاية (محافظة) لم تفز القوائم المستقلة بالمرتبة الأولى إلا في ولايتين، وهما برج بوعريريج (شمال شرق) وغرداية (جنوب).
ففي برج بوعريريج، فازت قائمة حرة واحدة بـ3 مقاعد من إجمالي 8 مخصصة للولاية، وعند التدقيق في رأس القائمة، فإنك تجده من بين أبرز رجال المال والأعمال في الولاية، المرتبطين بشخصيات نافذة في الدولة.
أما في غرداية، التي يقطنها أغلبية من قبائل بني ميزاب، الإباضية المذهب الأمازيغية اللسان، فاكتسحت 4 قوائم حرة مقاعد الولاية الـ5، ولم تبقِ سوى مقعد وحيد لحزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم حينها).
وهذان المثالان يوضحان أنه حتى الأحزاب الكبيرة سواء كانت في السلطة أو المعارضة، تجد صعوبة في مواجهة القوائم الحرة المدعومة بـ”المال الفاسد” أو عصبية القبيلة والمذهب واللغة.
وتحاول السلطة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات، وحكومة عبد العزيز جراد، تخليص قوائم الأحرار من “المال الفاسد”، عبر تشجيع الشباب الجامعي لأخذ مكانه في البرلمان، بدل الأثرياء الجدد الذين صنعتهم الأزمة الأمنية.
لكن سلطة القبيلة يصعب التحرر منها بـ”القانون”، وإن كان نفوذها على الشباب المتعلم يتقلص، خاصة وأن الطابع الغالب على البلاد يتصف بالتمدن، مقارنة مع دول مجاورة مثل ليبيا أو النيجر.
العتبة.. مقصلة القوائم الحرة
حدد قانون الانتخابات المعدل نسبة العتبة بـ5 بالمئة، لمنع تفتيت مقاعد البرلمان على عدد كبير من الكتل السياسية، وهذا يخدم الأحزاب الكبيرة، لكنه يمثل مقصلة للقوائم الحرة.
فأغلب المرشحين الشباب في القوائم المستقلة لا يملكون خبرة واسعة في العمل السياسي وإدارة الحملات الانتخابية، باستثناء أولئك الذين حرموا من الترشح ضمن أحزابهم، فشكلوا قائمة مستقلة.
ورغم غياب معاهد لسبر الآراء في الجزائر فإن عدة أحزاب خاصة الإسلامية منها تملك قاعدة بيانات لعدد من مناضليها وتوزيعهم، والولايات التي لها قواعد شعبية من الأخرى لا تفتقد فيها لأنصار.. وهذا ما يفتقده المرشحون الشباب المستقلون.
ففي حملة انتخابية فاترة، بحسب وسائل إعلام، لجأ فيها المرشحون المستقلون إلى شبكات التواصل الاجتماعي، وإلى الاتصال الجواري المحدود في إطار العائلة أو الأصدقاء ومحيطهم، فيما لوحظ قلة للتجمعات الانتخابية التي ميزت الحملات الانتخابية للأحزاب.
وبالنظر إلى أن المستقلين عادة ما يكونوا شخصيات مغمورة في ولاياتهم فإنه من الصعب عليهم تجاوز عتبة الـ5 بالمئة.
لكن نقطة قوة القوائم المستقلة، عدم ثقة كثير من الناخبين بالأحزاب التي تم تجريبها في أكثر من مناسبة انتخابية ولم تحقق لهم ما كانوا يأملونه منها.
ويقدم المرشحون الأحرار أو جزء منهم أنفسهم على أنهم بديل للأحزاب باختلاف توجهاتها، والتي تراجعت شعبيتها إجمالا، بدليل نسب المشاركة الضعيفة، وأيضا الأوراق البيضاء التي تعبر عن عدم رضا الناخبين عن القوائم المرشحة.
من المرتبة السابعة إلى الرابعة
يشكل النواب الأحرار قوة وازنة في البرلمان من حيث العدد، ويثير صعودهم قلق الأحزاب، التي ترى بأنهم لا يملكون القدرة على تقديم إضافة فعلية للعمل البرلماني.
فرغم غيابهم عن انتخابات 1991 التي لم تكتمل، إلا أنهم حصلوا على 11 مقعدا في انتخابات 1997، واحتلوا المرتبة السابعة، قبل أن يقفزوا إلى المرتبة الخامسة في انتخابات 2002، بـ29 مقعدا.
وحققوا أفضل نتائجهم في انتخابات 2007، بعد فوزهم بـ33 مقعدا ليصبحوا القوة الرابعة في البلاد، بعد كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي (موالاة) وحركة مجتمع السلم (إسلامية).
غير أنهم تقهقروا في انتخابات 2012 إلى المرتبة الخامسة ولم يحصلوا سوى على 19 مقعدا، ليعودوا في انتخابات 2017 ويحصدوا 28 مقعدا ويستعيدوا المرتبة الرابعة.
وخلال الـ25 عاما الأخيرة، لم يقدم النواب الأحرار أي مقترح قانون أو شكلوا لجان رقابة وتحقيق في قضايا فساد، باستثناء مداخلات روتينية لم تكن لتشكل علامة فارقة في تاريخ البرلمان.
ويملك المرشحون الأحرار، فرصة تاريخية للفوز بحصة هامة من مقاعد البرلمان المقبل، في ظل ضعف الأحزاب إجمالا، لكن التساؤل يبقى حول قدرتهم على التكتل، والمشاركة في تشكيل الحكومة، وإثراء الحياة البرلمانية سواء من حيث تشريع القوانين أو الرقابة على نشاط الحكومة.
الأناضـول