معرض تمبدغة للثروة الحيوانية عشاء مع السيد ميشل روكار..
الشروق / أذكر أنني اجتمعت مع معالي الوزير الأول “ميشل روكار” (Michel Rocard) في “لومي” (Lomé) عاصمة “توغو” (Togo) عام 2001 على هامش دورة عادية للجمعية البرلمانية المختلطه بين الاتحاد الاوروبي ودول إفريقيا والكرايب والمحيط الهادي (Assemblée Paritaire UE-ACP). وكان يومها عضوًا في البرلمان الأوروبي، ورئيس لجنة التنمية والتعاون في الجمعية البرلمانية المختلطة. وكنتُ عضوًا في الجمعية نفسها عن البرلمان الموريتاني.
“روكار” رجلٌ متواضعٌ وكيِّسٌ وظريفٌ. يحبُّ موريتانيا رغم أنه لم يزرها، ولكنه قرأ عنها الكثير وسمع عنها من علماء بارزين وباحثين مثل صديقه “تيودور مونو” (Théodore Monod) و الأستاذ “دي شاسيي” ( F. De Chassey). دعوته على عشاء حر ذات ليلة جميلة في أحد مطاعم “لومي” خاج الفندق. وحدثني مطولا عن ضياع الثروة الحيوانية في غرب إفريقيا وهدرها من قبل الأنظمة والنخب. و قال إن له خالا ورث في الخمسينيات عن أبيه مزرعة فيها سبع بقرات، ولم تمض عليه 20 سنة حتى صار يمتلك مصانع وشركات وأموالا طائلة فوق المليار فرنك فرنسي. و أكد لي أن أصل ثروته الطائلة هي تلك المزرعة والبقرات السبعة.
قلت كيف؟ قال: استفاد من شعار الرئيس ديغول في الستينيات : “المواشي و الرعي هما ضرعا فرنسا” (Élevage et pâturage sont les deux mamelles de la France)، وما تبعه من تصميم الدولة على دعم وتطوير الصناعات الغذائية. فتوفر العلف والعشب، وانتشرت الرعاية البيطرية، وازدادت سعة التكاثر والحليب والوزن بأضعاف مضاعفة. ومعلوم أن البقرة تحلب مرتين في اليوم الواحد صباحا (س 6) ومساء (س 7)، وتعطي ما بين 30-40 ليتر لليوم، وتستغل 9-10 أشهر في العام، ومعدل عمرها 5-6 سنوات. وما لبثت المزرعة أن صارت تزود مصانع مختلفة. والبقرة الواحدة تعطي 10 منتوجات: القرون، و الحوافر، والدم، واللحوم، والجلد، والحليب الطازج، والمجفف، والرائب، والجبنة، والزبادي.. ومع الزمن، حصل ذلك المنمي على تسهيلات وقروض ميسرة، و بدأ يقتني المصانع لنفسه و يتمدد. وأذكر أنني كنت أداعبه وأقول له: إن بقرات خالك هي الوريث الشرعي لبقرات رؤيا ملك مصر.. ههه وتحدثنا عن قصة يوسف عليه السلام عندنا و عندهم، و ما جاءت به من حسن تدبير و تسيير و تخطيط للتنمية و مواجهة المخاطر و الأزمات.
المهم، أعتقد جازما أننا نستطيع التغلب على بداوتنا وتخلفنا. ونستطيع الوصول إلى ما وصل إليه خال “ميشل روكار” إذا ما توفرت لدينا الإرادة والعزيمة، و قررنا الاستثمار في هذا القطاع وصرف الميزانيات اللازمة لتطويره مع مراعاة حسن التسيير. والمفاتيح هي:
– الشجاعة والجرأة على اقتحام هذا القطاع، على غرار ما قام به الرئيس المختار ولد داداه في سبعينات القرن الماضي حين اقتحم الزراعة المروية وأنشأ بالتعاون مع الصين مزرعة مندمجة في سهل “امبوريَ” (M’Pourié)، ليكتشف الناس بعده بعقود أن “الزراعة المروية” ممكنة و أن مياه النهر نعمة و إنتاج الأرز متاح بالتوازي مع تنمية حيوانية متطورة.. علينا أن نقوم بنفس الشيء، و نفتح مزارع نموذجية لاستغلال الثروة الحيوانية على نحو أفضل حتى يرى الموريتانيون أن من يمتلك 7 بقرات يستطيع أن يكون من أثرياء المنطقة.
– تحسين سلالات الأبقار بطريقة مدروسة،
– توفير الطاقة والمياه في المناطق الرعوية،
– توفير العلف المناسب وتعميم الرعاية البيطرية،
– القيام بحملات إعلامية واسعة لتغيير العقليات،
– نشر أفكار ومفاهيم و طموحات جديدة لدى المنمين،
– تكوين الكادر البشري القادر على التأطير والإنتاج والتسويق.
وفقنا الله جميعًا لما فيه خير البلاد والعباد.
محمد فال ولد بلال