الدكتور مبروك كاهي : الوضع في الساحل أظهر فشل المقاربة الأمنية الفرنسية للحل.. (مقابلة)
الشروق / أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة الدكتور مبروك كاهي في حوار مع صحيفة “الخبر” الجزائرية أن محاربة الجماعات الإرهابية في الساحل مسؤولية دولية، لا يمكن للجزائر أن تتحمل أعبائها لوحدها، وربط تزايد العمليات المسلحة في المنطقة باستمرار دفع بعض الدول الأوروبية للفدية وتحالف تجار المخدرات المغاربة مع الجماعات الإرهابية في الساحل مما يضمن للأخيرة مصدر تمويل دائم لمواصلة التجنيد واقتناء الأسلحة لمواصلة نشاطها..
كيف يمكن قراءة الهجوم المسلح الذي استهدف المثلث الحدودي بين مالي ونيجر وبوركينا فاسو مخلفا عشرات القتلى من المدنيين ؟
الهجوم المسلح على المثلث الحدودي يُبين استمرار الجماعات الإرهابية في نهجها ويؤكد هشاشة الدول الثلاث التي تعد من أفقر بلدان إفريقيا والعالم، وعدم قدرتها على مراقبة حدودها ما يجعلها مساحة شاسعة غير مضبوطة لتنقل الجماعات الإرهابية وممارسة نشاطها الإجرامي بكل حرية إلى جانب جماعات الجريمة المنظمة وعلى رأسها تجار المخدرات وتجار البشر المتعاونين مع الجماعات الإرهابية، واستمرار العمليات الإرهابية معناه أن الخطر الإرهابي في المنطقة لا يزال قائما بشكل يبين فشل جميع المقاربات الأمنية منذ انهيار نظام الزعيم الليبي معمر القذافي.
وهل هناك أي دلالات لتوقيت العمليات المسلحة في المنطقة ؟
الهجمات الإرهابية جاءت في توقيت جد حساس تزامن مع تداول أنباء عن تراجع فرنسا على عملياتها العسكرية في الساحل، وخروج التشاد من تحالف برخان، ونقص الدعم المالي الذي كانت تقدمه بعض الدول في أوروبا أو خارجها من أجل استمرار العمليات القتالية التي تقودها فرنسا ضد الجماعات الإرهابية، وأعتقد أن التوقيت مدروس بشكل مضبوط إذ أنه يأتي مع تواصل خارطة طريق السلام ومساعي الخروج من الأزمة المالية بإعداد رزنامة انتخابات رئاسية والعودة إلى الشرعية الدستورية، وكذا استمرار الجهود الجزائرية لوضع الفرقاء الماليين على طاولة واحدة لحل جميع الخلافات والوصول إلى توافق ينهي التوتر الأمني في مالي، دون أن ننسى نشوة الجماعات الإرهابية المرتبطة بنجاح عملية تبادل الأسرى والحصول على فدية ضخمة ودعم مالي جديد يكفل لها التجنيد والحصول على السلاح.
وأشير هنا أن الجزائر رافعت في المنابر الدولية لتجريم ظاهرة الفدية، لكن للأسف بعض الدول الأوروبية ومنها فرنسا واسبانيا وإيطاليا لا تزال تدفع الفدية بطرق ملتوية تهربا من مسؤولياتها الدولية، ونعرف أن الفدية من أهم عناصر تمويل الجماعات الإرهابية التي تضمن لها عامل التجنيد والحصول على الأسلحة من أجل استمرار نشاطها، إلى جانب تعاونها مع جماعات الجريمة المنظمة وفي مقدمتهم تجار المخدرات، والجزائر تعمل على تجفيف منابع تمويل الإرهاب بداية بالفدية، وصولا إلى مكافحة المخدرات، لكن العديد من التقارير الدولية والأوروبية تشير إلى أن الجار الغربي له علاقة مباشرة بتجارة المخدرات وتهريبها وخصوصا عبر معبر الكركرات مرورا بالساحل الإفريقي إلى أن تصل إلى وجهتها.
إذا هل تربط بين المغرب والجماعات الإرهابية في الساحل؟
الأكيد أن هناك تحالف بين الجماعات الإرهابية وتجار المخدرات والمغرب من الدول التي تستثمر في زراعة القنب الهندي وقد تم تقنينه بشكل رسمي، ما يؤكد أن لديها علاقة مباشرة بالجماعات الإرهابية، أيضا التقارير الفرنسية المتعلقة بجماعة التوحيد والجهاد أتثبت أن من قام بإنشاء هذه الجماعة هي المخابرات المغربية وحاولت إلصاقها بجبهة البوليساريو لكن محاولاتها باءت بالفشل.
المغرب يستفيد من تأمين الطريق الذي توفره له الجماعات الإرهابية مقابل الحصول على نصيب وافر من عائدات تجارة المخدرات، والتوتر الحاصل في الصحراء الغربية جعل المملكة تستثمر أكثر في تجارة المخدرات، باعتبارها أحد المصادر الأساسية لتمويل اقتصادها الوطني.
في ظل هذه المعطيات ما محل عملية برخان من الوضع الأمني في المنطقة ؟
التطورات الأخيرة كلها تشير إلى فشل المقاربة الأمنية التي تبنتها فرنسا القوة الاستعمارية السابقة، ويمكن ربط ذلك بوجود حساسية من قبل شعوب المنطقة تجاه العملية التي تذكرها بالماضي الأليم، ودفعتهم إلى خروج الآلاف في مظاهرات مناهضة للوجود الفرنسي والهيمنة الفرنسية على المنطقة، فعملية برخان تعالج فقط المشكل الأمني ولا تعالج جوهر المشكلة وهو تعطل عمليات التنمية في المنطقة، أيضا عدم تحمل فرنسا لواجباتها الأخلاقية تجاه المنطقة و تعويضها على سنوات الاحتلال تعويضا عادلا يكفل لشعوب المنطقة العيش بكرامة و حرية.
وما مدى خطورة الوضع الأمني في المنطقة على الجزائر، وكيف يمكن مواجهة هذه التحديات الأمنية ؟
الجماعات الإرهابية لديها خطر على أمن المنطقة والجزائر غير مستثناة وهي من أكثر دول العالم التي عانت من الظاهرة الإرهابية وتدرك جيدا خطورتها على جميع النواحي، وستعاني منها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على اعتبار أن لديها حدود طويلة تربطها مع دول الساحل و لديها مسؤولية في الحفاظ على أمن المنطقة على اعتبار أنها الدولة الإقليمية الرائدة في مجال مكافحة الإرهاب و لديها مقاربة جد مقبولة تتبناها حتى الأمم المتحدة وهي التركيز على التنمية إلى جانب مكافحة الإرهاب والتنسيق بين الدول الميدان وترقية جيوش المنطقة وكذلك مساعدتها على مواجهة ظاهرة الإرهاب.
وهنا يجب الإشارة إلى أن عملية محاربة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي هي مسؤولية دولية، ويجب على المجتمع الدولي أن ينتبه إلى هذه النقطة على اعتبار أنها تهدد السلم والأمن الدوليين، ولا يمكن للجزائر أن تتحمل أعباء الوضع الأمني في المنطقة لوحدها لأنها واسعة ومتشعبة وتتطلب جهودا مادية وبشرية ضخمة، وهي ملزمة بتغيير مقاربة محاربة الجماعات الإرهابية من مجهود فردي إلى إقليمي ودولي يشارك فيه كل المجتمع الدولي عبر النظر ومحاولة تحقيق أهم احتياجات المنطقة التنموية للقضاء على الظاهرة الإرهابية التي تهدد السلم والأمن الدوليين .
نقلا عن صحيفة الخبر الجزائرية