أسعار خامات الحديد بأعلى مستوى وعوامل دعم أرباح شركة اسنيم أقوى هذا العام.. (خاص)
الشروق / شهدت أسعار خامات الحديد خلال الشهرين الأخيرين ارتفاعا صاروخيا غير متوقع، حيث قفزت بحوالي 40 دولارا ،وكسرت حاجز 160 دولارا للطن لتصل إلى مستوى هو الأعلى منذ أكتوبر 2011 ، و في اعتقادي هناك العديد من الأسباب الرئيسية المتداخلة تقف وراء المسار التصاعدي للأسعار، وسنكتفي بذكر الأسباب الثلاثة الرئيسية:
أولا : عودة التوترات وبشكل أشد بين أكبر المصدرين، وأكبرالمستوردين لهذه السلعة أستراليا، والصين، وذلك بسبب تبني أستراليا لإجراء تحقيق في مصدر فيروس كورونا المستجد داخل الصين، وكذلك دعمها للحرب الأمريكية على شركة هواوي الصينية، ومشاركتها في محاصرة الصين عسكريا، وقد قامت الصين مؤخرا بفرض رسوم على بعض صادرات أستراليا من الشعير، والخمور، والأغذية، ومنعت البعض الآخر مثل الفحم، بالمقابل تصاعدت أصوات في أستراليا تهدد باستخدام خامات الحديد كسلاح، إذ تعتمد الصين على الخام المستورد بنسبة 83% من بينها حوالي 67% من أستراليا لوحدها، ولنا في بيانات 2019 خير مثال، حيث استوردت الصين حوالي 1.07 مليار طن من بينها 664.57 مليون طن من أستراليا، ويتهم البعض أستراليا بالوقوف وراء زيادة سعر خام الحديد لتعويض خسارة صادراتها الأخرى إلى الصين.
ثانيا: نقص حجم المعروض خاصة في السوق الصيني في ظل إقدام مصانع الصلب على شراء المزيد من المادة الخام لملئ المخازن قبل فصل الشتاء، وتشير البيانات أنه منذ نوفمبر الماضي بلغ متوسط حجم شحنات خام الحديد الأسبوعية من أستراليا والبرازيل 22.1 مليون طن، بانخفاض قدره 7.89٪ على أساس شهري.
ثالثا: زيادة الطلب على المادة الخام خاصة في أسواقها الثلاثة الكبرى خارج الصين أوروبا، و اليابان، وكورويا الجنوبية، وذلك بعد تعافي صناعة الصلب من تأثيرات الإغلاق للحد من انتشار الوباء، والعودة إلى التصنيع بطاقة أكبر، حيث تشير بيانات الرابطة العالمية للصلب إلى أن إنتاج العالم، واليابان، وكورويا من الصلب لشهر مايو الماضي على التوالي 148.8 مليون طن، و 5.9 مليون طن، و 5.4 مليون طن بينما ارتفع هذا الإنتاج خلال أكتوبر المنصرم على التوالي إلى 161.9 مليون طن، و 7.2 مليون طن، و 5.9 مليون طن.
وبخصوص مدى استفادة بلادنا من هذا الارتفاع الهام للأسعار نذكر أن شركة اسنيم أعلنت خلال السنة الماضية عن تحقيق حجم مبيعات يصل إلى حوالي 12 مليون طن، بقيمة 880 مليون دولار مثلت 35% من حجم صادرات البلاد، كما أعلنت عن تحقيق أرباح بلغت 105 مليار أوقية قديمة، وفي اعتقادنا أن العوامل التي أدت إلى تحقيق أرباح السنة الماضية قد تعززت خلال هذا العام، مما قد يقود إلى أرباح أكثر للشركة هذا العام، وهذه العوامل هي
أولا : الارتفاع العام للأسعار، حيث بلغ متوسط سعر طن بالنسبة للخام القياسي خلال السنة المنصرمة 93.41 دولارا للطن بينما كان هذا المتوسط يبلغ 69 دولارا للطن 2018 ، ومن المتوقع أن يصل هذه السنة حوالي 107 دولارا للطن.
ثانيا : انخفاض تكلفة الطاقة التي تمثل نسبة معتبرة في تكلفة الاستخراج الإجمالية، حيث نحتاج إلى حوالي 30.74 كيلووات/ساعة لإنتاج طن واحد من الخامات، وقبل أيام أعلنت الشركة عن تسجيل انخفاض في تكلفة الإنتاج بمعدل 2 دولار للطن خلال العام الجاري، وفي اعتقادنا قد يكون هذا الانخفاض يعود إلى حد بعيد إلى انخفاض تكلفة الطاقة، حيث انخفض متوسط سعر خام برنت من 71 دولار للبرميل سنة 2018 إلى 64 دولار سنة 2019، ومن المتوقع أن يبلغ 42 دولارا خلال السنة الجارية، وطبعا هذا الانخفاض ينعكس على المشتقات النفطية الأخرى.
ثالثا : زيادة الإنتاج بصورة عامة، وخاصة من الخامات عالية التركيز ( تركيز عنصر الحديد فوق 62 %) ، حيث ارتفع إنتاج الشركة من 10.7 مليون طن سنة 2018 إلى 12 مليون طن سنة 2019 ، و من المتوقع أن يبلغ الإنتاج هذا العام حدود 12.5 مليون طن.
إذن في المجمل العوامل التي وقفت وراء تحسن أداء الشركة خلال العام الماضي مزالت ماثلة بل تعززت، وهو ما نعقد أنه قد يعطي نتائج إيجابية تذكر بأيام الطفرة، حيث كانت مساهمة خامات الحديد في تكوين الناتج الداخلي الخام تصل إلى حوالي 20 %، و توفر مداخيل للدولة تصل إلى حوالي 15 % من الميزانية.
وكخلاصة يجب أن ندرك أن الاحتياطات المؤكدة من خام الحديد في بلادنا تقدر بحوالي 2 مليارطن، والمحتملة بحوالي 10 مليار طن، مما يجعلنا في المرتبة 12 عالميا في الحالة الأولى، و5 عالميا في حالة تأكيد المحتملة، وهذا مهم جدا، وقد يكون هو سر وراء استعمار واستقلال بلادنا معا، والأهم أنه يشكل حلقة وصل بيننا وسلسلة الصناعة العالمية، فخام الحديد هو المادة الأولية لصناعة الحديد والصلب ثاني أكبر صناعة في العالم بعد النفط والغاز بحجم أعمال يصل إلى حوالي 1.2 تيرليون دولار سنويا، وهو العمود الفقري لجميع الصناعات المدنية والعسكرية،إذ يقال أن النفط هو الدم الذي يجري في شريان الصناعة، والحديد غذائها.
علينا أن ندرك أن العالم مقبل على تغيرات دراماتيكية للسلسلة الإمداد العالمية، وهو ما قد يتيح لنا الفرصة للبحث عن موطئ قدم في عالم ما بعد كورونا أحسن من موقعنا الحالي في قاع السلسلة الصناعية كدولة مصدرة فقط للمادة الخام. علينا أن نغتنم فرصة تشكل عالم ما بعد كورونا، و نسعى بكل جهد إلى تغيير معادلة مستقبلنا مرهون بأسعار المادة الخام بالتقدم إلى الأمام نحو الصناعة التحويلية التي تخلق قيمة مضافة أكبر، وفرص عمل أكثر، وإيرادات أفضل.
خاص لموقع الشروق نت
د. يربان الحسين الخراشي