الشروق : فرنسا و ازدواجية المعايير في التعاطي مع بعض الأحداث والمواقف..
الشروق / أسطورة هي حرية التعبير، حيث نجد قادة الدول الغربية وخاصة فرنسا يتحدثون عن القيم والحريات وحقوق الإنسان التي هي في الحقيقة ليست سوى خرافات وهتافات يهتفون بها لأغراض دعائية وسياسية.
ولا يعتبر هذا موقفا ايديولوجيا من الغرب بل ينطلق من وقائع يبصرها العالم أجمع ويقر بها بعض الكتاب الغربيين وتؤدي في كل مرة إلى إثارة إشكالات وطرح أسئلة جديدة عن الحريات دون أن نجد لها إجابات غربية.
ومن بين هذه الحريات حرية التعبير أو حرية الرأي و هي الحق في إيصال أفكار الشخص والتعبير عنها بما لا يعتبر تعديا على حق شخص آخر. … وقد اعترف بحق حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان بموجب المادة رقم 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويعترف به في القانون الدولي لحقوق الإنسان في المعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. لكن هناك دائما ضوابط تضبط هذه الحريات إذ ليست على إطلاقها فحريتنا تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.
ومن أمثلة ذلك ما يحدث في فرنسا من ازدواجية في المعايير عند التعاطي مع بعض الأحداث والمواقف.
ففي فرنسا مثلا أقر مجلس الشعب قانون فابيوس جيسو في عام 1990م الذي يحظر مجرّد مناقشة حقيقة وقوع الهولوكست في الحرب العالمية الثانية . وقد عوقب المفكر الفرنسي الشهير ( روجيه جارودي ) عام 1998م بسبب كتاب ( الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية )، وحكم عليه بغرامة ( 20 ) ألف دولار .
ولم تصمد حريّة التعبير أمام حق قناة ( المنار ) اللبنانية التابعة لحزب الله في بث أفكارها ورؤاها، بل عملت فرنسا على منع بثّها، لأنها قدمت مسلسلاً عن جرائم إسرائيل، غير أن السؤال الأهم لماذا الوقوف هنا ضدّ حق التعبير ؟!
ولماذا تعمل دولة الحرية والمساواة والإخاء – وهي الشعارات الشهيرة للثورة الفرنسية عام 1787م – بإيقاف ( 400 ) إمام وخطيب مسجد في فرنسا تحت دعاوى متهافتة تسقط جميعها أمام أسطورة حرّية الرأي والتعبير .
ولماذا يتم تغريم ( برنارد لويس ) الأستاذ بجامعة ( برنستون ) مبلغ ( 10 )آلاف فرنك فرنسي ( حوالي 2062 دولاراً أمريكياً ) عام 1995م لأنه أنكر أن الأرمن تعرضوا لإبادة جماعية على يد الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين الميلادي،
فنجد الكاتب الأمريكي الذي نشر منشورا بعنوان مهزلة حرية التعبير يستشهد بما فعلته المجلة الفرنسية عندما شنت حملة إهانات للمسلمين وللإسلام فقد تم السماح لها بذلك ولم يسمح لها أبدا بإدانة الصهيونية. التي تقتل الأبرياء يوميا في فلسطين وتغتصب أراضيهم بدون حق شرعي
كما لاتزال فرنسا ترفض أي اعتذار في حق الشعوب التي استعمرتها ومارست عليها كل أساليب الإجرام بل حتى الإعتراف بذلك.
كما أن فرنسا منعت الحجاب في المدارس والأماكن الرسمية، في المقابل لا تمنع ارتداء القبعه الصفرية للصهاينة ولا ارتداء الصليب للمسيحيين.
وعلى ما يبدو فقد دفعت قضية الازدواجية في المعايير لدى القادة الفرنسيين والغربيين بشكل عام صحيفة (همشهري) الإيرانية إلى الدعوة لمسابقة عالمية لرسم كاريكاتيري يسخر مما يسمى المحرقة النازية الهولوكست، معلنة انها تهدف الى اختبار ردود الفعل الأوروبية الأمريكية، وهو ما حدث بالفعل على وجه السرعه حيث كان الرد هو استدعاء رئيس تحرير هذه الصحيفة لكونه دعا لنشر رسوم كاريكاتيرية.
إن المتتبع لمسألة حرية التعبير في دول الغرب سيلاحظ بدون عناء، أنها أصبحت سكينا ذات حدين، يدافع بها عن المهاجم للإسلام الساخر منه، ويدفع بها كل مشكك في بعض المعتقدات التي اكسبت نوعا من القداسة في الأوساط الغربية.
وهذه ظاهرة أصبحت تثير تساؤلا مقلقا لدى الباحثين والمراقبين، حول المعيارية المعتمدة من هذه الدول في تحديد نطاق ممارسة حرية التعبير، وهو سؤال يجد إجابة في المنظور القريب ما لم يفكك الغرب بعض مفاهيمه الخاطئة ومواقفه المسبقة من بعض القضايا التي لا يولي لها اهتماما أو لا يعتبرها على الأقل تستحق الإدخال في هذا المفهوم الذي أصبح فضفاضا على ما يبدو.
الشفاء محمدن حمينا
محررة بموقع الشروق