التضامن الموريتاني مع الشعب الصحراوي.. تقصير أم أزمة ضمير
الشروق / راجت قبل أيام أخبار عن تفكك فريق الصداقة الصحراوية الموريتانية، وراج أيضا أن ذلك لم يحصل وأن الفريق لايزال قائما وما حصل هو إنسحاب بعض أعضاءه وتغيير على مستوى رئاسته.
هذا الحدث أثار لدي المتابع الصحراوي الكثير من التساؤلات، وهي في واقع الامر ليست جديدة، وربما تمت إثارتها كثيرا قبل الآن، وتناولها البعض من الكتاب واهل التدوين على منصات العالم الأزرق، لكنها أيضا كانت محور نقاشات متعددة في أوساط المجتمع الصحراوي على مستوى النخبة والرأي العام في مختلف تواجداته وأطواره، ولا تخلو جلسة (أتاي) ولا رفقة سفر أو تجمع مهما كان نوعه إلا وكان الموضوع حاضرا نظرا لتأثيره الموجع على نفسية الإنسان الصحراوي المظلوم.
من ضمن الأسئلة التي تدعو إلى الحيرة: لماذا هذا التدني الواضح في مستوى التضامن الموريتاني مع الشعب الصحراوي؟ لماذا لاتوجد سفارة للجمهورية الصحراوية في أنواقشوط؟ مع أن السؤال الأخير مرتبط إلى حد بعيد بسلطتي البلدين، لكن للشعب دوما تأثيره وقدرته على فرض الأمور إذا ما توفرت الإرادة.
خلفية هذه الأسئلة وما يجعلها غريبة وغير مستساغة هو طبيعة التضامن العالمي الواسع مع الشعب الصحراوي وقضيته العادلة في كل أرجاء المعمورة، فالتضامن والتأييد غير المشروط يأتي من أبعد النقاط في جنوب الكوكب من أستراليا ونيوزيلاندا مرورا بجنوب أفريقيا إلى مثيلاتها في شمال الكرة الأرضية من الأماكن المظلمة في مملكة النرويج ومدن أستكلندا والممكلة المتحدة، وتبرز أيضا مؤازرة عدالة هذه القضية من أبعد نقطة في شرق الارض حيث تشرق الشمس في تيمور الشرقية واليابان إلى مكان أفولها وغروبها في سواحل معظم بلدان أمريكا اللاتينية، بل إن عدالة القضية أثرت حتى في المجتمع المدني المغربي وجاهرت بعض أطيافه بنصرتها مثل حزب النهج الديمقراطي، وحركة إلى الامام.
مايدعو للغرابة أيضا أن هذه الشعوب التي تساند وتدافع عن القضية الصحراوية لا تجمعها بالشعب الصحراوي لا الدين ولا العادات ولا اللغة ولا القرب الجغرافي، عكس الحال تماما مع الشعب الشقيق في موريتانيا الذي يتطابق كليا مع الشعب الصحراوي وهو ما يؤكده الجميع بمن فيهم المحلل الأجنبي الذي يقول أنه شعب واحد في جغرافيتين، ويورد الكاتب البريطاني الذائع (توبي شيللي) في كتابه عن الصحراء الغربية الذي عنوانه ” نهاية لعبة في الصحراء الغربية، مامستقبل آخر مستعمرة في أفريقيا؟” يورد هذه العبارة ذات الدلالة العميقة: ” إذا كان هناك من يملك الحق في ضم الصحراء الغربية فهي موريتانيا، نظرا للتطابق والتماهي في الدين واللغة والعادات والتقاليد”.
بالعودة إلى موضوعنا وتساؤلنا في عنوان هذا المكتوب، لن نضيف إلا مزيد من التساؤل لأن الأمر عصي على الفهم، لكن لنبدأ بمحاولة الجواب ونختار موضوع التقصير، وفي هذا الإطار ومحاولة منا لمس الجرح ومداواته، فإن التقصير يبدأ أساسا من طرف الشعب الصحراوي وسلطاته قبل أن يكون من الشعب الموريتاني الشقيق، فجبهة البوليساريو من زمن ليس بالقصير أهملت التعاطي والإتصال والإحتكاك بالتلاوين المختلفة للمجتمع المدني الموريتاني وأساسا الإعلام، وأكتفت على ما يبدو بعمل مناسباتي يربطها مع السلطة الموريتانية، والحال هذه بقيت العلاقة بين المجتمع الموريتاني والقضية الصحراوية شبه منقطعة أو تتماوج بين الربط والإنقطاع. مع أنه يجب الإشارة إلى أن الشعب الموريتاني شعب حر، والمثل الحساني يقول:”الحر امهاميزو منو”، وهو بالفعل ماقامت به الشعوب الأخرى البعيدة إذ تنادي بدعم ونصرة الشعب الصحراوي وقضيته دون إنتظار أن يتم الإتصال بها من الطرف الصحراوي.
لكن هذا طبعا لا يعني أن الشعب الموريتاني برئ من التقصير في حق الجار والأخ الشقيق المظلوم، فجميع جوانب قضية الشعب الصحراوي تفرض على شقيقه الموريتاني أن يستنهض كل المواصفات الدينية والأخلاقية وتلك التي تنبع من العادات والتقاليد لمناصرة الشعب الصحراوي، ولكي لا نغوص بعيدا فالسؤال التالي يكفينا الشرح والتفصيل: ” لماذا يساند الشعب الموريتاني القضية الفلسطينة التي تبعد عنه آلاف الأميال، ولا يقوم بالمثل مع القضية الصحراوية التي هي أقرب له من حبل الوريد (تحك وذنو)؟؟؟ مع أنهما في نفس الخانة في الأمم المتحدة والأتحاد الأفريقي وتنطبق عليهما نفس القوانين والمبادئ الدولية؟؟؟ فالأسباب التي تدفع بالمجتمع الموريتاني للخروج والتظاهر تأييدا لفلسطين، من تقتيل وإهانات وقمع للأطفال والشيوخ والنساء التي يرتكبها العدو الصهيوني، نفس الأسباب تحدث يوميا وبمنهجية أقسى وأنذل على بعد مرمى حجر(زرقة أعقال) من موريتانيا من طرف عدو لا يقل صهيونية عن إسرائيل وتاريخه حافل بالشواهد على ذلك ليس فقط ضد الصحراويين بل حتى ضد الشعب المغربي نفسه.
أما موضوع أزمة الضمير فهو معقد ويستدعي الحذر والحيطة، ,وطرح السؤال بهذه الصيغة يشبه إلى حد بعيد السير في حقل ألغام، فمن المعروف أن الشعب الموريتاني هو أكثر الشعوب العربية حفاظا على قيم الدين الإسلامي ومبادئه، والأكثر تمسكا بها وبالنتيجة يكون أكثرها وفاءا وهمة وغيرة وحمية ونصرة للمظلوم، وهذا معناه أن الضمير الجمعي لا زال بخير ومعناه أيضا إستبعاد أن يكون تدني تكاتف الشعب الموريتاني مع شقيقه الشعب الصحراوي سببه أزمة ضمير.
الخلاصة التي ينبغي أن ننهي بها هذه المساهمة هي أن قضية الصحراء الغربية لا تزال تحتاج أكثر من الدعم والمساندة من الشعب الموريتاني، ويمكن القول أنه يعاب على الشعب الموريتاني الشقيق أن لايكون أكثر قربا للشعب الصحراوي وقضيته من أمم العالم الأخرى التي لا يلزمها ما يلزمه من قيم الدين والجورة والأخوة، وانه عليه أن يجسد تلك الشهامة والنخوة والمبادئ التي جبل وتربى عليها تجاه شعب صغير جار ومقهور. أي ان المتابع والمحلل إذا تناول هذا الموضوع وتساءل مثل ما فعلنا في هذا المقال لن يجد عذرا يقنعه بواقع الأمر، ولا يمكنه إلا أن يشير بالبنان إلى موريتانيا خاصة الرأي العام والمجتمع المدني، وأنه هناك شئ غير معقول وغير مبرر في موقفها ودعمها لهذه القضية العادلة.