الإمارات تسعى للتأثير في الشأن الموريتاني وتحتفي بترشيح ولد الغزواني
الشروق / تسارعت وتيرة الإعداد للانتخابات الرئاسية في موريتانيا، المقرّر إجراؤها شهر يونيو القادم، وسط حالة من الاستقطاب بين النظام الحاكم الذي حسم مرشحه، وبين قوى المعارضة التي لا تزال تتدارس خياراتها، في ظل مخاوف من سعي بعض الجهات الدولية للتأثير في سير العملية الديمقراطية في البلاد.
وكان النظام قد اختار وزير الثقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة، الذي يشغل في الوقت ذاته منصب رئيس حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، لإعلان اسم مرشّحه للرئاسة؛ وهو وزير الدفاع الحالي والقائد العام لأركان الجيوش سابقاً، الفريق محمد ولد الشيخ الغزواني.
وقطع ترشيح الغزواني الشك باليقين في أنه لم يعد هناك مأمورية ثالثة للرئيس الحالي، محمد ولد عبد العزيز، الذي يحكم البلاد مند العام 2008 (بعد انقلاب أطاح بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس مدني منتخب).
كما وضع الإعلان حداً نهائياً للمبادرات الساعية لتعديل دستور البلاد لتمكين الرئيس عبد العزيز من الاستمرار في السلطة، والتي أطلقها برلمانيون من الأغلبية الحاكمة.
ويعتبر الغزواني وجهاً آخر للرئيس عبد العزيز، فهو صديق مقرّب منه، ورافقه في دراستهما العسكرية بالمملكة المغربية، وصاحبه في قيادة انقلابي عام 2005 و2008، وظل إلى جانبه في أصعب الظروف التي مرّ بها بعد تعرّضه لإطلاق نار، في العام 2013، وقد أصبح الممسك الفعلي بمقاليد الأمور في البلاد طوال فترة علاج عبد العزيز بالخارج، التي استمرت عدة أشهر.
واعتبرت أوساط الأغلبية الحاكمة أن ترشيح غزواني لخلافة الرئيس عبد العزيز هو استمرار في النهج ومواصلة لما وصفتها “بمسيرة التنمية التي قادها ولد عبد العزيز على مدى العشرية الأخيرة”.
لكن مراقبين رأوا أنه بتمكّن الغزواني من الوصول إلى السلطة لن يكون هناك تغيير كبير في نمط ولا طريقة التعاطي مع الملفات الشائكة في البلد، ولا على مستوى علاقات البلاد الخارجية خلال الفترة التي سيتولى فيها غزواني قيادة البلاد؛ باعتبار أنه كان شريكاً في السلطة من مختلف المواقع التي شغلها.
مرشح المعارضة
وفي حين دخل مرشح النظام للرئاسة عملياً في استقبال الداعمين له من النافذين وقادة المبادرات، وفي وضع الترتيبات لإطلاق حملته، لا تزال قوى المعارضة تتدارس خياراتها للوصول إلى تسمية مرشحها الرئيسي للمنازلة الانتخابية، بعد أن استعصى عليها خيار المرشح الموحد؛ إثر خروج حزب الصواب المعارض عن حالة الإجماع وترشيحه للناشط الحقوقي بيرام ولد أعبيد، زعيم “الحركة الانعتاقية المناوئ للعبودية”.
ورجّح صالح ولد حننا، رئيس حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني، القيادي بالتحالف الانتخابي المعارض، ورئيس لجنة الرئاسيات، أن تتم تسمية مرشح المعارضة في ظرف لا يتعدّى الأسبوعين، بعدما انتهت اللجنة التي يرأسها من كتابة البرنامج الانتخابي.
وأكد صالح في تصريح خاص لـ”الخليج أونلاين” صحة الأنباء التي تحدثت عن اتصالات لقادة التحالف بالوزير الأول السابق، سيد محمد ولد بوبكر ، معتبراً أنه من بين الخيارات التي تبحثها المعارضة، كما أن من بينها –يضيف ولد حننا- رجل الأعمال المقيم في الخارج، محمد ولد بوعماتو.
ومع أن الوقت لم يعد متّسعاً قبل الدخول الفعلي في المنافسات الانتخابية، يؤكد قادة المعارضة ضرورة تحسين شروط العملية الانتخابية ومراجعة تشكيلة اللجنة الوطنية المستقلّة للانتخابات التي تتولى الإشراف على العملية، كما يؤكدون عزمهم فرض التغيير من خلال تقديم شخصية قادرة على الاستقطاب وذات مصداقية وجماهيرية.
وكان تحالف معارض يضم منتدى المعارضة (أكبر تجمع لأحزاب المعارضة)، إضافة إلى عدة كيانات حزبية أخرى؛ ككتل القوى الديمقراطية، واللقاء الديمقراطي، وحزب “إيناد”، قد وقّع على وثيقة يلزم فيها بتقديم مرشح موحد أو مرشح رئيسي للرئاسيات.
احتفاء إماراتي
ولقي إعلان النظام ترشيح الغزواني لرئاسة موريتانيا ارتياحاً وثناء كبيراً في الإمارات، حيث وصفت جريدة “الاتحاد” الإماراتية الغزواني، في عددها الصادر بتاريخ 10 فبراير الجاري، بأنه “طوق النجاة ورجل المرحلة”، معتبرة أن “ترشيحه لم يكن مفاجئاً لخوض انتخابات الرئاسة؛ باعتباره استمراراً للمشروع الوطني الرائد، مشروع الأمن والديمقراطية والتنمية ومحاربة الإرهاب، الذي أسسه صديقه الرئيس محمد ولد عبد العزيز”.
ويلفت الإعلامي محمد فال ولد الشيخ الانتباه إلى أن البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية، الذي طالب فيه الرئيس عبد العزيز البرلمانيين الساعين لتعديل الدستور بوقف مبادرتهم، وصل إلى التلفزيون الرسمي لإذاعته من أبوظبي؛ حيث كان الرئيس حينها في الإمارات.
وتربط وزير الدفاع، القائد العام للجيش سابقاً والمرشح للرئاسة الموريتانية حالياً، علاقات قوية بالإمارات التي زارها عدة مرات، كانت آخرها قبيل إعلان ترشيحه للرئاسة، كما سبق له أن شارك مع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والمشير خليفة حفتر، في الاستعراضات العسكرية التي شهدتها مصر بمناسبة تدشين قاعدة محمد نجيب العسكرية، يوليو 2017.
وإبان قيادته للأركان العامة للجيش أُنشئت كلية للدفاع بالعاصمة نواكشوط أطلق عليها كلية محمد بن زايد للدفاع الجوي.
وعزز النظام الحالي من علاقاته بالمحور الإماراتي السعودي؛ حيث عمد إلى قطع العلاقات مع قطر بعيد إعلان دول الحصار مقاطعتها، كما كثّف الرئيس عبد العزيز من زياراته للإمارات، حيث أجرى زيارتين متتاليتين في أقل من شهر، بداية العام الجاري.
وفي الزيارة الأولى التي قام بها لأبوظبي، منتصف يناير الماضي، أشرف عبد العزيز وولي عهد أبوظبي على توقيع اتفاقية بين “صندوق خليفة لتطوير المشاريع” و”صندوق الإيداع والتنمية الموريتاني”، بقيمة 25 مليون دولار أمريكي.
وفي بداية فبراير الحالي، حضر عبد العزيز مؤتمر الحكومات الذي احتضنته دبي، وهو ما جعله يتغيّب عن افتتاح قمة الاتحاد الأفريقي المنعقدة بأديس أبابا بالتزامن معها.
ويرى الإعلامي ولد الشيخ أن الإمارات تسعى منذ فترة إلى أن تكون لاعباً مؤثراً في الشأن الموريتاني؛ من خلال الاستثمارات الضخمة التي ضخّتها للاستحواذ على منافذ البلاد (صفقة تسيير مطار أم التونسي الدولي وميناء نواكشوط المستقل)، وفي مجال الزراعة كذلك.
كما أنها بدأت تمد خيوطها إلى التأثير الإعلامي من خلال ضخّ مبالغ مالية ضخمة لشراء مؤسسات إعلامية وللتأثير في توجهات عدد كبير من الفاعلين في الإعلام؛ وذلك للحيلولة دون حصول انتقال ديمقراطي سلس للسلطة في البلاد.
ويرجّح ولد الشيخ أن يتعزز هذا التوجه الإماراتي في العهدة القادمة ما لم يطرأ متغيّر كبير في الساحة المحلية يقلب حسابات النظام ويؤدي إلى فوز المعارضة، أو على مستوى الساحة الدولية بما يحدّ من طموحات قادة الإمارات ويضعف محور الثورة المضادة.
نواكشوط – الخليج أونلاين