أبيدجان، أبوجا والكركرات.. تربك حسابات المغرب الفرنسي
استغربت حقيقة من مقال سمي بـ”التحليلي” نشره موقع “هيسبريس” المغربي للمدعو الدكتور محمد الزهراوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، تحت عنوان: “هذه دلالات وخلفيات التصعيد الجديد لمليشيات البوليساريو بالكركرات”.
مقال مغالط يعكس حقيقة الفشل والهزيمة المرة التي تلقاها المغرب الأشهر الأخيرة، وهو ما يعرفه جيدا الأستاذ محمد زهرواي ويعرفه نظام الاحتلال المغربي جيدا:
1- قمة أبيدجان:
راهن المغرب الفرنسي بقوة على قمة الشراكة الخامسة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي المنعقدة بأبيدجان عاصمة كوت ديفوار، وكانت كافة التصرحيات الرسمية المغربية والفرنسية تعمل في اتجاه واحد لاغيره، منع الدولة الصحراوية من حضور القمة، فمورست كافة الضغوط واستخدمت كافة الوسائل من رشاوى وإغراءات من قبل المغرب ومن مركزيته فرنسا على العديد من الدول الأفريقية والأوروبية، وأساسا على الرئيس حسن واتارا رئيس كوت ديفوار لتحقيق الهدف، وبالمقابل التصريحات الرسمية للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية أكدت ومنذ الباداية بأن القمة بحضور الدولة الصحراوية أو لا قمة، والنتيجة يا أستاذ الزهراوي، كانت حضور الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وجلوسها بنفس مستوى التمثيل وتحت نفس السقف وبنفس الحقوق والواجبات إلى جانب المغرب وفرنسا وأخذ الصورة العائلية لرؤساء الدول والحكومات الأفريقية والفرنسية والرئيس الصحراوي لا يفصله عن “الرئيس المغربي” ماكرون و”المقيم الفرنسي العام” بالمغرب محمد السادس غير نصف متر، مما جعل المقيم الفرنسي العام بالمغرب محمد السادس ينسحب مباشرة ليحل محله أخوه مولاهم رشيد، وبعد ذلك سفيرة المغرب الدائمة بالاتحاد الأفريقي نزهة العلوي في أدنى تمثيل للملكة بقمة الشراكة، وتحولت القمة التي راهن عليها المغرب ومركزية قراراته فرنسا نصرا ساحقا للدولة الصحراوية كرس مكانتها وفتح الأفق أمام المزيد من المكاسب الدبلوماسية خصوصا على مستوى الدول الأوروبية، مما سيزيد من تضييق الخناق على المغرب وفرنسا؛ فمن انتصر حقيقة يا أستاذ الزهراوي؟
2- قمة أبوجا:
منذ أزيد من سنة والمغرب يلهث وراء المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، فقدم طلبا رسميا بالانضمام، وأغرى نيجيريا بأنبوب غاز خيالي، وقدم من المشاريع الوهمية لدول المجموعة ما لايمكن تصوره، وأوفد عديد الوفود واستقبل عديد الشخصيات من أجل الحصول على العضوية بالمجموعة، وأكد في كافة تصريحاته الرسمية بأن الموافقة حصلت وأنه عضو بالاكواس لامحالة، واستغل رئيس المملكة المغربية ماكرون زيارته للدول الستة قبل وبعد قمة الشراكة في أبيدجان للدفع في هذا الاتجاه، وهاجم موريتانيا بأنها تحاول التضييق عليه بطلبها استرجاع عضويتها في مجموعة تعد من مؤسسيها، النتيجة، انعقدت الدورة العادية الـ52 لمؤتمر رؤساء دول وحكومات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا؛ حضرت موريتانيا ولم يحضر المغرب، ولم يتم البت في عضويته، وكالعادة بدأ المغرب محاولاته الفاشلة في التغطية على الهزيمة، أمر موظف القصر فرانسوا سودان صاحب “جون أفريك” بتسريب معلومات مغلوطة حول عدم إنجاز تقرير تقني وهمي، وكان إعداد التقرير التقني في طلب من هذا الحجم يتطلب قرنا من الزمن والترويج أن البت في العضوية سيتم مطلع 2018؛ فكيف ترى هذا الأمر أستاذ الزهراوي؟
3- ملف الكركرات:
فيما يتعلق بموضوع الكركرات، وللتوضيح فقط،
1- في 06 سبتمر 1991، أي بالضبط يوم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في إطار مخطط التسوية الأممي الذي حظي بموافقة طرفي النزاع (جبهة البوليساريو والمغرب) من أجل تنظيم استفتاء لتقرير المصير يختار فيه الشعب الصحراوي بين الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب، لم تكن هناك أية ثغرة أو معبر لا في الكركرات ولا في أية نقطة أخرى على طول جدار الذل والعار المغربي، أي أن الاتفاق العسكري رقم 1، يجعل أي محاولة لتغيير الوضع القائم إبان وقف إطلاق النار خرقا للإتفاق، وهو ما قام به المغرب سواء من خلال فتح المعبر أو من خلال تحريك قواته العسكرية 12 أغسطس 2016، مما جعل الجبهة تتدخل بعد تأخر تدخل بعثة الأمم المتحدة من أجل الاستفتاء بالصحراء الغربية لصد الاعتداء المغربي.
2- سنة 2012، وفي إطار إجراءات تبادل الثقة المتمثل في تبادل الزيارات بين العائلات الصحراوية التي يقسمها جدار الذل والعار، اقترحت الأمم المتحدة في جنيف على الطرفين فتح معبر في الجدار لفتح المجال أمام تبادل الزيارات العائلية برّاً، الجبهة وافقت والمغرب رفض متذرعا بأنه لا يقبل تغيير الوضع القائم يوم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
3- يوم 27 فبراير 2016، الجيش المغربي يقتل المواطن الصحراوي، شماد جولي، فقط لأنه اقترب من جدار الذل والعار وكان مبرره المعلن أن المدني الصحراوي خرق وقف إطلاق النار واقترب من المنطقة العازلة.
وهنا أسأل الأستاذ الزهراوي، من الذي يعطي المغرب الحق في حماية اتفاقية وقف إطلاق النار ورفض تغيير الوضع القائم إبان وقف إطلاق النار على طول الجدار، ويخترقه ويغير الوضع القائم في منطقة الكركرات ويريد منع الجبهة من حماية اتفاق وقف إطلاق النار، ورفض تغيير الوضع القائم إبان وقف إطلاق النار، والاتفاق حظي باتفاق طرفي النزاع ووقف إطلاق النار كان بين ذات طرفي النزاع؟
وللتوضيح أكثر أستاذ الزهراوي، أحيلكم على النقاط الأولى من قرار مجلس الأمن 2351 لأبريل2017.
2ـ يؤكد من جديد ضرورة الاحترام التام للإتفاقات العسكرية التي تم التوصل إليها مع البعثة بشأن وقف إطلاق النار، ويدعو الطرفين إلى التقيد التام بتلك الاتفاقات؛
3ـ يقر بأن الأزمة الأخيرة في المنطقة العازلة في الكركرات تثير مسائل أساسية تتعلق بوقف إطلاق النار والاتفاقات ذات الصلة ويشجع الأمين العام على بحث السبل التي يمكن من خلالها حل هذه المسائل؛
4ـ يهيب بجميع الأطراف إلى إبداء التعاون التام مع عمليات البعثة، بما فيها تفاعلها الحر مع كافة المحاورين، واتخاذ الخطوات اللازمة لضمان أمن موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها وكفالة تنقلهم بدون عوائق ووصولهم إلى مقاصدهم فوراً في سياق تنفيذ ولايتهم، وفقاً للاتفاقات القائمة؛
5ـ يشدد على أهمية التزام الطرفين بمواصلة عملية التحضير لعقد جولة خامسة من المفاوضات، ويشير إلى تأييده للتوصية التي وردت في التقرير المؤرخ 14 نيسان/أبريل 2008 (S/2008/251) والتي جاء فيها أن تحلّي الطرفين بالواقعية والرغبة في التسوية أمرٌ ضروري لإحراز تقدم في المفاوضات، ويشجع البلدين المجاورين على القيام بإسهامات هامة في هذه العملية؛
وهو القرار الذي اتخذ بعد قرار الجبهة إعادة انتشار قواتها بالمنطقة على أساس أن تتدخل الأمم المتحدة لحسم الخلاف حول ما يسمى معبراً كونه خارج إطار اتفاق وقف إطلاق النار، فجاء الالتزام واضحا من مجلس الأمن بإيفاء بعثة تقنية للتفاوض بين الطرفين من أجل حل الاشكاليات المتعلقة باتفاق وقف إطلاق النار والتي تسببت في أزمة الكركرات.
اليوم تمر قرابة ثمانية أشهر على القرار، فلا لجنة تقنية زارت الطرفين ولا تفاوض تم حول الملف، والمغرب يواصل استخدام الثغرة غير الشرعية لعبور مئات الشاحنات والسيارات التي تنقل البضائع التجارية وما إلى ذلك من المغرب إلى دول أفريقية، والاحتمال كبير بأن تكون تلك الشحنات من الثروات الطبيعية الصحراوية المنهوبة من قبل المحتل المغربي، وعلى هذا الأساس جاءت رسالة الأخ الرئيس إبراهيم غالي الأخيرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة المحذرة من العودة إلى الأزمة، أي بنفس الطريقة التي تعاملت معها الجبهة أغسطس 2016، تنبيه ثم تحدير ثم التصرف وغلق المعبر.
أما فيما يتعلق بما جاء فيما أسميتموه “تحليلا”، أستاذ الزهراوي، وأسيتموها “أدلة ودواع للتصعيد” فأريد أن أوضح ما يلي يا أستاذ:
1- الوضع الداخلي للجبهة والذي راهن عليه المغرب خلال كافة المراحل منذ اجتياحه العسكري للصحراء الغربية في 31 أكتوبر 1975 فهو اليوم أقوى وأكثر صلابة من أي وقت مضى، فلا الرهان على الوحدة الوطنية نجح ولا الرهان على الجبهة نجح ولا الرهان على استشهاد الشهيد الولي نجح ولا الرهان على الشهيد محمد عبد العزيز نجح ولا الرهان على التنظيمات الموازية منذ 1972 نجح ولا الرهان على القبلية أو الجهوية نجح، والشعب الصحراوي كل يوم أقوى وكل يوم أكثر صلابة وإصرارا على تحقيق أهدافه، وشعاره الدولة الصحراوية المستقلة هي الحل.
2- موقف فرنسا الذي تحاول جعله حدثاً، لم يكن إطلاقا حدثاً، ففرنسا هي التي أمرت بتنظيم المسيرة السوداء ومولتها، وفرنسا هي التي شاركت بطائراتها وخبرائها وسلاحها في الحرب إلى جانب المغرب، وفرنسا هي التي تقف حجر عثرة أمام أية إدانة للمغرب في مجلس الأمن سواء تعلق الأمر بملف حقوق الانسان أو تعلق بالتعاطي السلبي مع مساعي الأمم المتحدة، وفرنسا لا أحد يجهل أنها المحتل الحقيقي والفعلي للصحراء الغربية، وقول ماكرون بأن “الصراع مغربي جزائري” لا يغير شيئا، كما لم يغير شئيا ضغط فرنسا وتدخلها لإعادة توجيه أسس بناء الاتحاد الأفريقي لم يفلح، وكان فشلها ذريعا في قمة الشراكة الخامسة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي بأبيدجان.
3- أما فيما أسماه الاستاذ الزهاري “تغيرا في الموقف الدولي الأممي من القضية”، فحقيقة لا أعرف على ما استند، لأنه منذ أيام فقط صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار اللجنة الرابعة المعنية بتصفية الاستعمار الذي يؤكد على أن القضية قضية تصفية استعمار ويطالب الأمم المتحدة بتحمل مسؤوليتها وضمان حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، كما أن قرار مجلس الأمن 2351 الذي يحدد بوضوح مهمة المبعوث الشخصي واضح ويؤكد في النقطة الثامنة على أنه يهيب بالطرفين إلى استئناف المفاوضات برعاية الأمين العام دون شروط مسبقة وبحسن نية، مع أخذ الجهود المبذولة منذ عام 2006 والتطورات اللاحقة لها في الحسبان، وذلك بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره في سياق ترتيبات تتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده.
وفي الأخير أرجو أن يساهم الدكتور الزهاري في توجيه حكومة بلده المحتل نحو المسار الحقيقي للتسوية بما يخدم مصالح الشعبين وشعوب المنطقة في الأمن والاستقرار والتعايش، فلا الملف المطوي طُوي ولا الجهوية المتقدمة نفعت، ولا الحكم الذاتي الذي مات في المهد نفع، ولا الكونفدرالية التي تحدث عنها الذكتور الزهاري وقبله روج لها مرارا الدكتور المجدوبي مطروحة للنقاش.
الحل واضح وطريقه واضح:
1- التفاوض مع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كبلدين عضوين بالاتحاد الأفريقي لرسم أفق الحل الذي يحفظ ماء وجه الاحتلال ويضمن له بعض المصالح ويكون الحل مبني على مبدأ “رابح-رابح”.
2- الاستفتاء الذي سيكون مبني على مبدأ “رابح–خاسر”.
ــ بقلم: محمد سالم أحمد لعبيد