هل يصبح ترامب هتلر الأميركي؟
لم يأخذ المحللون والصحافيون المهتمون بالانتخابات الأميركية إعلان الملياردير دونالد ترامب عزمه على الترشح للرئاسة على محمل الجد. مقدمو البرامج “التوك شو” حولوه إلى مادة للسخرية معلقين على قصة شعره الغريبة ولون بشرته وزيجاته المتعددة.
معلقون سياسيون قالوا متهكمين إنهم سيهاجرون إلى كندا بمجرد إعلانه القسم الرئاسي. ولكن ما بدا أنه مزحة في البداية تحول في الآونة الأخيرة إلى حقيقة مزعجة لا يريد أحد أن يصدقها مع أخبار تصدر ترامب الاستفتاءات وبفارق كبير عن منافسيه الجمهوريين. بعد الانتصارات الأخيرة لترامب التي كان آخرها في ولاية نيفادا تحولت الحقيقة المزعجة إلى كابوس هز المستهزئين بترامب، ما جعلهم يطلقون صحيات التحذير منه ويدعون للتكاتف من أجل إيقافه بأي ثمن. هناك من شبه ترامب بالنسخة الأميركية من هتلر ودعا للقضاء عليه قبل أن تحل الكارثة ويصبح الرجل الأقوى في العالم.
ولكن ماهي الأسباب التي حولت ترامب من مزحة ثقيلة إلى ظاهرة غريبة تكبر يوما بعد آخر.
هاجم المسلمين والبابا وبوش!
قال المعلق اليساري بيل مير ساخراً من قدرة ترامب على انتصاراته المتتالية على الرغم من الأخطاء الفادحة التي وقع بها ، بالقول: “ترامب لا يتردد بقول أول شيء يتبادر إلى ذهنه. تزيد شعبيته مع أي حماقة يتفوه بها”. هذا ما بات يحير المراقبين، فنجم برامج الشو وامبراطور العقارات، ارتكب كل الأخطاء الكفيلة بإخراجه ذليلا من السباق الانتخابي ولكن النتائج أتت عكسية. مع كل هفوة تصعد أسهمه ومع كل حماقة جديدة تزيد شعبيته. عندما هاجم ترامب النساء وتلاسن مع مذيعة محطة فوكس نيوز الإخبارية ميغين كيلي، قيل إن هذه بداية النهاية لكن نجمه توهج بعدها وآلاف النساء لا يتوقفن عن التصويت له. ارتكب بعد ذلك ما وصفت بأنها القاضية عندما طالب بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأميركية، لكنه خرج منها بدون خدوش. قارع عائلة بوش المقدسة جمهوريا حينما سخر من ارتباك وخمول جيب، ووصف شقيقه الأكبر الرئيس الثالث والأربعين بالكاذب الذي خدع الأميركيين وقادهم لحرب العراق.
تعديه بحديث جارح على عائلة جمهورية عريقة رفعت رأس المحافظين عبر رئيسين وحاكم ناجح، كان خرقا خطيرا ومواجهة مباشرة مع المؤسسة الجمهورية كلها. ومع هذا أخرج ترامب بوش الأصغر ذليلا من السباق وسخر من الـ130 مليون دولار التي خصصها أثرياء الجمهوريين له. تصاعدت تجاوزاته ولم يوفر أحدا لم يتعارك معه، حتى جاء الدور على بابا الفاتيكان الذي وصف ترامب بأنه “غير المسيحي الذي يفكر ببناء الجدران وليس الجسور”. مبارزة رجل يتبعه 1.2 كاثوليكي تعد خطوة انتحارية لسياسي يطمح لكسب أصواتهم ولكن ترامب لم يسكت عن “تكفير” البابا وقال ساخرا إن بناء الجدران ستحمي الفاتيكان من داعش الذي يخطط لاستهدافه.
لم تتوقف هجماته الشرسة، ففتح النار على الصين والمكسيك ودول أخرى، ومع كل نتائج تصويت يكون هو الأول بلا منازع. أدرك ترامب بنفسه هذا الهوس وبأن شعبيته ستكبر بغض النظر عن سلوكه وتصريحاته. قال مؤخرا متفاخرا بولاء مؤيديه: “أستطيع أن أقف في وسط نيويورك وأقتل شخصا ولن أخسر بسبب ذلك شخصا واحدا”.
الفرق بين فيلق القدس والكرد!
“ما هو سره؟”. هذا هو السؤال الذي يردده المحتارون في محاولة لتفسير هذه الظاهرة الغريبة والتي لا يمكن دراستها بمقاييس التحليل السياسي الكلاسيكي. في حديث إذاعي سأله المقدم عما سيفعل مع فيلق القدس، فرد ترامب: “نعم الكرد هم حلفاؤنا!!”. رده شكل فضيحة في الأوساط الصحافية والثقافية لعجزه عن التفريق بين كلمتي “القدس” و”الكرد”. ولكن انعدام معرفته السياسية التي لا ينكرها بشدة لم تؤثر عليه. على الرغم من أنه لا يملك رؤية نظرية سياسية محددة وبرنامجا اقتصاديا واضحا إلا أن أشياء أخرى هي ما تجذب الناخبين له. استطاع هو بذكاء ومهارة أن يحقنها في أدمغتهم. أحد الأسباب هو ظهوره بمظهر المقاتل الشجاع الذي لا يواجه فقط المؤسسة الديمقراطية، بل أيضا الجمهورية التقليدية. ناخبون محبطون من المؤسسات السياسية المتخشبة رأوا فيه ثورة وخروجا عن المألوف الذي اعتادوه طيلة عقود ولم يجنوا منه شيئا سوى الأمنيات. كل الوعود من جمهوريين سابقين بتقليص حجم الحكومة، والقضاء على المشاريع التي تشرف عليها، ومنع المهاجرين من التسلل عبر الحدود، لم تحقق على أرض الواقع.
استغل ترامب هذا التململ وقدم نفسه بصورة رجل الأعمال اللامع المعادي بشكل فطري للمؤسسات البيروقراطية، والذي يمول حملته بنفسه، والقادر على إعادة “أمريكا عظيمة مجددا” كما هو شعار حملته.
صحيفة “النيويورك تايمز” سألت في تقرير لها إحدى النساء المؤيدات له عن سبب التصويت له فلم تتحدث عن السياسة والاقتصاد والدين وإنما قالت: “أليس رائعا أن يأتي شخص يحرك كل هذا الركود.”. استغل ترامب مهاراته الإعلامية عبر البرامج الشهيرة التي قدمها واستطاع أن يتصل مع الجماهير بشكل عفوي وبسيط على عكس الساسة الآخرين الذين يشعرون الناس بضآلة حجمهم ومستوى ذكائهم المحدود. عفوية ترامب وتعبيره عن مشاعره المتخلفة بدون تحفظ أو تردد جعل الآخرين يشعرون أنهم قريبون منه، بسيط وصريح بلا أقنعة يحترف الساسة تبديلها.
هتلر الأميركي
انتصارات ترامب الأخيرة أيقظت المعلقين الغارقين في أحلام سقوطه الوشيك. فترامب الأضحوكة في السابق أصبح شبيها بهتلر كما كتب الصحافي دانيال آلن في صحيفة “الواشنطن بوست” في مقال أشبه بصيحة إنذار عنوانه “لحظة الحقيقة: يجب أن نوقف ترامب”. يشير الكاتب إلى أن صعود ترامب المفاجئ والمخيف شبيه إلى حد كبير بصعود هتلر. وتماما كالزعيم النازي، ترامب شعبوي ويخاطب الغرائز واستغل الانقسام السياسي داخل المجتمع الأميركي ليحقق طموحه الخطير. وحذر الكاتب الذي يدرس العلوم السياسية في جامعة هارفارد من الطريقة غير المسؤولة والمحبطة التي تتعامل بها النخبة المثقفة مع صعود ترامب.
طريقة مشابهة إلى حد كبير مع تعامل النخبة المثقفة الألمانية مع بزوغ نجم هتلر وحتى توليه للرئاسة عبر انتخابات ديمقراطية.
الفيلسوفة الألمانية حنة أردنت وصفت انهزام المثقفين الألمان حينها بالهروب إلى المنفى الداخلي وانعدام الأمل.
ويطالب الكاتب بنبرة مذعورة بأن على الجمهوريين الالتفاف حول الجمهوري الشاب ماركو ربيو للإطاحة بترامب في فرصة أخيرة للقضاء عليه قبل أن ينتصر ويتحول الكابوس إلى حقيقة.