أخبار وتقاريركتاب ومقالاتمميز

المرشح الموريتاني سيدي ولد التاه لرئاسة البنك الإفريقي للتنمية : خبرة تقنية وطموح دبلوماسي في سباق معقد

الشروق نت / مع اقتراب موعد التصويت لاختيار الرئيس القادم للبنك الإفريقي للتنمية، تتجه الأنظار إلى العاصمة الاقتصادية ، آبدجاه ، حيث تشتد المنافسة بين خمسة مرشحين يتسابقون على منصب يعتبر من أهم المواقع المالية في القارة السمراء.

من بين هؤلاء، يبرز اسم المرشح الموريتاني سيدي ولد التاه، الذي يدخل السباق بملف يجمع بين الكفاءة التقنية، التجربة الحكومية، والخبرة في المؤسسات التنموية الإقليمية.

لكن وسط ديناميكيات تصويت معقّدة، ومنافسة قوية من مرشحين ينتمون إلى دول ذات وزن سياسي واقتصادي، تثار تساؤلات حول مدى واقعية حظوظ ولد التاه، وإلى أي مدى يمكن لتجربته ومساره أن يشكلا رافعة نحو المنصب القاري الأرفع.

ينطلق ترشيح سيدي ولد التاه من أرضية مهنية صلبة، فقد شغل منصب وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية في موريتانيا، حيث أشرف على ملفات الإصلاح المالي والتخطيط الاستراتيجي، قبل أن ينتقل إلى العمل الإقليمي مديرًا عامًا للبنك العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا (BADEA)، وهو ما أتاح له بناء فهم معمّق للتحديات البنيوية التي تواجه دول القارة، لا سيما تلك الأقل اندماجًا في النظام المالي الدولي.

ويمثل هذا المسار نقطة قوة واضحة في ملفه، إذ يجمع بين البعد السياسي الوطني والخبرة التنفيذية الإقليمية، وهو مزيج يندر توفره في كثير من المرشحين في مثل هذه المناصب.

وعلى المستوى السياسي، نجح ولد التاه في تأمين دعم من دول عديدة، على رأسها الجزائر، مالي ، الإمارات، كوت ديفوار ، إيطاليا ، وهو دعم يعكس تقديرًا لمؤهلاته الشخصية، كما يعبر عن رغبة بعض هذه الدول في الدفع بمرشح توافقي قادر على تحييد التوترات الإقليمية داخل المؤسسة.

غير أن هذا الدعم، رغم رمزيته، يصطدم بواقع تصويت معقد، حيث لا تزال دول مؤثرة مثل نيجيريا، جنوب إفريقيا، مصر، والولايات المتحدة، لم تعلن دعمها لأي مرشح حتى الآن ، وتمتلك هذه الدول نسبًا تصويتية مرجّحة، ما يطرح علامات استفهام حول قدرة ولد التاه على كسر الحاجز الجيو سياسي.

من ناحية المضمون، يعرض سيدي ولد التاه رؤية تقوم على تعزيز السيادة الاقتصادية لإفريقيا، تعبئة رؤوس الأموال للاستثمار في البنية التحتية، تسريع رقمنة الاقتصاد، ودمج القطاع غير الرسمي ضمن الدورة الاقتصادية، كما يولي اهتمامًا خاصًا بتأثير التغيرات المناخية، ويقترح بناء آليات تمويل مقاومة للأزمات.

وتعكس هذه المحاور فهمًا تقنيًا دقيقًا لطبيعة التحديات الإفريقية، كما تدل على مرونة في صياغة حلول تراعي الفوارق الكبيرة بين الاقتصادات الإفريقية، ما يجعله مرشحًا يتمتع بقدرة تحليلية وتجريبية متقدمة.

في مقابل ذلك، فإن حملة ولد التاه واجهت تحديًا على مستوى الحضور الإعلامي والدبلوماسي مقارنة ببعض منافسيه،  فقد اعتمدت حملته على خطاب هادئ، ورسائل مركزة، وتحركات دبلوماسية ذات طابع مؤسساتي، لكنها افتقدت إلى الزخم  الشعبي و  الإعلامي الذي تمكنت حملات أخرى من استثماره بفاعلية.

ومع وجود مرشحين مثل أمادو هوت (السنغال) وسوازي تشابالالا (جنوب إفريقيا)، الذين يتمتعون بشبكات دعم أوسع وحملات اتصالية أكثر انفتاحًا، يبدو أن ولد التاه بحاجة إلى رافعة سياسية جديدة في اللحظات الأخيرة، إما من خلال تحالفات مفاجئة أو بروز دعم قوي من كتلة وازنة داخل المجلس . 

تجدر الإشارة إلى أن عملية انتخاب رئيس البنك تخضع لآلية معقدة، تتطلب الحصول على أغلبية مزدوجة: من الدول الأعضاء الإفريقية (54 دولة) ومن إجمالي الأعضاء (81 دولة)، مع احتساب التصويت بحسب الوزن المالي لكل دولة ، وهو ما يجعل التحالفات السياسية والدبلوماسية أهم من أي عنصر آخر في حسم النتيجة، حتى لو امتلك المرشح أعلى مؤهلات مهنية.

هذا الواقع قد يكون سيفًا ذا حدين بالنسبة لسيدي ولد التاه؛ فمن جهة، لا يرتبط بأي محور سياسي حاد، ما يجعله مقبولًا لكثيرين، لكن من جهة أخرى، قد يصعب عليه تعبئة الدعم دون التزكيات الثقيلة من الكتل الكبرى.

في المحصلة، يقدّم سيدي ولد التاه نفسه كمرشح يتمتع بخبرة واسعة، وكفاءة تقنية، ورؤية متماسكة، وهو ما يجعله في موقع متقدم من حيث الجدارة، لكن معادلة الفوز لا تكتمل بالكفاءة فقط، بل تتطلب قدرة على كسب الأصوات في سوق سياسية دبلوماسية بامتياز.

وما بين سيرة مهنية لافتة، وتحركات سياسية محسوبة، ورؤية تنموية مقنعة، تبقى فرصه قائمة لكن مشروطة بتحولات اللحظة الأخيرة، في مشهد انتخابي عنوانه الأكبر: “التنمية بإرادة السياسة”.

عالي أحمد سالم الملقب (البو)

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى