التداعيات الأمنية والعسكرية لقطع العلاقات بين الجزائر والمغرب
الشروق / يجمع المفكرون على أن السياسة الخارجية للدولة تتلخص في الفعل ورد الفعل في خضم السياسة الدولية، وفي هذا الإطار كان رد الجزائر، بتاريخ 24 – 08 – 2021، الإعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية، بعد رصدها أعمالا عدائية مباشرة وأخرى غير مباشرة اقترفها الطرف الآخر.وقد جاء هذا القرار كرد فعل مباشر لعمل تخريبي مباشر، يتمثل في ضلوع المغرب، بالتعاون البارز والموثق مع المنظمتين الإرهابيتين “ماك” و”رشاد”، في الجرائم الشنيعة المرتبطة بالحرائق المهولة التي شهدتها العديد من ولايات الجمهورية في شهر أوت 2021، إلى جانب عملية التعذيب والقتل الهمجي الذي راح ضحيته مواطن جزائري من طرف عناصر تنتمي للماك، وهو الموقف السياسي الذي اتخذته الدولة الجزائرية أمام غياب المحاور المغربي.
سبقه سلوك عدواني آخر قام من خلاله مفوض المملكة المغربية بانحراف خطير جدا وغير مسؤول، تمثل في المساس بوحدة التراب الجزائري ووحدة شعبه في مناسبة دولية، كما سجلت الجزائر تصرفات عدائية تجسدت في شن حملات إعلامية متكررة على الجزائر، وكذلك أعمال التجسس من خلال برنامج “بيغاسوس”.
وبلغت ذروة العداء بتصريح وزير الكيان الإسرائيلي من على أرض المملكة المغربية بإطلاق اتهامات باطلة وتهديدات ضمنية باتجاه الجزائر، أثناء زيارة رسمية وبحضور نظيره المغربي الذي قد يكون المحرض الرئيسي لمثل تلك التصريحات غير المبررة، وهي الخطوة الأولى التي أقدمت عليها إسرائيل منذ 1948 في توجيه رسائل عدوانية باتجاه الجزائر بصفة مباشرة.وعليه، فإن التحليل الأمني للتصريحات والنشاطات السياسية الرسمية الخارجية للملكة المغربية يفضي إلى استخلاص تواجد حالة عدم انسجام في منظومة الحكم الملكي في المغرب، ومنه يكون القرار الخارجي في السياسة الخارجية المغربية قد أصبح غير محسوب، بمعنى أن سلوك المغرب أصبح غير مأمون، بالنظر إلى احتمال وجود شرخ في النظام الملكي المغربي، ولا يوجد تفسير آخر لنجاح الكيان الإسرائيلي في اختراق مؤسسات المغرب غير ذلك الشرخ الذي أدى إلى ضعف تماسك النظام في المملكة.
إن حالة عدم الانسجام التي طبعت السياسة الخارجية للمغرب تمثلت في النشاطات المتناقضة التالية:
– في خرجة سفير الرباط لدى الأمم المتحدة في شهر جويلية 2021 بمناسبة اجتماع حركة عدم الانحياز، بتوزيع مذكرة والتي من خلالها تم التطرق إلى ما سماه حق تقرير مصير شعب القبائل، وامتناع المغرب عن تقديم تفسيرات للطرف الجزائري والتزام الصمت بخصوص هذا السلوك، رغم كونه فعلا أدى بالمملكة المغربية إلى اتخاذ منعطف خطير في مسار العلاقات الثنائية مع الجزائر.
– وفي تصريحات رئيس الحكومة المغربية التي جاءت متأخرة، والتي نفى من خلالها سعد الدين العثماني أن يكون استقلال منطقة القبائل في الجزائر موقفا سياسيا للدولة المغربية، بل الأمر لا يعدو أن يكون ردا “حجاجيا” لممثل المغرب لدى الأمم المتحدة، بل يضيف إلى كون المغرب سيبقى وفيا لمبدئه ألا وهو العمل لبناء اتحاد مغاربي منسجم وقوي وقادر على أن يخوض تحديات القرن الواحد والعشرين.
– وفي خطاب الملك في الذكرى 22 لعيد العرش حيث قال إن المغرب يحرص على مواصلة جهوده الصادقة من أجل توطيد الأمن والاستقرار في محيطه الإفريقي والأورومتوسطي، خاصة في جواره المغاربي. وقد جدد بهذه المناسبة في 31 – 07 – 2021 دعوة صادقة للأشقاء في الجزائر للعمل سويا دون شروط من أجل بناء علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار، لأن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضي الملك والمغرب. ويرى أنه في غير مصلحة الشعبين.
ويرى أن الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين الجارين، ويؤكد الملك للشعب الجزائري أن الشر والمشاكل لن تأتي أبدا من المغرب ولا يأتي أي خطر ولا تهديد، كما اعتبر أن أمن الجزائر وطمأنينة شعبها من أمن المغرب واستقراره، وأنه يتعين على البلدين تظافر الجهود للتصدي للمشاكل المشتركة المتمثلة في الهجرة غير الشرعية والتهريب والاتجار في البشر والعصابات التي تقوم بذلك هي العدو المشترك.
هذه المواقف المتباينة تدلل على عدم انسجام الموقف السياسي حاليا في المغرب، ما يمكن أن يتولد في خضمه قرار سياسي تنجر عنه عواقب وخيمة، وهو الأمر الذي عجل بنفاد صبر ساسة الجزائر، وهم مجبرون علي اتخاذ إجراء قطع العلاقات، لأنه أصبحت لا توجد جهة ضامنة ومضمونة بالمملكة يمكن أن يعول عليها.
باستقراء ربط الحاضر بالماضي، فإن التاريخ قد سجل على الجار المغربي أعمال غدر بالأمير عبد القادر لصالح فرنسا والعدوان على التراب الجزائري سنة 1963، وفي الحاضر تم استقدام الكيان الإسرائيلي والاستقواء به لترجيح ميزان التوازن الإقليمي، فيستخلص منه أن حكام المغرب لا يمكن ائتمانهم.
أمام هذا السلوك غير الاعتيادي من طرف دولة تشترك معها الجزائر بحدود برية، ما يكون عليها إلا الاستعداد للأسوأ، عملا بأفكار نظرية المعضلة الأمنية، وهي أفكار سائدة في منظور العلاقات الدولية، من باب النظرية الواقعية، وتتمثل في اتخاذ الإجراءات القصوى في غياب وضوح نية الطرف الآخر.
في هذه الحالة، يتحتم على ساسة الجزائر، في إطار القرار السياسي العسكري، اتخاذ قرارات أمنية حاسمة ومجدية تتجسد بأعمال ملموسة.
في هذا المسعى وبموجب القرار السياسي العسكري، سوف تتخذ مختلف أجهزة الدفاع والأمن في الجزائر جملة من الأعمال الاحترازية تحسبا لمتابعة وترصد تطور الأوضاع التي سوف لن تكون بالأشكال التقليدية عن طريق المواجهة المباشرة، بل تكون في اللجوء إلى تفعيل وتشغيل القوة اللينة التي تهدف الي إحداث تأثيرات متعددة الجوانب وتمس مجالات مختلفة من الدولة والمجتمع.
أمام هذا الوضع، تجد القوات الجزائرية نفسها مجبرة على الرفع من أداءاتها الميدانية في مجال تنشيط الاستعلام بكل أنواعه، ولاسيما الجزء الخاص بالحروب من الجيل الرابع، كما ستتفطن إلى إدخال في حسبانها المساعدة الفنية التي يمكن أن يقدمها الكيان الإسرائيلي للمغرب في احتمال القيام بعدائيات غير مباشرة في مجال البعد الفضائي، وأخرى مباشرة قد تشمل المجالات الجوية بالطائرات المسيرة عن بعد، وكذلك القيام بالأعمال العدوانية غير التقليدية التي يصعب التحقق بصفة جلية من مقترفيها ،وقد يتجسد ذلك في الاستعانة بالعناصر اللاتماثلية.
يضاف إلى هذه التوترات الجديدة التي نشأت على الجبهة الغربية، الاهتمامات السابقة للجزائر بخصوص الأوضاع في الساحل الإفريقي وفي ليبيا، والتي كانت تعمل الجزائر على المساعدة في التوصل إلى الحلول بشأنها.
كل هذه التجاذبات الثنائية التي أحدثت توترا حادا أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، كانت ردود الفعال الدولية بشأنها تتمثل في عدم الارتياح والتمني بعودة العلاقات بين البلدين إلى وضعها الطبيعي.
ويستشف من هذه المواقف الدولية أنه لا يوجد موضوع خلاف بين الجزائر والمغرب عدا مسألة واحدة، وهي مسألة الصحراء الغربية التي تعتبر قضية أممية في نظر المجتمع الدولي، لكن المغرب وهو يتخبط في إيجاد حل للصحراء الغربية أصبح يتشبث بكل مبادرة دولية تصب فيما يتمناه، حيث حاول الاستفادة من قرار ترامب والآن يحاول الاستفادة من التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
وعليه، فإن الموقف العربي والإقليمي والدولي يعمل على استتباب العلاقات الثنائية بين الجزائر والمغرب بدل تأجيجها، ومنه فإن محاولات الانزلاق في المستقبل ستكبحها هذه الأطراف بكل شدة، محافظة على التوازنات الإقليمية التي تخدم التوازنات الدولية، ومنه يمكن الاستخلاص بأن الحلول العسكرية مستبعدة بالنظر إلى الاعتبارات سالفة الذكر ولاعتبارات أخرى يتطلب الخوض فيها تحليلا مطولا.
قداش صـالح / خبير أمني واستراتيجي