صدق أو لا تصدق: هكذا ينظر الروس إلى القضايا العربية
هل تعرفون كيف يفكر الروس؟ ما هي مواقفهم الحقيقية من القضايا العربية والدولية التي قلما تجد طريقها بوضوح إلى وسائل الإعلام؟
قبل أيام قليلة سُعدت بلقاء مستشار روسي مخضرم يجمع بين النظرتين العربية والروسية حيال العديد من القضايا التي تشغل بال الشارع العربي هذه الأيام، وهي كثيرة ومتنوعة. ولا شك أن معظم العرب المتابعين للشأن العربي والدولي باتوا مهتمين إلى حد كبير بالموقف الروسي من الوضع العربي والدولي، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وتحريك الساحة الدولية سياسياً وعسكرياً من أقصاها إلى أقصاها. ولا شك عندي أبداً أنكم ستتفاجأون كثيراً بالنظرة الروسية إلى قضايا العالم عامة والعربية خاصة. سأبدأ أولاً بالعلاقة بين أمريكا والعرب. كيف يراها الروس؟
وهنا سنجد أن النظرة الروسية تختلف اختلافاً جذرياً عن نظرتنا نحن العرب في الوسطين السياسي والإعلامي لطبيعة العلاقة بين أمريكا والعرب. نحن نعتقد مثلاً أن أصغر مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية يستطيع أن يملي أي شيء على أي نظام عربي عبر الهاتف، وأن القادة العرب يرتعبون لمجرد تلقي اتصال من مسؤول أمريكي من الدرجة الخامسة، ولا يمكن أن يُقدموا على أي خطوة إذا لم يحصلوا قبلها على ضوء أخضر أمريكي. لكن صاحبنا الروسي يرى أن هذه النظرة خاطئة تماماً، وأن العرب خرجوا منذ زمن طويل من تحت العباءة الأمريكية، وخاصة في الخليج، وأن أمريكا باتت فعلاً غير قادرة على فرض أي قرارات على العرب، وهي تشعر اليوم بغضب شديد من بعض السياسات العربية، كالسياسة السعودية والإماراتية. ويرى المستشار الروسي أن الأنظمة العربية اليوم هي تقرر بنفسها رغماً عن أنف أمريكا، وأن التقارب السعودي الإيراني والتقارب العربي مع النظام السوري جاءا برغبة عربية خالصة بعيدة كل البعد عن أي تأثير أمريكي، وهو أمر يزعج الأمريكيين والإسرائيليين على حد سواء.
ومن الملفت أيضاً أن الروس المناصرين للقضية الفلسطينية لا يرون أي مشكلة في التطبيع العربي مع إسرائيل، لأن الدول التي طبعت علاقاتها مؤخراً كالإمارات، تعمل جاهدة من خلال التطبيع مع تل أبيب على دعم القضية الفلسطينية بقوة، لا بل يعتقدون أيضاً أن إيران وميليشياتها في لبنان وسوريا تقاوم إسرائيل من أجل القدس وفلسطين.
النظرة الروسية تختلف اختلافاً جذرياً عن نظرتنا نحن العرب في الوسطين السياسي والإعلامي لطبيعة العلاقة بين أمريكا والعرب
ومن الغريب أيضاً أن الروس لا يعتقدون أن إيران تحتل العراق أو سوريا مثلاً، بل إن القادة العراقيين هم من يحكمون العراق فعلياً وأن التأثير الإيراني ليس بالصورة التي يصورها البعض مطلقاً. وحتى في سوريا لا يتمتع الإيرانيون بعشرة بالمائة من التأثير والنفوذ الذي تروج له بعض وسائل الإعلام العربية، فحسب صاحبنا الروسي، فإن الحاكم الأول والأخير لسوريا اليوم هو النظام السوري حصراً، وأن الطائفة العلوية مازالت تحكم قبضتها بقوة على كل شؤون البلاد رغم الوجود الروسي والإيراني في سوريا. ويضيف بأنه مهما عانى العلويون في سوريا من الفقر والجوع والقهر، فإنهم لا يمكن أن ينقلبوا على القيادة الطائفية في سوريا، وهم مستعدون أن يأكلوا الحجارة ولا يمكن أن يثوروا على النظام رغم كل الظلم والتجويع والتنكيل الذي ألحقه بهم على مدى العقد الماضي، لأنهم أصبحوا مرتبطين عضوياً بالنظام بكل ما فعله وما فعلوه.
وبخصوص التدخل الروسي في سوريا، فهو لم ينقذ النظام بقدر ما أنقذ سوريا كلها، وخاصة العاصمة دمشق التي كانت ستتحول إلى ركام خلال أسابيع، وأن أكثر من مليون سوري سيلاقون حتفهم في العاصمة وحدها لولا التدخل الروسي الذي جاء بمبادرة روسية خالصة وليس بناء على طلب من النظام السوري أو الإيراني.
أما فيما يخص الاستراتيجية الإيرانية الجديدة عموماً، فإن الروس لا ينظرون إليها كما تنظر الأوساط السياسية والإعلامية العربية المناهضة للنفوذ الإيراني في المنطقة، فإيران اليوم، حسب الروس، لم تعد إيران الخميني التي تريد أن تصدر ثورتها وتعمل على نشر التشيع، والعبث بشؤون جيرانها العرب، بل إن القيادة الإيرانية قد تغيرت كثيراً وصار جل اهتمامها هو الداخل الإيراني، وأن التيار الأقوى داخل إيران اليوم يعمل بشعار: «إيران أولاً» ويريد النهوض بالشؤون الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية للبلاد، وإيران غدت الآن أكثر اهتماماً بتطوير علاقات طيبة مع جيرانها العرب بعيداً عن البلطجة والاستفزازات المعهودة. وعندما يتحدث الساسة الإيرانيون اليوم عن إصلاح العلاقات مع الخليج فهم لا يمارسون التقية السياسية الإيرانية المعروفة، بل هم جادون فعلاً، لأنهم صاروا أكثر اهتماماً بالجوانب الاقتصادية والتجارية منها بالجوانب العدوانية.
ولا شك أن الروس لا يشعرون بأي هزيمة في أوكرانيا حسب السيد المستشار، وأنهم لو أرادوا فهم قادرون على شن حرب حقيقية بعشرات الفرق العسكرية ومئات الطائرات، بحيث يحتلون أوكرانيا خلال ساعات ويهددون أوروبا كلها، خاصة وأن القيادة الروسية قادرة أن تجند سبعة عشر مليون مقاتل روسي لمواجهة الغرب إذا دعت الحاجة. وكما هي عادة المحللين الروس والسوفيات من قبلهم، فإن أمريكا والغرب بالنسبة لهم نمر من ورق وأنها أوهن من بيت العنكبوت، وحتى دولارها لن يصمد طويلاً أمام روسيا وحلفائها في العالم.
طبعاً سيسألني البعض بعد كل هذا السرد المفصل للموقف الروسي من القضايا العربية والدولية، وكيف كان ردك على الخبير الروسي بعد أن سمعت منه كل ذلك؟ والجواب طبعاً، وبكل احترام، لا أتفق معه في كل ما قاله، وأراه بعيداً جداً عن الواقع.
فيصل القاسم
كاتب واعلامي سوري
[email protected]